مع توجيه التهمة رسميا الاثنين في طوكيو لكارلوس غصن بعدم التصريح عن دخله كاملا طوال خمس سنوات، يتسارع سقوط رجل أعمال كبير نال الإعجاب لبنائه مجموعة السيارات الأولى في العالم، غير أنه انتقد أيضا لحبه الترف والمال.
ويواجه غصن البالغ من العمر 64 عاما سقوطا مدويا، وهو المعتاد نمط حياة فاخرة، أوقف وأودع منذ 19 نونبر زنزانة انفرادية صغيرة في أحد سجون طوكيو، ويجد نفسه مضطرا لمواجهة المحققين اليابانيين بدون مساعدة محاميه.
ولا يزال رئيس مجلس إدارة شركة رينو التي ارتقى بها إلى مصاف كبرى الشركات في العالم بضمها إلى شركتي نيسان وميتسوبيشي موتورز، يتولى رسميا رئاسة المجموعة رغم تجريده من مهام رئاسة مجلسي إدارة الشركتين اليابانيتين بعد توقيفه.
لكن رغم نفيه جملة التهم الموجهة إليه، من الصعب أن يتمكن من العودة مستقبلا إلى مزاولة الأعمال بعدما شوهت الفضيحة صورته ونزعت عنه الثقة.
يخيم الذهول في مقر المجموعة الفرنسية في بولونيه بيانكور، حيث قال معاون مقرب من غصن إن الاخير "أنشأ التحالف منذ عشرين عاما، وهذا يستوجب الاحترام".
ويوصف غصن في الأيام الأخيرة بأنه "شديد البأس والعزيمة" ومصمم على الدفاع عن نفسه رغم فترة توقيفه الطويلة جدا بالنسبة للمعايير الفرنسية.
وكان رجل الأعمال الفرنسي اللبناني البرازيلي الذي يتكلم عدة لغات وجال العالم منذ طفولته، عند ذروة المجد حين تم توقيفه.
فهو كان رئيس شركة السيارات الفرنسية منذ 2005 حيث خلف لويس شفايتزر الذي وظفه بنفسه وكان عرابه في منصبه، وقد فاز للتو بولاية جديدة على رأس مجلس إدارة المجموعة الفرنسية.
وكان غصن موضع إشادة لتحويله شركة صغيرة تنحصر نشاطاتها في أوروبا، إلى واحدة من كبرى الشركات العالمية.
وارتقت مجموعة رينو نيسان التي توسعت عام 2016 لتضم شركة ميتسوبيشي، إلى المرتبة الأولى في العالم من حيث المبيعات العام الماضي، مع وصول رقم مبيعاتها إلى 10,6 مليون سيارة، متقدمة على منافسيها فولكسفاغن وتويوتا وجنرال موتورز. وفي يوليو، أعلن غصن مرة جديدة عن أرباح قياسية.
وتحتل المجموعة التي تضم عشر علامات تجارية منها داسيا ولادا وسامسونغ موتورز وألبين وإنفينيتي وداتسون، ولديها 470 ألف موظف و122 مصنعا، مواقع بارزة في جميع القارات وهي رائدة في مجال السيارات الكهربائية، ولا تتقدم عليها في هذا المجال الواعد للمستقبل سوى شركة تيسلا. كما أنها متقدمة في مجال السيارات "المتدنية الكلفة" التي تعتبر منفذا لاكتساح أسواق الدول الناشئة.
يؤكد مدير مركز الأبحاث حول السيارات في المانيا فردينان دودنهوفنر أنه "لولا كارلوس غصن، لما كانت رينو كما هي اليوم".
غير أن غصن المتخرج من معهد بوليتكنيك، رديف التميز في فرنسا، ووصل عام 1996 إلى رينو بعد مسيرة مميزة في شركة ميشلان حيث ارتقى مراتب المسؤولية وصولا إلى منصب الرجل الثاني، كان يواجه كذلك انتقادات تأخذ عليه تركيز الكثير من السلطات بين يديه داخل تحالف يعتبر هو حجز الزاوية فيه.
حرصا منها على استمرارية المجموعة وعلى التحضير لحقبة ما بعد غصن، ارغمته الدولة الفرنسية التي تستحوذ على أكثر من 20% من حقوق التصويت في شركة رينو، على اختيار خلف له في فبراير والقبول بتخفيض كبير لراتبه.
وتقاضى غصن على رأس تحالف رينو ونيسان وميتسوبيشي 13 مليون يورو عام 2017، بحسب أرقام مكتب "بروكسينفست" المتخصص في الحوكمة، وهو مبلغ عادي لقادة أعمال من طرازه في الولايات المتحدة، غير أنه يثير صدمة في فرنسا واليابان.
ومع توجيه التهمة إليه بارتكاب مخالفات مالية وعدم التصريح عن دخله كاملا، وورود تسريبات كثيرة حول القضية في الصحف اليابانية، تعززت صورة غصن كشخص جشع محب للمال. ويشتبه في هذا السياق في أنه حمل نيسان تكاليف عدد من رحلاته الفاخرة إلى مختلف البلدان، وحتى تكاليف زفافه من زوجته الثانية كارول نحاس في قصر فرساي خريف 2016 خلال حفل فخم من وحي القرن الثامن عشر.
ويصف كارلوس غصن نفسه بأنه مدمن عمل، يحضر إلى مكتبه الساعة 7,30 صباحا "بعد أن أكون عملت عدة ساعات"، وطالما دافع من مستوى دخله باعتباره مكافأة لأدائه.
وتخصص غصن الصارم المظهر والمعروف بلقب "خافض التكاليف" طوال مساره في النهوض بشركات على شفير الإفلاس، ويصفه موظفون في نيسان بأنه شديد القسوة، ويقول موظف سابق إنه "يطلب مجهودا غير متناسبا إطلاقا ويمارس ضغوطا لا توصف".
غير أنه كان في المقابل يبدي حرارة لمعاونيه وينصت لهم، وهم كانوا بصورة عامة يثنون على روحه القيادية والكاريزما التي يتمتع بها.
وقبل هذه القضية التي أعلنت سقوطه في اليابان، كان يلقى الكثير من التقدير والإعجاب في هذا البلد حيث كان لفترة بطل سلسلة مانغا بعد نهوضه بشركة نيسان التي سيطرت عليها رينو عام 1999. واتهم لفترة طويلة في فرنسا بإعطاء الأولوية للمصالح اليابانية وباتباع أسلوب إداري يقوم بشكل مسرف على الاعتبارات المالية.
وتواجه غصن مع الحكومة الفرنسية عام 2015 حول مسألة حقوق التصويت المزدوجة لحملة الأسهم الطويلة الأجل، وهو ما اعتبرته نيسان مخالفا للتوازن داخل التحالف.
وأحد المقربين منه هيروتو سايكاوا الذي عينه غصن شخصيا على رأس الشركة اليابانية هو الذي سدد له الضربة القاضية بنقله معلومات إلى القضاء الياباني وانتقاده علنا.
ولطالما حافظ هذا الأب لأربعة أولاد المولود في البرازيل من عائلة لبنانية الأصل، على روابطه مع لبنان حيث تلقى دروسه لدى الآباء اليسوعيين.