قال الدكتور محمد بشاري، أمين عام المجلس العالمي للمجتمعات المسلمة، إن "الارتباط المغربي باتفاق التعاون الاستراتيجي مع دول مجلس التعاون الذي تم توقيعه في المملكة العربية السعودية (الرياض) عام 2012، والذي ينطوي على مختلف صور التعاون في مجالات التعاون السياسي والاقتصادي والاستثماري والتجاري والسياحي والأمني والثقافي والعلمي، لم يجد من الطرفين وفي ظل الأزمات العالمية والسياسية الإقليمية المتتالية، إلا ازدياداً في الإرادة الواعدة لترجمة شرقية جديدة ذات طابع متميز ومتفوق على كافة تحدياته وأزماته السابقة؛ الأمر الذي يعني أن الآثار المترتبة على هذه العلاقة ما هي إلا "مظلة خير" للعالم العربي، وستؤدي بخروج العديد من الآثار الإيجابية على المنطقة".
المغرب والخليج
وأضاف في مداخلة له في ندوة "الخليج العربي بين الشرق والغرب: المسألة الشرقية الجديدة"، عشية أمس الجمعة، بموسم أصيلة الثقافي الدولي الثالث والأربعين، إن "منطقة التعاون الخليجي ككل والمملكة المغربية، سطرت سوياً على امتداد عقود العديد من الإنجازات الدافعة بالاستقرار والحافظة للمنظومة القيمية الأخلاقية الإنسانية من خلال إرادة سياسية مشتركة في الأهداف والوسائل، مما يبشر باستشرافات مستقبلية متميزة، تنطلق من استثمار رأس مال الأرباح المستدامة : (الإنسان )، وصولاً لأبهى الإمكانيات والمواقع الاستباقية على المستوى العالمي. وفي إمعان كافة الظروف والمعطيات السابقة، يمكننا الانطلاق باستشراف جديد يجيب على (المسألة الشرقية الجديدة)، باعتبار ما لها من تفرد ومكانة خـاصة فـي الحسابات السياسية العالمية والإقليمية".
وأبرز المتحدث ذاته، أن "العلاقات الوثيقة لدول الخليج مع الدول العربية الصديقة لها، وللمنطقة الخليجية علاقات ضاربة في الأصالة مع المملكة المغربية، والتي نعرج فيها على العلاقة المغربية الإماراتية، التي تميزت بقوة ومتانة علاقتها، منذ انطلاقها في سنة 1972، مسطرةً عاماً بعد عام خطوات واثقة في بث استشرافات إيجابية، وتعاونات إستراتيجية في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية تحت قيادة البلدين".
وشدّد على أن "المملكة المغربية نفس المواقف الداعمة للمواقف السياسية الخليجية مما يجعل من مصالحهم سلة مشتركة، وتحقيق أهداف كل منها هدف استراتيجي ممتد على امتداد مسار الشراكة الخليجية المغربية، وقد أثبت ذلك الانسجام (الخليجي المغربي) في العديد من القضايا والمواقف مثل جهود الملك محمد السادس ( رئيس لجنة القدس) في الدفاع عن الوضع الخاص للقدس وحماية طابعها الإسلامي، وكذلك تأكيد موقف دول المجلس الثابت في دعم سيادة المغرب على صحرائه ووحدة أراضيه".
ولفت إلى أن "المنطقة الخليجية تتأثر كسائر الدول في العالم بحزمة الظروف والتغيرات الطارئة والمحيطة بها، سيما أن التشابك العلاقاتي والاتحاد والتشارك في الأهداف الكبرى ذات الصلة بالمشتركات الإنسانية والمصالح المشتركة لا تتوقف على طرف دون الآخر، كما لا يمكن في عصر التطور والتقدم قيام نموذج دولي مكتفي تماماً دون ترابط وتعاون دولي".
وتابع: "في حين تتميز منطقة الخليج العربي أهميتها الإستراتيجية المستمدة من حقائقها الجغرافية وإمكانياتها الاقتصادية، فإنها تواجه العديد من مظاهر التنافس السياسي والعسكري الذي يتصاعد حولها سيما أن جغرافيتها تمثل حلقة وصل بين أكبر ثلاث قارات في العالم، ولا يخفى ما يحيط بالمنطقة العربية (الشرق الأوسط) عموماً، والخليجية خصوصاً من تحديات كبرى يعتبر تحقيق "الاستقرار" رأس مالها الحقيقي، وهذا ما يفسر توجه المنطقة الخليجية العربية لبناء ترسانة من المنظومة الأخلاقية والثقافية والمبادراتية، والإدارة السياسية الساعية لتشييد بنيان رصين يشكل بوصلة عالمية في إنجازاته المثبتة لأرضية الاستقرار والتهدئة وحل النزاعات وإغاثة الإنسان".
التسرب الفوضوي
وأوضح أن "المنطقة العربية والخليجية أثرت عليها توغل العديد من جبهات التمرد، وأنشطة الجماعات الإرهابية وجماعات التحريض على قلب طاولة "الشرعية" السياسية، كما في الجمهورية اليمنية، فقد شكل ذلك دافع قوي لتحرك دول الخليج بإجراءات أمنية مشددة تدرأ عن أوطانها مخاطر التسرب الفوضوي وعوامل التأثير على استقرار بلدانها وشعوبها من داخل الدولة أو خارجها".
وأكد أن "الحديث عن (المسألة الشرقية الجديدة)، يُعتبر عصباً رئيساً في صورته القادمة سيما أنه يقع في قلب الوطن العربي، وله ما له من خصوصية ومكانة دينية وجغرافية وإقليمية، إلى جانب القوة السياسية القراراتية. وها هي اليوم دول الخليج في وقتنا الراهن تواجه بقوة معتادة منها مجموعة الصعوبات والتحديات التي أضيف لها الأزمة السياسية الجديدة بين كل من روسيا وأوكرانيا، دافعة بالعديد من الجهود الخارجية كالمبادرات، ومحاولات التهدئة السياسية، والعلاقات الدولية. والداخلية في إبعاد أي عوامل ضارة عن مجالات الطاقة، والأمن الغذائي، وغيرها".
وشدد على أن "التوجهات الدولية الراهنة لدول الخليج العربي في الإطار الإقليمي، ترتبط ارتباطاً وثيقاً واستشرافات المستقبل العربي بشكل عام، لما لها من مكانة قوية في قلب الشرق الأوسط، وبالتالي فأمن واستقرار وتطور المنطقة الخليجية والعربية وجهان لعملة واحدة. ولأن قوة دول الخليج واتجاهاتها تنطلق بداية من قلب إدارتها الداخلية ومدى رصانة نظامها وسياستها".
التصرف في ظل التغيرات
ولفت إلى أنه "ليس من الصعب استقراء الصورة المقربة عن العلاقات الخليجية بدولها ذاتها، وبخاصة في ظل قياس امكانياتها السابقة في حل الأزمات، ومدى ارتباطها وتعاونها المستمر، وفي ذات الوقت فلا ينكر عاقل مدى الضغط الإقليمي على هذه الدول من عدة أطراف وتيارات تحيط بالجغرافية الخليجية من كل حدب وصوب".
وأشار إلى أن "دول الخليج حابت الأمن والاستقرار على النزاع والتشتت، أو الانزلاق في دوامة لا تنتهي من الفوضى الأمنية. وبالتالي فقد أجادت التصرف في ظل التغيرات، والتحولات الديمقراطية والأنماط السياسية، ووضعت قضايا الإصلاح والديمقراطية على رأس القائمة، تصدياً لكافة الانعكاسات المضادة كآثار (الربيع العربي)، مرسخةً كافة الوسائل والأدوات لتحقيق وحدة وتماسك خليجي وعربي واسع".
وأكد أن "دول الخليج العربي استثمرت ميزاتها من مقومات الاستقرار، وتوافر الثروة المالية، وجودة الاعتدال السياسي، والعلاقات القوية مع الخارج، و شكلت في قلب الإطار الإقليمي عنصراً فاعلاً ونابضاً بطرح الحلول والتفاهمات بين شتى الأقطاب المتصارعة، بعيداً عن تهديدات الاستعمال النووي، أو فرض الحماية الدولية الأمريكية، أو التشظي الداخلي، أو الهشاشة المجتمعية والاقتصادية، وغيرها. إذ باتت تخطو خطوات واعية بحجم الخطر والمسؤولية الحقيقة في نطاق إقليمي".