قررت وزارة الاقتصاد والمالية وإصلاح الإدارة، يوم الجمعة 06 مارس 2020، بعد التشاور مع بنك المغرب، الانتقال إلى المرحلة الثانية من إصلاح نظام سعر الصرف، الذي انطلق في شهر يناير 2018، من خلال توسيع نطاق تقلب سعر صرف الدرهم، ابتداء من يوم الاثنين 9 مارس 2020، من 2,5± في المائة إلى 5± في المائة بالنسبة إلى سعر الصرف المركزي المحدد من طرف البنك المركزي.
عمر باكو، الباحث الاقتصادي المتخصص في سياسة الصرف، الحاصل على الدكتوراه بأطروحة في موضوع "سياسة الصرف في المغرب وتحديات العولمة" (Pour Mieux Comprendre La Flexibilité Du Dirham)، أصدر أخيرا كتابا تحت عنوان "من أجل الفهم الجيد لتليين الدرهم".
التقاه "تيلكيل عربي" لاستيضاح كل ما يتعلق بتليين الدرهم وكل ما يرتبط منه من آثار، ودواعي الإصلاح الذي اتخذه المغرب، والذي دخل المرحلة الثانية، في إطار التعويم التدريجي للعملة الوطنية...
لماذا أصدرت هذا الكتاب، وحول موضوع تليين الدرهم تحديدا، بعد اتخاذ القرار بتبنيه؟
أولا، لأنني أولا أنجزت أطروحة في الموضوع، اشتغلت عليها لأكثر من ست سنوات.
وثانيا، لاحظت في النقاش الذي وقع حول "تليين" (flexibilité) الدرهم، أخطاء متعددة، وتأويلات مجانبة للصواب. ومن بين هذه الأخطاء، أن التعويم (flottement) يعني تخفيض قيمة (dévaluation) الدرهم؛ أي تخفيض سعر العملة، أو أن يعني القابلية للتحويل إلى عملات أخرى (convertibilité)، بمعنى أن تصبح تحويلات الأموال بدون قيود. وهناك من قدم سيناريوها كارثيا، وتوقع أن تعرف هذه المرحلة مثل ما وقع في مصر، لما تنطوي عليه من مخاطر اقتصادية كبيرة... فضلا عن التحليل الرسمي، الذي كان مبهما، والذي قدم الأمر كأنه حل سحري، سنقوم به وسيحل كل المشاكل. ولم يتم تقديم نسبة أثر هذه الوصفة وما يمكنها أن تقدمه للمغرب. وهذا ما جعل جهة رسمية تقول إن هذه الخطوة في صالح التنافسية، ولن يكون لها وقع على الأسعار... وبالنظر لمعرفتي الدقيقة بالموضوع، بحكم أنني اشتغلت عليه لمدة كبيرة، وبالنظر للموضوع الذي لم يكن مفهوما بشكل جيد، فقد اتخذت القرار بإعداد هذا الكتاب ليفسر لمن لديه ثقافة القراءة موضوع تليين العملة بطريقة سهلة ولكن بعمق علمي...
وأعتبر أنها إهانة للمغرب وللفكر الاقتصادي في البلاد أن يقوم المغرب بإصلاح كبير ولا يُكتب عنه كتاب، ولا يعقل أن يبقى الموضوع بين ثلة من التقنيين الإداريين...
إهانة للمغرب وللفكر الاقتصادي في البلاد أن يقوم المغرب بإصلاح كبير ولا يُكتب عنه كتاب، ولا يعقل أن يبقى الموضوع بين ثلة من التقنيين الإداريين.
وما الفرق بين تليين العملة ونظام الصرف الثابت؟
أولا، وفي الحقيقة، نظام سعر الصرف الثابت ليس ثابتا في العالم بأسره. بعد سنة 1971، لم يبق هناك سعر صرف ثابت، لأنه منذ 1944 إلى سنة 1971، كان هناك نظام "بروتون وودز" باتفاق بين الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا تحت إشراف صندوق النقد الدولي، وهو نظام يربط كل العملات مع الدولار، وكان ربط الدولار مع الذهب، وكان كل دولار يقابل 35 أوقية من الذهب. ولم يستمر هذا النظام، الذي فشل سنة 1971، لأسباب مرتبطة بالولايات المتحدة التي أصبحت نفقاتها كثيرة بسبب حرب الفييتنام، فشرعت تنتج العملة أكثر من مقابلها من كميات الذهب، وتغطي مصاريف الحرب بعجز ميزانياتي... ما جعل قيمة عملتها، مقابل الذهب، تتراجع لأن كمية الذهب محدودة، فطرح إشكال على المستوى العالمي، ما جعل فرنسا تقول لهم "إنكم تستغلوننا، باستغلال ثقتنا فأصبحتم تنتجون عملة أكثر لتغطية نفقاتكم..."، فوقع هذا الصراع ليبدأ التهديد بمطالبة الأمريكيين بالمقابل من الذهب، فتم الشروع في إفراغ صندوق الاحتياط الأمريكي من المعدن النفيس، فاضطرت الولايات المتحدة للتخلي عن المسؤولية عن نظام عالمي أصبح إكراها بالنسبة إليها وضاغطا عليها لتحديد نفقاتها، لتعلن عدم قابلية تحويل الدولار إلى ذهب (الدولار عملتنا وهو مشكلتكم!).
إذن، في ذلك النظام كان هناك سعر صرف ثابت، والدرهم المغربي كان مرتبطا بالفرنك الفرنسي بشكل ثابت، والفرنك الفرنسي ثابت مع الدولار... والمغرب عندما كان يستورد بالدولار كان يستورد بالدرهم الثابت مع الدولار، لأنه ربط عملته بالفرنك، ولم يكن هناك تغيير. ولكن عندما انتهى ذلك النظام في 1971، صارت العملات القوية، التي كانت في ذلك الوقت، مثل المارك الألماني، وأيضا الدولار والفرنك السويسري والجنيه البريطاني، وحتى الفرنك الفرنسي نسبيا، غير ثابتة، إذن عندما تربط الدرهم "الثابت" مع الفرنك، يصبح غير ثابت...
وقد كان المغرب، في 1973، من الدول الأولى التي اتخذت قرار "نظام السلة"، لأنه كان هناك إشكال هو أن البلاد كان هاجسها هو نسبة التضخم، وما زال، وهي ميزة اقتصادية...
كان المغرب، في 1973، من الدول الأولى التي اتخذت قرار "نظام السلة"، لأنه كان هناك إشكال هو أن البلاد كان هاجسها هو نسبة التضخم، وما زال، وهي ميزة اقتصادية.
قبل مواصلة الحديث عن نظام السلة، هل يمكن أن نتوقف عند هاجس ضبط التضخم الذي وصفته بالميزة الاقتصادية للبلاد. لماذا يبدو الأمر حساسا؟
نعم حساس ولا يجب "اللعب" فيه، لأن قرار التحكم في نسبة التضخم هو قرار حكيم جدا و الذين عاشوا التضخم عرفوا أثره. التضخم يخرب الاقتصاد، والأرجنتين مثال على ذلك، لأنه بعد انعدام الثقة في العملة الوطنية، لا يمكن استعادتها إلا بعد 30 أو 40 سنة.
في زمن التضخم، يع خلل في القيمة الداخلية للعملة، فلا يثق فيها الفرقاء الاقتصاديون، فيمتنعون عن إقراض الدولة، ولا يقرضون بعضهم البعض، ويختفي السوق المالي، وحينها لا يمكن التقدم إلى الأمام. الآن الدولة تقترض على مدى 25 عاما بنسبة 5 في المائة. تصور أن يكون هناك تضخم وتفقد العملة الثقة، وحينها ستضطر الدولة للاقتراض بنسب كبيرة... هذا فضلا عن أثر التضخم في خلخلة التوازنات الاجتماعية وتضرر أصحاب الأجور الثابتة وتوسع الفوارق...
وما علاقة التضخم بسعر الصرف؟
نسبة التضخم لا ترتبط فقط بسعر الصرف. في مقارنة المغرب مع الولايات المتحدة، نجد الواردات تشكل 15في المائة من الناتج الداخلي الخام، فيما تتجاوز الواردات في المغرب 40 في المائة، ما يجعل سعر الصرف يؤثر على الأثمان الداخلية في المغرب ثلاث أو أربع مرات أكثر من الولايات المتحدة الأمريكية. وإذا كان هناك انخفاض كبير في سعر الصرف، قد يؤثر ذلك على الأثمان الداخلية. والتأثير قد يكون كبيرا، إذا كان نطاق تقلب الدرهم واسعا، وكانت هناك صدمة خارجية من قبيل ارتفاع كبير لثمن البترول، وانخفضت قيمة الدرهم بنسبة 30 في المائة، قد يؤدي ذلك إلى ارتفاع نسبة التضخم، مثل ما وقع في تونس؛ حيث وصل التضخم إلى نسبة 7 و8 في المائة...
إذا كان نطاق تقلب الدرهم واسعا، وكانت هناك صدمة خارجية من قبيل ارتفاع كبير لثمن البترول، وانخفضت قيمة الدرهم بنسبة 30 في المائة، قد يؤدي ذلك إلى ارتفاع نسبة التضخم.
سعر العملة لا يتأثر فقط بسعر الصرف فقط، لكنه يتأثر بالثقة في العملة من طرف المواطنين، لأن الأسعار ترتفع عندما يتم توقع التضخم، وتقوم النقابات وتتم المطالبة بالزيادة في الأجور ويصبح الجو مشحونا، لأن الكل يتوقع ارتفاع الأسعار ليتم الدخول في دوامة...
لنعد إلى سلة العملة التي تبناها المغرب...
عندما اتخذ المغرب ذلك القرار، كانت قيمة الفرنك تتراجع مقابل الدولار، ما يجعل قيمة الدرهم تنخفض أيضا مقابل الدولار لأن العملة المغربية كانت مرتبطة بالفرنك، فأصبحت حوالي 40 في المائة من المواد يرتفع ثمنها، ما جعل المغرب يتخوف من التضخم، والضغط على الأسعار، لأن اقتصاده في ذلك الوقت لم يكن مثل اليوم، لأنه كان يستورد كثيرا من المواد الأساسية، فكان الارتباط أكثر من الحاصل الآن. ما جعله في ذلك الوقت، وليضمن استقرار الأمور، أن يتبنى نظام السلة، وهي بطريقة بسيطة، أن يمكّن الدرهم من الحصول على نفس سلة العملة (60 في المائة من الأورو و40 في المائة من الدولار) بشكل ثابت. وكأنك تريد أن تشتري بنفس العملة نفس السلة من البطاطس والجزر مثلا، ولكن ثمن الدولار والأورو يتغيران يوميا، ما يجعلك تغير يوميا ثمن الدرهم مع الدولار وثمن الدرهم مع الأورو، ولأنك تسعى للحصول على نفس السلة فيجب مثلا أن تنقص مثلا من ثمن الدرهم مقابل عملة من العملتين وتزيد مقابل الأخرى وهكذا، من خلال اللعب على العملتين مقابل الدرهم، لنحصل على نفس السلة...
إذن، هذا هو النظام الذي كان يوصف بأنه ثابت، وهو غير ثابت في الواقع، وقد مر من مجموعة من المراحل؛ أي عندما كانت هناك مجموعة من العملات، ليمر إلى الأورو، وقابلنا الدرهم في سلة من 80 في المائة من الأورو (و20 في المائة من الدولار) قبل أن تصبح 60 في المائة في 2015، وبصفة عامة يمكن أن نقول إن سعر الدرهم كان "محددا" بطريقة إدارية، من خلال تركيبة تحددها وزارة المالية ويتكلف بنك المغرب بإعمالها، مع ترك نسبة 0,3 في المائة كهامش للسوق، حسب العرض والطلب. وهذا السوق يرتبط بحركة العملة الصعبة، كما يقع مثلا في الصيف عند دخول المغاربة المقيمين في الخارج، فتكثر العملة في السوق ويتم شراؤها بثمن منخفض قليلا، وفي فترات التوتر، يقع العكس من خلال تقديم تحفيز بزيادة قليلة وهكذا.. المهم أنه بدأ، منذ ذلك الحين، الشروع في إدخال آليات السوق على الأقل.
سعر الدرهم كان "محددا" بطريقة إدارية، من خلال تركيبة تحددها وزارة المالية ويتكلف بنك المغرب بإعمالها، مع ترك نسبة 0,3 في المائة كهامش للسوق.
اليوم، تم توسيع الهامش إلى 0,2 في المائة، قبل أن يرتفع الهامش منذ 9 مارس إلى 5 في المائة، وهذا هامش تحرك سوق الصرف. إذن فهناك السوق وهناك التحديد المتمثل في السعر المرجعي. ومن أراد بيع كمية كبيرة من العملة مثلا لا يمكنه أن يتجاوز الهامش في الانخفاض، لأنه حينئذ سيتدخل بنك المغرب لشرائها، للحفاظ على استقرار العملة.
كيف يمكن وصف هذا النظام؟
هي صيغة هجينة ما زال فيها تحديد مع إدخال ميكانيزم السوق، مع التوسيع التدريجي لتلك الهوامش حتى يتم حذفها بشكل نهائي.
وهل حينها يمكن الحديث عن تحرير للعملة؟
في الواقع ست دول في العالم كله هي التي توصف بأن فيها تحرير ولكنه ليس مطلقا. لأن صندوق النقد الدولي لا يعتبر التحرير مطلقا إلا إذا كان تدخل البنك المركزي لا يتجاوز ثلاث مرات في ستة أشهر، والآن ليس هناك من لا يتدخل! لأن سوق الصرف ليس كالأسواق الأخرى والبنوك المركزية لا تترك الحرية المطلقة لسوق الصرف. فقط هناك أنظمة تتدخل في السوق وأنظمة أقل تدخلا.
وحتى معايير صندوق النقد الدولي فيها نقاش، لأنه يعتبر منطقة نظام الأورو مثلا فيها تحرير، فهل هذا هو الواقع في اليونان؟
لنعد إلى المغرب...
المغرب اتخذ قرار التحرير التدريجي والمستوى الحالي ضئيل جدا، لأن المملكة في الثمانينات، في فترة كانت الظروف قاسية، اتخذت، ولثمان مرات قرار تخفيض قيمة الدرهم، والتي إذا جمعناها نصل إلى نسبة 50 في المائة من تخفيض قيمة العملة. واليوم، إذا انخفضت قيمة العملة نصل إلى 5 في المائة، وإذا أخذنا في الاعتبار سلة العملة التي تبناها قبل ذلك يصل الهامش إلى أقل حتى من 5 في المائة ! إنها فقط مرحلة للتمرس على تعويم العملة بشكل بطيء، والمغرب قد نعتبره في نهاية المطاق جد محافظ في هذا المجال.
ذكرت في كتابك، أن هذا النظام لتليين العملة هو دواء من بين الأدوية وليس هو الدواء...
قبل 2007 و2008، كانت لدينا آليتان لتدبير مسألة العجز؛ الاقتراض من الخارج والسيولة الاحتياطية من العملة التي تكون لدى بنك المغرب. ثم تبين حدود هذه المسألة عندما وصلنا في 2012 إلى العتبة النفسية وهي 60 في المائة من الناتج الداخلي الخام من الديون الخارجية وهي عملية مستمرة، ليصل إلى أزمة صرف. ما يجعل الدولة في ظل انخفاض الادخار الداخلي، عندما تريد الاقتراض من الخارج لن تجد من يقرضها، فيقع الضغط على الاحتياط من العملة.
وعندما يتم رفع سعر الصرف، سيجعل المواطنين يمتصون هذا الأمر، لأنه سيرتفع ثمن الواردات، والمواد التي يتم استيرادها والتي قد تصل نسبتها إلى 47 في المائة سيرتفع ثمنها، الذي سيؤديه المواطنون الذين سيساهمون في الحد من قلة العملة الصعبة في البلاد...
المشكل في الأصل هو مشكل طاقي بالأساس، لأن أكثر من 95 في المائة من المواد الطاقية لا ننتجها، ونستوردها، وإذا ارتفع ثمنها، ستؤثر على الاقتصاد، والحل في الواقع هو معالجة المشكل جذريا، من خلال التقليل من التبعية الطاقية، لأنه تقنيا اللعب على سعر الصرف لا يحل المشكل إلى ما لا نهاية.
الحل في الواقع هو معالجة المشكل جذريا، من خلال التقليل من التبعية الطاقية، لأنه تقنيا اللعب على سعر الصرف لا يحل المشكل إلى ما لا نهاية.
ثم إن قيمة الدرهم إذا انخفضت بنسبة 15 و20 في المائة سينهار، لأنه سيقع هروب للرساميل، كما وقع في لبنان ومصر وغيرهما... إذن سعر الصرف آلية تعمل جيدا في حالة عدم انخفاض قيمة الدرهم إلى مستوى معين، لتبقى محدودة المفعول، ولتبقى الإشكالية طاقية وحلها طاقي.
وتوسيع نطاق تقلب الدرهم لا يمكن أن يتجاوز 10 في المائة، لأن الدولة لديها طاقة محدودة لتحمل التضخم من طرف المجتمع، بغض النظر عن قوة المؤسسات...
توسيع نطاق تقلب الدرهم لا يمكن أن يتجاوز 10 في المائة، لأن الدولة لديها طاقة محدودة لتحمل التضخم من طرف المجتمع، بغض النظر عن قوة المؤسسات.
كما أن هناك مشكلا مرتبطا بسياسة التجارة الخارجية بصفة عامة، فقد وقع المغرب مجموعة من اتفاقيات التبادل الحر، وليست هناك لجنة وزارية لتتبع هذه الاتفاقيات، وهناك دراسة قامت بها منظمة التجارة العالمية تؤكد أنه، خلال عشرين سنة (1995-2014)، تبين أن المغرب من أقل الدول التي استعملت المسطرة المتاحة لعدم الإغراق (anti-dumping)، بحيث لم تتجاوز 6 مرات في 20 سنة!
فضلا عن ذلك، هناك مشكل النفقات العمومية، فاليوم مصاريف الدولة فيها كثير من التبذير في النفقات، وما لذلك من تأثير على الإنفاق العام للبلاد. وهذه المصاريف العمومية تظهر بشكل جلي في الدعم، حيث تقدم الدولة، مثلا، تحفيزات لمستوردي الغاز، في حين أن المنطق يقتضي أن يرتفع ثمنه لينقص استهلاكه وتقع صيرورة للفرز، كما يقع في استعماله في الفلاحة، عوض إيجاد مواد بديلة. لأنه عندما يكون الثمن حقيقا تكون هناك إمكانية "العقلنة الاقتصادية"...
وهناك سياسة النمو التي يسعى إليها الملك، خلال النموذج التنموي الجديد، لأنه "عندما يكون هناك نمو تصير التوازنات مفهوما لا معنى له"، ولأنه عندما تكون في دينامية النمو، الكل يمكنه أن يقرضك ولا يبقى هناك مشكل! ولو كان المغرب قادرا على أن يحصل على نسبة نمو 6 و7 في المائة لتغيرت المعايير، ولصارت 60 في المائة من الناتج الداخلي الخام من الديون الخارجية لا تعني ما تعنيه الآن، لأنها مرتبطة بالدينامية الاقتصادية، لأن اليابان لديها نسبة 220 في المائة...
المهم أن المغرب اتخذ قرار التعويم التدريجي للدرهم...
الأزمة وقعت في 2008 وانتظر المغرب حتى 2012، لأنه انتظر انخفاض ثمن البترول، واعتبر أن المسألة ظرفية ولما تبين له الطابع البنيوي للمشكل، اتخذ القرار الأول في 2015 وهو "إعلان" أنه في المستقبل سيغير سياسته في ما يخص سعر الصرف، وقال إن سياسته ستكون سياسة التليين، وانتظر حتى يناير 2018، ليكون التقلب في هامش 2,5 في المائة، وكانت مسألة طبيعة أن يمر للمرحلة الثانية، بـ5 في المائة، وفي فترة لا تكون فيها صدمة مثل غلاء البترول حتى لا تعتبر الخطوة كتخفيض لقيمة الدرهم.
وفي الواقع أن المسألة هي نزع الطابع السياسي عن سعر الصرف، لأن في الثمانينات ما كان يقع سابقا كان يحرك النقابات أما الآن، فيرتفع نطاق نقلب الدرهم ولا أحد يحتج على ذلك. والآلية، في الواقع، هي ضرورية لأن سوق الصرف فيه عرض وطلب، والقرار جعله أكثر مرونة. والحكومة أخذت الإذن بتخفيض قيمة الدرهم بشكل نهائي، عن طريق هذه "الحيلة" التي هي نطاق تقلب الدرهم؛ أي من خلال سوق الصرف، وبالتالي تم نزع الطابع السياسي عن القرار.
ولكن هل القرار صائب؟
من الناحية الاقتصادية، من الأحسن أن يتم تخفيض قيمة الدرهم، كما فعلت الصين التي خفضت قيمة عملتها 200 مرة، لأنه لا يمكن لشركة تخسر أن تحافظ على أثمانها، ولكن الدولة اختارت التليين عبر التعويم الدريجي، وهذا قد يجعل سعر الدرهم يرتفع قليلا، وذلك ليس في صالح الاقتصاد المغربي، وقد ينخفض بعد ذلك، لكن الدولة لا تستطيع اتخاذ القرار السياسي بتخفيض قيمة الدرهم، لذلك حولت الموضوع إلى السوق، وهو قرار حكيم إذا أخذنا في الاعتبار العوامل كلها.
الدولة لا تستطيع اتخاذ القرار السياسي بتخفيض قيمة الدرهم، لذلك حولت الموضوع إلى السوق، وهو قرار حكيم إذا أخذنا في الاعتبار العوامل كلها.
وألم يعجل انتشار فيروس كورونا باتخاذ القرار للمرور للمرحلة الثانية من توسيع نطاق تقلب سعر صرف الدرهم؟
لا أعتقد، وقد يكون ذلك مصادفة، ولكنني أعتقد أن للأمر علاقة بزيارة مديرة صندوق النقد الدولي للمغرب. لأن البلاد ملتزمة مع الصندوق الذي منح الخط الائتماني لدولتين، إحداهما المملكة. وربما تحت الضغط الصندوق الذي يطالب بإلغاء المقاصة وغير ذلك، لم تجد الدولة غير أن تقوم بهذه الخطوة الثانية لربح سنة من تخفيف ضغطه...