يعتقد خالد البكاري، المتخصص في القضايا البيداغوجية وأحد المهتمين بالشأن التعليمي، أن الأزمة الحالية بين أولياء التلاميذ والمؤسسات التعليمية الخاصة ستؤثر على نظرة التلاميذ للمدرسة، وأن الدعوة إلى احتكار الدولة للتعليم مجرد مزايدات
هل يمكن القول أن جائحة كوفيد 19 عرت واقع التعليم بشقيه الخصوصي والعمومي؟
بالطبع، جائحة كوفيد 19 كانت مناسبة ليكتشف الرأي العام واقع المدرسة بشقيها العمومي والخاص، مع العلم أن المؤشرات المقلقة كانت واضحة حتى قبل الجائحة من خلال التصنيفات المتدنية للمدرسة المغربية في مختلف التقييمات الدولية المتعلقة بالتعلم الأساس (القراءة /الكتابة / الحساب)، وكذا من خلال مختلف التقارير التي أنجزها، سواء المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، أو مختبرات البحث المعنية بمهن التدريس والاكتساب اللغوي والمهارات وغيرها.
الجديد الذي عرته الجائحة مما كان يعرفه المختصون ويجهله أغلب أولياء الأمور هو واقع التعليم الخصوصي الذي يفتقد ما يدعيه من وجود الجودة، إذ سقط في اختبار التعليم عن بعد الذي لم يكن مؤهلا له لا تقنيا ولا لوجيستيا ولا بيداغوجيا.
باعتباركم أستاذا للبيداغوجيا كيف تنظرون إلى الصراع القائم اليوم بين أرباب المدارس الخاصة والآباء حول دفع مصاريف التمدرس في فترة الحجر الصحي وتبني التعليم عن بعد؟
أعتقد أن هذا الصراع فيه بعدان: البعد القانوني، وله مختصوه، إذ يجب العودة لقانون الالتزامات والعقود، للإجابة عن استحقاق هذه المدارس لما تطالب به من "أتعاب" من عدمه، والبعد الثاني وهو بعد تربوي حيث إن هذا التوتر سينعكس على العلاقة بين أولياء الأمور والمدرسة، وسيخلق مناخا من الشك وانعدام الثقة، مما سيؤثر على صورة المدرسة، وسيكون للأمر انعكاس على عمل الطاقمين الإداري والتربوي من جهة، وعلى تمثل التلاميذ للمدرسة باعتبارها خصما لأولياء أمورهم من جهة أخرى.
وأعتقد أن موقف الوزارة من هذه التشنجات كان سلبيا، وكان عليها حماية التلاميذ أولا وأخيرا من تبعات هذا الصراع الذي كشف أن كثيرا من هذه المدارس يفتقد مسيروها ومالكوها لأي تصور بيداغوجي حول أدوار المدرسة.
هناك تخوفات اليوم من موجة ثانية للفيروس وحديث عن اعتماد التعليم عن بعد من جديد خلال الدخول المدرسي المقبل، ألن يؤثر هذا الأمر على مستقبل التلاميذ خاصة فيما يتعلق بالكفايات؟
التعليم عن بعد حتى في الدول المتقدمة يبقى خيارا استثنائيا، فالأصل هو التعليم الحضوري الذي يسمح عبر دينامية الجماعة بتمرير القيم واكتساب المهارات وتطوير القدرات بما فيها الحس- الحركية والجمالية، وإنماء الكفايات النقدية، وتأهيل المتعلمين لتجاوز وضعيات عبر الاختيار، وغيره،، في المقابل يمكن للتعليم عن بعد أن يكون وسيلة ديداكتيكية مكملة خصوصا في أنشطة الدعم والمعالجة والتقويم، فإذا لا قدر الله اضطررنا ثانية للجوء للتعليم عن بعد حصرا لمدة معينة، فيجب أن يرافق ذلك أمران: الأول : تأهيل الأستاذات والأساتذة لإنماء كفاياتهم المهنية المتعلقة بهذا النوع، لأن البيداغوجيات التي يتم تدريسها في مراكز التكوين هي بيداغوجيات التعليم الحضوري، وثانيا وضع خطة للدعم بعد العودة للتعليم الحضوري تستحضر المجالات البيداغوجية والنفسية والتدبيرية لتقليل ما أمكن من الخسارات.
صرح وزير التعليم بحر هذا الأسبوع أمام لجنة التعليم بالبرلمان، بأن المدارس العمومية غير قادرة على استقبال "نازحين" من التعليم الخصوصي، ألا ترى أن هذا التصريح من شأنه أن يزيد من تأزيم الوضع؟
إن جواب الوزير هو جواب واقعي في رأيي، طبعا ليس من حق الوزارة أن ترفض انتقال تلاميذ من الخصوصي نحو العمومي، لأن هذا الرفض غير قانوني وغير دستوري، لكن الواقع شيء آخر، فالمدرسة العمومية بأطقمها الإدارية والتربوية الحالية، وببناياتها وتجهيزاتها لن تستطيع استقبال حتى ربع التلاميذ المسجلين في التعليم الخصوصي، ما الحل إذن؟
يتحدث البعض عن احتكار الدولة للتعليم ومنع التعليم الخصوصي، أعتقد أن هذا الخيار هو محض مزايدات، إذ يحتاج لسنوات طويلة من أجل تنزيله، ويتحدث آخرون عن شراكة عام- خاص، وهو خيار يجب إنضاجه بدوره ليكون أداة لولوج أبناء الطبقة الفقيرة لتعليم ذي جودة، وليس وضع إمكانيات الدولة أمام الخواص لتقديم خدمة لمن يتوفرون على وضع مادي مريح، أعتقد أن المستعجل حاليا هو تحيين دفاتر التحملات بما يتيح للوزارة مراقبة أكبر لما يقع في التعليم الخصوصي، وتصنيف هذه المدارس بحسب أجور العاملين فيها والتكوين المستمر لهيئة التدريس بها، وجعل الوزارة عبر مديرياتها متدخلا حتى في النزاعات بين أولياء الأمور وهذه المدارس، وإلزامية تكوين جمعيات آباء وأولياء التلاميذ وتمثيليتها داخل مجالس المؤسسات الخاصة.