في هذا الحوار يكشف عمر بلافريج، النائب البرلماني عن فدرالية اليسار أهم التعديلات التي طالبت الفدرالية بإدخالها على مشروع قانون المالية لسنة 2018 من أجل تمويل التعليم، كما يكشف عن رأيه حول الجدل الدائر بخصوص تقاعد البرلمانيين، ورؤيته لعلاقة الملك بباقي المؤسسات داخل نظام الملكية البرلمانية، التي تطالب بها فدرالية اليسار.
ما هي ملاحظاتكم على مشروع قانون المالية؟
أولا، نسجل أن مشروع قانون المالية لسنة 2018 لم يأت بجديد، وإنما يشكل استمرارا لما سبق، وهذا باعتراف الحكومة والأغلبية، رغم الحديث عن إعادة النظر في النموذج التنموي، إلا أن وزير المالية نفسه أقر بأن مشروع قانون المالية الجديد لم يأخذ بعين الاعتبار ما جاء في الخطاب الملكي الأخير من ضرورة إعادة النظر في النموذج التنموي الذي أصبح متجاوزا.
عموما نسجل أن مشروع قانون المالية الحالي يعكس توجها ليبراليا متوحشا، بدأ في المغرب منذ 15 سنة، يتضح ذلك من خلال الامتيازات التي يمنحها لبعض الفئات، لمن لديهم القدرة على الدفاع على مصالحهم الشخصية، كما هو الشأن بالنسبة للمنعشين العقاريين على سبيل المثال لا الحصر.
وما هي المقترحات التي تقدمتم بها لمعالجة هذا الوضع؟
باعتباري ممثلا لفدرالية اليسار في مجلس النواب دعوت منذ العام الماضي إلى عقد اجتماعي جديد مبني على التضامن العادل بين الأجيال، ونرى أن المدخل الأساسي لهذا العقد هو التعليم، الذي يهم جميع فئات وطبقات المجتمع، لذلك أرى أنه من الضروري تخصيص ميزانية استثمار هائلة في مجال التعليم، وقدمت مقترحات مهمة في هذا الشأن، وانطلقت أساسا من الرؤية الاستراتجية لإصلاح التعليم، التي أوصت بتعميم التعليم الأولي، علما أن 80 في المائة من الأطفال لا يستفيدون منه، الشيء الذي يخلق مشكلا كبيرا على مستوى المنظومة التعليمية، وهو ما يعني أننا في حاجة إلى ميزانية ضخمة لتمويل التعليم قدرناها ب3 ملايير درهم.
لهذا اقترحنا خلق مساهمة تضامنية من أجل النهوض بالتعليم ،وهي ضريبة على الرأسمال تبتدئ من 0,1 في المائة بالنسبة للأشخاص الذين تتجاوز ثروتهم نصف مليار، أما الذين تتجاوز ثروتهم مليارين فسيؤدون 0,5 في المائة، وهو ما سيمكن من تحصيل أكثر من 4 ملايير درهم، واستثمارها في تعميم التعليم الأولي
أما الإجراء الثاني فيهم الضريبة على الإٍرث من أجل تعميم النقل المدرسي، والذي يتطلب أيضا ميزانية ضخمة تصل إلى 3 ملايير درهم، وهو ما أثار نقاشا حول الموضوع، ورفضت الحكومة التجاوب معه، علما أن الضريبة على الإرث موجودة ومحددة في 1 في المائة، لكن من غير المعقول أن يكتفي الجميع بأداء 1 في المائة، لذلك اقترحت أن يتم إعفاء المنزل الرئيسي للمتوفى، وجعل هذه الضريبة ضريبة تصاعدية تبدأ من 1 في المائة إلى 30 في المائة بالنسبة للذين يرثون ثروة تصل إلى 100 مليون درهم، كذلك اقترحنا رفع الضريبة على الشركات التي تحقق أرباحا صافية تفوق 20 مليون درهم إلى 35 في المائة بدل 31 في المائة، وهو ما سيمكن الدولة من تحصيل 6 مليار درهم لاستثمارها في بناء الداخليات والمطاعم المدرسية.
للأسف الشديد أن جواب الحكومة والأغلبية كان سلبيا، وبدأ الجميع يتحدث عن تهريب المستثمرين، رغم أن الجميع يعرف أن المستثمرين لا يشتكون من ارتفاع الضرائب، بقدر ما يشتكون من غياب الموارد البشرية المؤهلة، وهو ما لا يمكننا تحقيقه دون إصلاح التعليم.
الحكومة لم تتفاعل مع هذه الإجراءات، وكذلك الأغلبية بسبب غياب الشجاعة، لأن نخبنا السياسية لا تنقصها الكفاءة، ولكن تنقصها الشجاعة، فإلى وقت قريب كانوا يتحدثون عن إيجابية النموذج التنموي، ونجاحه، وبعدما أعلن الملك أنه أصبح متجاوزا غيروا رأيهم، وأصبحوا يتحدثون عن ضرورة إعداد مشروع نموذج تنموي جديد، وهذا ما يجعلني أقول أن نخبنا السياسية تعيش تناقضات تصل حد النفاق، نريد نخبا تدافع عن قناعاتها ولا تنتظر أمرا من أحد.
ما هي ملاحظاتك على ميزانية البلاط، والطريقة التي يتم التصويت عليها في البرلمان؟
بالنسبة لي، لا يمكن لأي ميزانية أن تمر بدون نقاش، ولا يمكنني كبرلماني أن أصوت على شيء لا أعرفه، أو لا أملك المعطيات الكاملة حوله.
هذه السنة نسجل بإيجابية استقرار ميزانية البلاط الخاصة بالملك، لكنني طرحت سؤالا على الوزير لحسن الداودي الذي قدم ميزانية البلاط في مجلس النواب حول زيادة 200 منصب بالنسبة للموارد البشرية المخصصة للقصر.
سؤالي كان بسيطا، ويتعلق بأسباب هذه الزيادة في الموارد البشرية للقصر، وما إذا كان الأمر يتعلق بتعويض المتقاعدين، لكن الوزير فاجأني حينما رد بأنه لا يملك المعطيات، فكيف سنناقش ونصوت بدون معطيات. ما أركز عليه هو النقاش، والنقاش لا يعني اتخاذ موقف سلبي من الشيء.
هناك تقليد في المغرب يجب أن يزول، وهو عدم مناقشة بعض الميزانيات، خاصة ميزانية القصر والقوات المسلحة، إذا كانوا لا يريدون مناقشتها فلماذا يأتون بها إلى البرلمان، فليبحثوا لها عن قانون خاص.
مشروع قانون المالية الحالي يعكس توجها ليبراليا متوحشا يتضح ذلك من خلال الامتيازات التي يمنحها لبعض الفئات، لمن لديهم القدرة على الدفاع على مصالحهم الشخصية، كما هو الشأن بالنسبة للمنعشين العقاريين
لازال الجدل محتدما حول تقاعد البرلمانيين ما موقفك من هذا الأمر؟
بالنسبة لي هذا التقاعد يجب أن يزول لأنه غير منطقي، وأنا إذا لم أعد للبرلمان في الولاية المقبلة لن أتقاضى هذا التقاعد، ولن أبحث عنه، كما أنه من غير المنطقي أن يتقاعد الشباب، يمكنني أن أتفهم حصول شخص وصل سن التقاعد على تقاعد نسبي من البرلمان، لكن من غير المقبول أن يتقاعد أي شخص قبل وصول هذا السن.
ما تعليقك على إعفاء الملك لأربعة أعضاء من حكومة سعد الدين العثماني بناء على تقرير المجلس الأعلى للحسابات حول تأخر إنجاز مشروع "الحسيمة منارة المتوسط"؟
بالنسبة لي، لا بديل عن ربط المسؤولية بالمحاسبة، والأكيد أن الوزراء الذين تم إعفاؤهم مسؤولين عن تأخر إنجاز المشروع، حتى وإن كانون لا يعرفون عنه شيئا، فقد كان بمقدورهم أن يرفضوا التوقيع. مرة أخرى أقول أن للأمر علاقة بغياب الشجاعة والجرأة، لكن هذا الإعفاء لن يحل مشكلة الحسيمة، الحل لا يمكن أن يتم دون إطلاق سراح المعتقلين، هؤلاء احتجوا بطريقة سلمية وعبروا عن مطالب التيار العام داخل المجتمع فتم سجنهم.
هل نعيش تراجعات على المستوى الديمقراطي؟
بالتأكيد، لقد عدنا إلى ما قبل 2011، وهذا يتحمله حزب العدالة والتنمية بالأساس، الذي لم يستغل شعبيته في تحقيق الديمقراطية، بقدر ما ظل يبحث عن رضى الملك، من حقه أن يبحث عن هذا الرضى، لكن المواطنين صوتوا عليه من أجل أن يدافع عنهم وعن مصالحهم.
نخبنا السياسية لا تنقصها الكفاءة، ولكن تنقصها الشجاعة، فإلى وقت قريب كانوا يتحدثون عن إيجابية النموذج التنموي، ونجاحه، وبعدما أعلن الملك أنه أصبح متجاوزا غيروا رأيهم،
ما مسؤولية بنكيران في ذلك؟
من المؤكد أن بنكيران يتحمل بدوره مسؤولية هذه التراجعات، لقد كان بإمكانه انتزاع أشياء بسيطة لصالح الديمقراطية، لكنه لم يفعل، لقد كان بإمكانه مثلا أن يعمل على اتخاذ إجراء التسجيل الأوتوماتيكي في اللوائح الانتخابية، وهو ما كان سيرفع من نسبة التصويت، لكن ذلك لم يتم، وهو ما انعكس على نسبة التصويت. إن البجيدي له شعبية مقدرة، لا يجادل فيها أحد لكنه لم يستغلها لحد الآن في تحقيق الديمقراطية.
كيف تعلق على الجدل الدائر داخل حزب العدالة والتنمية حول الولاية الثالثة لبنكيران؟
هذا شأن داخلي سيقررون فيه بأنفسهم، لن أتدخل فيه، وأتمنى لهم التوفيق. ما أتمناه أن يضمنوا مطلب الملكية البرلمانية في أطروحتهم، إن عدم حديثهم عن هذا الأمر جعلني أشك حول ما إذا كانوا يؤمنون بالديمقراطية حقا.
تقاعد البرلمانيين يجب أن يزول لأنه غير منطقي، وأنا إذا لم أعد للبرلمان في الولاية المقبلة لن أتقاضى هذا التقاعد.
على ذكر الملكية البرلمانية التي تطالبون بها، ما تصوركم للعلاقة بين الملك وباقي السلطات ومؤسسات الدولة؟
هناك تجارب للملكية البرلمانية في إنجلترا والدول الاسكندنافية، وإسبانيا. حينما نقول الملكية البرلمانية ليس معناه أننا "بغينا نحيدو الملك"، على العكس من ذلك نريد أن تبقى للملك هيبته وأن يضمن لحمة واستقرار البلد، فالملكية من ثوابت هذا البلد، لكن المنطق يقتضي أن من يحكم يجب أن يحاسب، ونحن لا نريد، ولا يمكن أن نحاسب الملك، نريد أن تظل له رمزيته وهيبته، أما الإجراءات العادية فيجب أن تتكلف بها الحكومة، حتى إذا لم تعجب المغاربة يمكنهم الاحتجاج عليها، ومعاقبتها بالتصويت ضدها، أما إذا لم يعجبهم قرار اتخذه الملك فماذا عساهم يفعلون؟
البعض يتخوف، ويقول أننا "بغينا نحيدو الملك راه مبغيناش نحيدو الملك، بغينا نقويوه أكثر"، فلننظر إلى الدول الاسكندنافية التي نجحت في تبني نظام الملكية البرلمانية، والتي تتمتع فيها الملكيات بشعبية ورمزية كبيرة.
نعيش تراجعا ديمقراطيا بسبب البجيدي الذي ظل يبحث عن رضى الملك
ما تعليقك على هذه الأسماء:عبد الإله بنكيران؟
كانت له فرصة حقيقية في تحقيق الكثير لصالح الديمقراطية منذ 2011، لكنه ردنا إلى الوراء، ربما كان هدفه التطبيع مع القصر فقط، هذا خطأ تاريخي ارتكبه، وأتمنى أن تتاح للمغرب تجربة أخرى لتدارك ما فات، لكن من إيجابياته أن خطابه المبسط أعطى مكانة لرئاسة الحكومة، وجعل عامة المغاربة يفهمون السياسية، لقد نجح في هذا الأمر بشكل كبير، لكن المضمون لم يكن مقنعا.
نبيلة منيب
رمز حقيقي لليسار، وللمسار الحالي من أجل بناء اليسار.شخصيا أدعم إعادة انتخابها على رأس الاشتراكي الموحد، نظرا للنجاح الذي حققته.
إلياس العماري
لا أعرفه كشخص، لكن ما أريد قوله أن تأسيس حزب الأصالة والمعاصرة كان خطئا، لقد أعادنا إلى الوراء، وساهم في تقوية العدالة والتنمية، بعدما جاء لمحاربته