بنسعيد يعرض ملامح أول قانون مغربي لضبط المحتوى الرقمي والمنصات الاجتماعية

محمد فرنان

أوضح وزير الشباب والثقافة والتواصل، محمد مهدي بنسعيد، أن "العالم شهد خلال العشرين سنة الأخيرة تحولا هاما في طرق التواصل والإعلام، بفعل الانتشار الواسع لاستخدام وسائل التواصل الاجتماعي والتطبيقات الرقمية، حيث أصبح الفضاء الرقمي مجالا غير مضبوط، تتقاطع فيه حرية التعبير مع مخاطر متعددة، خاصة بالنسبة للأطفال والشباب، ورغم ما توفره هذه الوسائط من فرص للتعبير والتفاعل والمعرفة، إلا أن لها تداعيات سلبية على المجتمع، تتمثل في عدة مظاهر، مثل التعرض للمحتويات العنيفة، والانحرافات السلوكية، وخطاب الكراهية والأخبار الزائفة، والإشهارات غير الملائمة لبعض الفئات العمرية، فضلا عن الاستغلال التجاري والجنسي، وتهديد الخصوصية الرقمية".

وأضاف في عرضه أمام أعضاء لجنة التعليم والثقافة والاتصال بمجلس النواب، اليوم الأربعاء، أنه "نظرا للانتشار المتسارع لمنصات التواصل الاجتماعي والتطبيقات الرقمية، وما صاحب ذلك من مخاطر على تماسك النسيج المجتمعي، تبرز الحاجة الضرورية إلى إعداد إطار قانوني وطني متكامل، قادر على مواكبة التحولات التقنية، وحماية القيم المجتمعية دون المساس بحرية التعبير، بهدف ضبط المجال الرقمي، بما في ذلك المنصات الرقمية (وسائل التواصل الاجتماعي)، عبر مقتضيات قانونية تنظم المحتوى، وتحمل الفاعلين مسؤوليات واضحة، وتعزز آليات الرقابة الذاتية والمؤسساتية، وتضع حدا لحالة الفراغ التشريعي التي تستفيد منها اليوم المنصات الرقمية الأجنبية، خارج نطاق الرقابة القانونية فوق التراب الوطني".

وذكر أن "هذا الإطار القانوني يهدف إلى توسيع صلاحيات الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري لتمكينها من ضبط هذا المجال وفق منظور يجمع بين حرية التعبير، حماية الجمهور، والعدالة الرقمية، مع إعطاء أهمية قصوى لدور الدولة في حماية الجمهور من التأثيرات السلبية للمحتوى الرقمي، وتفعيل آليات التعديل الذاتي والرقابة المؤسسية".

وكشف أن "وزارة الشباب والثقافة والتواصل تشتغل حاليا على إعداد هذا الإطار القانوني، قبل عرضه على المسطرة القانونية الجاري بها العمل".

وأشار إلى أن "التجارب الدولية الهامة في مجال ضبط وتقنين وسائط التواصل الاجتماعي تشكل مرجعا هاما يمكن الاستئناس به في هذا المجال، ومن أبرز هذه التجارب، هناك التشريع الأوروبي المتعلق بالخدمات الرقمية، المعروف اختصارا بـ DSA - Digital Services Act، الذي دخل حيز التنفيذ في الاتحاد الأوروبي ابتداء من سنة 2023".

وأبرز أنه "يعد هذا النص من أكثر التشريعات تقدما على الصعيد العالمي في تنظيم المنصات الرقمية الكبرى، حيث يفرض عليها التزامات صارمة تتعلق بالشفافية، ومحاربة المضامين غير القانونية، وضمان سلامة المستخدمين، لا سيما القاصرين منهم، بالإضافة إلى آليات فعالة لإزالة المحتويات السلبية بشكل سريع، ويمنح القانون الأوروبي سلطات واسعة للهيئات التنظيمية في الدول الأعضاء لتتبع المنصات وفرض جزاءات في حال الإخلال بالواجبات القانونية، وتبرز هذه التجربة الأوروبية أن التعامل مع الفضاء الرقمي لم يعد منحصرا في اعتبارات السوق، بل أصبح قضية سيادة رقمية وحماية مجتمعية، وهي نفس الرؤية التي يجب أن يتبناها الإطار القانوني المغربي".

وأورد أن "من أهم خصائص الإطار القانوني الجديد إعطاء تعريف دقيق لخدمة المنصة الرقمية أو منصة مشاركة المحتوى على الإنترنت (وسائط التواصل الاجتماعي)، مع إخضاع مقدمي هذه المنصات لالتزامات قانونية واضحة، تسعى إلى هيكلة العلاقة بين الدولة والمنصات الرقمية".

وبحسب وزير الشباب والثقافة والتواصل، فإن الإطار القانوني الجديد يلزم "تعيين ممثل قانوني داخل التراب الوطني، ويشكل هذا الالتزام أحد أبرز النقاط، حيث يلزم كل مقدم خدمة منصة رقمية تستهدف الجمهور المغربي، سواء من خلال المحتوى أو عبر تحقيق أرباح داخل السوق الإشهاري الوطني، بتعيين ممثل قانوني معتمد فوق التراب الوطني، حيث يكون هذا الممثل المخاطب الرسمي للدولة، وهذا الإجراء يهدف إلى تجاوز حالة الفراغ التشريعي التي تمنح المنصات الرقمية الأجنبية حرية العمل دون رقابة فعلية، كما يوفر آلية عملية لتفعيل المراقبة والزجر في حالة وقوع خروقات أو امتناع عن التعاون مع السلطات الوطنية".

وأوضح أن القانون ينص على "اعتماد نظام لتعديل المحتوى (Moderation de contenu) عبر إلزام منصات التواصل الاجتماعي بوضع نظام فعال لتعديل المحتويات المعروضة على خدماتها، ويشمل هذا النظام خوارزميات تقنية ترصد بشكل آلي المضامين غير القانونية، خصوصا تلك المتعلقة بالعنف، والكراهية، والأخبار الزائفة، أو المحتويات الموجهة بشكل غير مناسب للقاصرين، وينبغي أن توفر المنصة آليات واضحة للتبليغ من طرف المستخدمين، تتيح سرعة التجاوب مع الشكايات".

وأكد أن "الهدف من هذا النظام هو إرساء مسؤولية وقائية لدى المنصات الرقمية، تمكنها من التدخل قبل تزايد الأضرار المحتملة، وتضمن التفاعل السريع مع المخاطر الرقمية، وحماية القاصرين والجمهور الناشئ، عبر إلزام المنصات الرقمية باتخاذ مجموعة من التدابير لحماية القاصرين والجمهور الناشئ من المحتويات الضارة أو غير الملائمة، ويشمل ذلك تصنيف المحتويات وفق الفئات العمرية، تفعيل أدوات الرقابة الأبوية، منع الإشهارات التي تستغل ضعف القاصرين أو تروج لمنتجات ضارة، ومسح أي محتوى يمكن أن يؤثر سلبا على تطورهم النفسي أو السلوكي".

ومن أجل محاربة الأخبار الزائفة والمضامين غير القانونية، يسعى القانون، وفق ما كشفه الوزير، إلى "إخضاع المنصات الرقمية لواجب التصدي الفوري للأخبار الكاذبة أو المحتويات الزائفة أو المحرضة على العنف، أو الإرهاب، أو التمييز العنصري أو العرقي أو الديني، عبر تفعيل آليات إزالة المحتوى، والتعاون مع السلطات الوطنية في تنفيذ قرارات الهيئة العليا بالحجب أو التقييد، وتلتزم المنصات بعدم ترويج محتويات تخفي طبيعتها الدعائية أو التضليلية، وتعد هذه الالتزامات ضرورية لضمان السلامة المعلوماتية للمجتمع، وتفادي الفوضى الرقمية التي يمكن أن تؤثر على الاستقرار العام أو تضر بثقة المواطنين".

وأفاد أن الإطار القانوني يلزم "المنصات الرقمية، بالنظر لكونها تحقق أرباحا من السوق الإشهاري المغربي، بالإدلاء بتصريحات ضريبية شفافة، واحترام مقتضيات العدالة الضريبية، والتعاون مع السلطات المالية (مديرية الضرائب، بنك المغرب، ومكتب الصرف...)، خصوصا في حال صدور توصيات من الهيئة العليا بمنع أو تقييد تحويل الأموال بسبب المخالفات، ويمثل هذا البعد المالي والاقتصادي رافعة مهمة لضبط سلوك المنصات العابرة للحدود، وتكريس مبدأ الإنصاف في المعاملة بين الفاعلين الوطنيين والدوليين".

وأبرز أنه "يمكن لهذا الإطار القانوني الجديد أن يمنح دورا محوريا للهيئة العليا للاتصال السمعي البصري، من خلال توسيع صلاحياتها وتعزيز سلطتها التنظيمية والرقابية، بما يجعلها قادرة على مواكبة التحولات العميقة التي يشهدها الفضاء الرقمي، والتصدي للمخاطر المتزايدة المرتبطة بالمحتوى السمعي البصري الذي يبث عبر المنصات الاجتماعية، لا سيما عندما يكون موجها للجمهور المغربي، خصوصا فئة القاصرين والجمهور الناشئ".

وتابع: "في هذا الإطار، يمكن إلزام المنصات الرقمية الأجنبية التي تستهدف الجمهور المغربي وتدر أرباحا من السوق الإشهاري على المستوى الوطني، بأن يلتزم الممثل القانوني للمنصة الرقمية فوق التراب الوطني، بصفته مخاطبا مباشرا ومسؤولا، بالتعاون مع الهيئة العليا، والامتثال لمقتضيات القانون، حيث يمكن أن تعد هذه الآلية خطوة أساسية لتجاوز عوائق السيادة التنظيمية، وضمان خضوع الفاعلين الرقميين الدوليين للمراقبة والمساءلة، على غرار ما تنص عليه التشريعات الأوروبية، وخاصة قانون الخدمات الرقمية الأوروبي (DSA)".

وأشار إلى أنه "يخول الإطار القانوني للهيئة العليا صلاحيات موسعة فيما يتعلق بمراقبة نشاط المنصات الرقمية داخل المغرب، حتى في غياب مقر مادي لها، شريطة أن يكون المحتوى المعروض موجها للجمهور الوطني أو يحقق عائدات منه، ويخول لها أيضا إمكانية مطالبة الممثل القانوني للمنصة بتقديم تقارير دورية حول أنظمة تعديل المحتوى، وآليات التبليغ، ومدى التفاعل مع شكايات المستخدمين، وكذا المعطيات الإحصائية حول المضامين المحذوفة أو المثيرة للجدل".

وشدد على أن "وزارة الشباب والثقافة والتواصل، واعية بالإشكاليات التي تطرحها مواقع التواصل الاجتماعي، خصوصا فيما يتعلق بالأخبار الزائفة والمحتوى السلبي، لذلك تشتغل على تقوية الإطار القانوني، والعمل على التوعية، خصوصا فيما يتعلق بالأخبار الزائفة، بهدف ضمان بيئة إعلامية ورقمية مناسبة".