في هذا الحوار مع موقع "تيل كيل عربي"، يكشف حكيم بنشماش، الأمين العام الجديد لحزب الأصالة والمعاصرة، بعض كواليس انتخابه خلفا لإلياس العماري، كما يقدم رؤيته لعدد من القضايا التي تشغل بال الرأي العام الوطني من قبيل حراك الريف، وحملة المقاطعة...
حاوره: الشرقي الحرش ومحمد بودرهم
اعتبر البعض أن انتخابكم يعد استمرارا لسيطرة "التيار الريفي" على قيادة حزب الأصالة والمعاصرة بماذا تردون؟
"حذار الله يخليكم. متجرحوناش، هاد المواطنين مغاربة، هذه العروق تجري فيها دماء المغرب، وريافة المنتمين لحزب الأصالة والمعاصرة هم مغاربة أولا، نعم أنا أعتز وأفتخر بالريف، ولكنني مغربي، لذلك الحديث عن وجود تيار ريفي غير معقول، نحن نداوي جروح الماضي، وتصالحنا مع تاريخنا، وهناك من قال إننا انفصاليين، وهذا أثر علينا، وأقول لكم بصراحة "بقا فينا الحال". إن حزب الأصالة والمعاصرة ليس حزبا سوسيا أوريفيا، هو حزب مغربي، و"ديال المغاربة".
لازال شباب حراك الريف يتابعون بتهم متعددة ألا تفكرون في رفع ملتمس إلى الملك محمد السادس من أجل العفو عنهم وطي هذا الملف؟
تأسفنا كثيرا لما وقع، لقد خرج سكان الريف للاحتجاج بعدما "وصلت ليهم للعظم". أذكر مرة أخرى، وأنا ابن المنطقة، وأعرف عما أتحدث، منذ سنوات كان حوالي 80 في المائة من سكان منقطة الريف يعتمدون على ثلاث مصادر للعيش، وهي تحويلات أبناء المنطقة بالخارج، إلا أن هذا المصدر تضرر بسبب الأزمة الاقتصادية في أوروبا، أما المصدر الثاني فهو الصيد البحري، وهنا أتذكر أنني حينما كنت شابا كانت مدينة الحسيمة تتوفر على 13 معمل لتصبير السمك، وكانت تشغل حوالي 3 آلاف شخص، إلا أن هذا المصدر تضرر بدوره، أما المصدر الثالث فهو زراعة الكيف، والتي تعرفون سياسة الدولة بشأنها.
من هنا نخلص إلى أن الناس "وصلت ليهم للعظم"، والحقيقة أن جلالة الملك قام بمبادرات رائدة من أجل النهوض بالمنطقة، والتي نعتز بها ونفتخر بها، لا يمكننا أن ننسى أن جلالة الملك كان يشرفنا كل صيف بزيارة المنطقة، ولا شك أن مجهودات كبيرة تم القيام بها، وهذا لا يخفى على كل من كان يعرف وضع المنطقة في فترة الستينات والسبعينات والثمانينات، لقد وقع تغيير جذري فيها، لكن فرص الشغل لم تخلق، وخرج الناس يعبرون عن مطالب في أغلبها مطالب معقولة، والتي كان الجواب عليها ضمن برنامج "الحسيمة منارة المتوسط"، الذي قدم أمام الملك كما تعرفون جميعا، لكن المسؤولين الذين كان يفترض أن يشتغلوا ويوفوا بالتزاماتهم تراخوا سامحهم الله، ووقع ما وقع.
الآن المحاكمات جارية، والقضية معروضة أمام القضاء، ونتمنى أن يقع الانفراج، وتحل هذه الأزمة.
تسألني هل سأقوم بمبادرة بخصوص هذا الموضوع، أقول "إن قرارات من هذا النوع يجب أن تدرس في مؤسسات الحزب، ونأمل أن يتم حل هذا الملف، كما أننا نتق في القضاء وفي المؤسسات".
لا شك أن هذه الاعتقالات والمحاكمات تذكرك بشيء ما؟
أكيد أنها تذكرني، لأنني لم أقرأ عن الظلم في الجرائد فقط، بل عشته، ومررت من تجربة الاعتقال، وتركت في جروح بعضها لم يندمل بعد، خاصة وأن بعض العبارات القدحية لازلت تستعمل لحد الآن من قبيل "التيار الريفي"، نحن مغاربة متساوون في الحقوق والواجبات، ونحب بلدنا، ونشتغل بصدق، قد تكون لنا أخطاء، فنحن لسنا ملائكة.
أريد أن أذكر أن الديمقراطية تبنى، وتحتاج إلى ديمقراطيين، كما أن الدول الديمقراطية الآن مرت بصراعات وكفاح دام لقرون قبل أن تصبح ديمقراطية.
لم أقرأ عن الظلم في الجرائد فقط، بل عشته، ومررت من تجربة الاعتقال، وتركت في جروح بعضها لم يندمل بعد
أغلب الجماعات المحلية في الريف يترأسها حزب الأصالة والمعاصرة، ألا تعتقدون أن لكم مسؤولية عما حدث؟
أقول لكم بكل صدق، صحيح أننا القوة الأساسية في تلك المنطقة، ونسير 23 جماعة، كما نترأس الجهة، والمجلس الإقليمي، لكن المشاكل التي وقعت، والمطالب التي رفعت إبان الحراك كانت تتجاوز الجماعات، هناك جماعات بالكاد تؤدي رواتب الموظفين، ولا تتوفر على إمكانيات لحل مثل هذه المشاكل.
هلل استشرت مع إلياس ؟ وهل أعلن مساندته لك؟
طبعا، أنا استشرت مع الجميع، والحقيقة أنه كان ضد ترشحي.
ما هي الأسباب التي قدمها لك؟
قال لي يجب أن نفتح المجال لجيل جديد من الشباب خاصة أن الحزب عرف تغيرات كثيرة، وانخرط فيه عدد كبير من الشباب، والحقيقة أن هذا الطموح يستهويني أيضا، وأتمنى أن يحين الوقت لنجد شابة، أو شابا على رأس الحزب.
انظروا مثلا إلى حركة "ماكرون" في فرنسا، إنها في عمقها وفلسفتها تشبه حركة "لكل الديمقراطيين"، يجب أن نؤمن أن المجتمع تغير وأن الديناميات تغيرت، لكن يبدو أن ظروفنا في الحزب لم تنضج بعد بما فيه الكفاية لكي نقوم بهذا التحول، لكنني مطمئن، خاصة حينما رأيت الشباب الذين ترشحوا وتنافسوا، واطلعت على أفكارهم وبرامجهم، والطريقة التي يترافعون بها، كل ذلك يجعلني مطمئنا.
حركة "ماكرون" في فرنسا، إنها في عمقها وفلسفتها تشبه حركة "لكل الديمقراطيين"، يجب أن نؤمن أن المجتمع تغير وأن الديناميات تغيرت.
لا شك أن إلياس العماري كان له دور كبير في الحزب، هل سيبتعد ويترككم تشتغلون؟
لا نريده أن يبتعد، إلياس العماري أخذ التزاما على نفسه بأن يظل مناضلا في الحزب، وقال إنه قدم استقالته من منصب الأمين العام، وسيظل مناضلا في الحزب، لكن في نفس الوقت، ولكي أكون صريحا لن أسمح لإلياس العماري أو لغيره بالتدخل في عملي، أنا "ماشي ماريونيت"، أنا ترشحت ولدي رؤية وبرنامج، وهذه الرؤية مكتوبة، وليست كلاما فقط.
لقد قدمت وثيقة، وسميتها مشروع خريطة الطريق لمدة سنتين، أي إلى غاية 2020، حيث سيعقد الحزب مؤتمره العادي.وعليه، فقد قمت بترتيب الأولويات، أكيد أنني مع الاستمرارية، لكن ستكون هناك قطائع في مستويات مختلفة.
على ذكر القطائع، لوحظ أن انتخابكم تم عن طريق الصندوق، فيما إلياس العماري انتخب بالتصفيق، هل قطع "البام" مع "ديمقراطية التصفيق" ودخل ديمقراطية المؤسسات؟
لا توجد عندنا ديمقراطية التصفيق، هناك توافق، فإلياس العماري كان قد قدم كمرشح توافقي، واقتنعت القاعدة العريضة في الحزب أنه الرجل المناسب، هذا الحزب هو كائن حي، فمنذ تجربتنا مع "السي حسن بنعدي" لجأنا إلى التوافق، وكنا نحاول أن نزاوج بين التوافق والتنافس على القيادة، لكن الذي وقع في هذه المحطة الأخيرة هو أننا طوينا الصفحة، ولم يعد هناك شيء اسمه التوافق، كل شيء أصبح بالصناديق الزجاجية، لذلك من الصعب على أي مسؤول أن يأتي اليوم بالتوافق، الكلمة أصبحت للصناديق الزجاجية، وهذا تحول مهم جدا، ويجعلني مطمئنا على مستقبل الحزب، لأن الحزب سيكون في يد الشباب الذين برهنوا على قدراتهم وكفاءاتهم، وتملكهم للمشروع، فضلا عن الحماس، والرغبة في العمل والتطوير، وتملك أدوات النقد الذاتي.
حينما هاجمني بعض الإخوان من العدالة والتنمية لم أفهم قصدهم. "البجيدي" حزب وطني ويقود حكومة المملكة المغربية، لذلك لم أفهمهم.
بنيتم مشروعكم على مواجهة الإسلاميين، لكنكم لم تنجحوا في ذلك. ألا تعتقدون أن هذه الأسطورة انتهت؟
دعني أسألك، كيف كنت تتصور أن يكون المغرب بدون "البام". في هذه الأيام قرأت أن عددا من الإخوان في حزب العدالة والتنمية يهاجمونني بلغة قاسية، ووصفوني بالاستئصالي، والحقيقة أنني أنا أمثل الاستمرارية، حيث انتخبت في مؤتمر استثنائي، وليس عادي يتم فيه تجديد الأوراق والأطروحة.
إن وثائق حزب الأصالة والمعاصرة تؤكد أن واحدة من أسباب ظهوره هو استشعار المسؤولية، وضرورة مواجهة أربع تحديات أولاها التحديات الجهوية المتعلقة بقضية وحدتنا الترابية، وكذلك ما تعيشه منطقة الساحل، وكذلك تحديات مرتبطة بالمشاريع النكوصية الرجعية المرتبطة بالإسلام السياسي، ولذلك حينما هاجمني بعض الإخوان من العدالة والتنمية لم أفهم قصدهم، هل يعتبرون أنفسهم من "الإسلام السياسي". "البجيدي" حزب وطني ويقود حكومة المملكة المغربية، لذلك لم أفهمهم.
ما قلته هو أن حزب الأصالة والمعاصرة يجب أن يتحمل مسؤوليته في مواجهة القوى التي توظف الدين في السياسة، هل من الضروري أن أذكر أن القوانين الوطنية تمنع تأسيس الأحزاب على أساس عرقي أو ديني؟، لقد حافظ المغاربة منذ قرون جيلا بعد جيل على مكسب كبير هو إمارة المؤمنين، التي من صلاحياتها حماية الأمن الروحي للمواطنين، لذلك لا نقبل أن تقوم أي جمعية أو منبر، أو تيار بتوظيف الدين في السياسة، فالدين يظل مشتركا بين جميع المغاربة.
إن واحدة من أسس تماسك الأمة المغربية واستمرارها هي وجود مؤسسة إمارة المؤمنين التي تحمي الأمن الروحي للمغاربة وتسهر على الحفاظ على الإسلام الوسطي القائم على التسامح والاعتدال.
أنا لم أقم سوى بالتذكير بوثائق الحزب التي تنص على المساهمة في مواجهة التيارات التي توظف الدين لأهداف سياسية، لكن في نفس الوقت أقول أنه ليس لنا أعداء، ولم نأت لمحاربة أحد، نحن نقول أنه كلما وجدنا أحدا يستغل الدين لأهداف سياسية سنتصدى له، لكن في نفس الوقت نقول أن عدونا هو الفقر والتهميش، والحكرة ومشاكل الشباب والمسنين الذين يتجاوزون مليوني شخص، وساكنة العالم القروي "اللي وصلات ليهم للعظم".