في هذا الحوار، يتطرق أنور بنعزوز، المدير العام لـ"الشركة الوطنية للطرق السيارة بالمغرب"، مشروع الطريق السيار الجديد بين الدار البيضاء والرباط، والأمن على الطرق السيارة، كما يستحضر مخطط إعادة الهيكلة الذي انخرطت في هذه المؤسسة المهمة.
لنبدأ حوارنا هذا بالمشروع الذي تتداوله كل الألسن حاليا.. أين وصل مشروع الطريق السيار القاري الذي سيربط بين الرباط والدار البيضاء؟ بعض وسائل الإعلام تقول إن الميزانية المخصصة له قد تم تحديدها...
إن الدراسات جارية حاليا. وعند انتهاء هذه المرحلة سيتم تحديد المسار بشكل نهائي وتقديمه إلى الوزارة الوصية. نحن لا نستبعد الرفع من القدرة الاستيعابية للطريق السيار الحالي من خلال تربيع مساراته (هي الآن ثلاثية المسارات)، وهنا تكمن أهمية الدراسات التي نقوم بها، فهي التي ستمكننا من اتخاذ القرار النهائي.
والواقع أننا تأخرنا، لأن مقطع الدار البيضاء- الرباط سيبلغ الحدود القصوى لقدراته الاستيعابية قريبا. وهناك حاجة ملحة لتدارك الأمر، ولكن علينا البحث عن الوسيلة الأسرع والأكثر نجاعة لتلبية هذه الحاجة. والدراسات تستغرق عاما كاملا على الأقل، بينما الأشغال ستدوم ثلاث سنوات على الأقل. أما تحديد الميزانية فسيتم عندما ننتهي من وضع مخطط لمجموع الأشغال. لا يمكن إنجاز كل هذا في 2020.
وماذا عن العقد- البرنامج الجديد بين الدولة المغربية وشركة الطرق السيارة، علما بأن الاتفاق السابق انتهى في 2015؟
إن العقد – البرنامج بين "الشركة الوطنية للطرق السيارة بالمغرب" والدولة يجب أن يستجيب لحاجات تهم تهيئة التراب الوطني. وكل ما يمكنني قوله هو أن هناك اشتغال على الأمر، وأن مهمة القيادة تنهض بها كل من وزارتي المالية والتجهيز. والمفاوضات مازالت جارية، علما أن هذين القطاعين هما اللذان يحددان الحاجات التي يجب تلبيتها، بينما على شركة الطرق السيارة عرض وضعها المالي وما يمكنها إنجازه.
هل علينا توقع الزيادة في حجم الطرق السيارة التي تديرها الشركة (1800 كلم) أم تقوية الشبكة الجالية؟
المؤكد من الآن، أن تثليث مقطع "عين حرودة– برشيد"(60 كلم)، الذي سيموله جزئيا "البنك الأوروبي للاستثمار"، قد تمت المصادقة عليه حتى وأن لم يتم وضع أي عقد – برنامج. نفس الأمر ينطبق على تشييد مقطع "تيط مليل – برشيد" (حوالي 30 كلم)، الذي يمول "الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي" جزءا منه.
هناك مشاريع أخرى قيد المناقشة، والقرار النهائي يعود إلى الوزارة الوصية (أي التجهيز). إذ في إطار تهيئة التراب الوطني، تُعرضُ عليها العديد من الحلول: من تثنية طريق إلى تشييد طريق سريع، مرورا بإقامة طريق سيار. وهذا الحل الأخير يُمَكِّنُ من ربح الوقت، ولكن على المستعمل الأداء، لأن تهيئة التراب الوطني تسجل دائما العجز ماليا. إن الطريق السيار يُمْكِن أن يكون مُسَرِّعًا للتنمية الجهوية، ولكن القرار الأخير في يد الطرف الوصي.
كان عهدُ سَلَفَيْك على رأس الشركة يتميز بالعمل على تطوير شبكة الطرق السيارة. كيف تصف عهدك؟
ولايتي هذه ليست مرتبطة بالتشييد، ولكن هدفها إنهاء الـ400 كلم الباقية لنصل فعليا إلى 1800 كلم، وبالتالي تعزيز موقف بلادنا دوليا من خلال بنيتها التحتية للطرق السيارة (مثلا، نحتل المرتبة الثانية بإفريقيا، ونتفوق على البرتغال).
طبعا تتواصل أوراش البناء من خلال الصيانة والأشغال الكبرى والتثليث وتشييد المنشآت الفنية.. إلخ. تقوم مهمتي على ثلاثة محاور استراتيجية مهمة انخرطنا فيها كلها في الآن ذاته، هذا فضلا، بطبيعة الحال، عن مواصلة المهمة الأصلية للشركة وهي البناء:
أولا، العمل على استقرار "الشركة الوطنية للطرق السيارة بالمغرب" ودوامها. لهذا عملنا على إعادة جدولة الديون، لأنه لا جدوى من القيام بكل هذا المجهود إذا أصاب الإفلاس الشركة، ولم يعد بمقدورنا ضمان رواتب الأجراء، ولا أشغال الإصلاح والصيانة. والحال أن الشركة كانت في هذا الوضع بالذات.
لقد اعتمدنا هندسة مالية غير مسبوقة بالنسبة إلى شركة عمومية حتى نجعلها مربحة ومستقرة. كان هذا واحدا من التحديات الأولى. وفي 2017، وهي سنة تاريخية، حققت "الشركة الوطنية للطرق السيارة بالمغرب" أرباحا لأول مرة، وتمكنت كذلك من الرفع من مؤشرات الأداء. وهذه ثمرة إعادة الهيكلة التي تم اعتمادها قبل ثلاث سنوات من ذلك.
ثانيا، تغيير مهمة المؤسسة وتحويلها إلى شركة للخدمات، أي: العمل على استيعاب حاجات المستعمل، والإنصات إليه، واستباق حاجاته المستقبلية، دون إغفال أننا مكلفون بتقديم خدمة عمومية، وهذا ما يزيد من مستوى مطالب وانتظارات الزبون - المستعمل.
لدينا مجموعة كبيرة من المنتوجات والخدمات الآن تشمل التسوق والمطعمة وفضاءات الاستراحة وأخرى للألعاب.
كما أن الأخبار عن حالة المرور بالطرق السيارة متوفرة الآن على تطبيق "ADM Trafic"، وسنطلق قريبا إذاعة خاصة بحركة السير على هذه الطرق. كما أن تقديم المساعدة والمراقبة بالكاميرات تعزز الأمن، وتجعل السفر آمنا وممتعا على شبكتنا. وسيرا على هذا النهج، ينبغي لنا العمل على رفع مستوى جودة منظومتنا لجعلها أكثر نجاعة، ولتكون في مستوى الجودة الذي تتطلع إليه الشركة، ولتكون كذلك منسجمة مع الانتظارات الجديدة للزبون – المستعمل. وهذا التحول تصاحبه عملية إعادة النظر في سياسة الموارد البشرية حتى نكون قادرين على مواكبة العاملين في المؤسسة نحو مهن جديدة خاصة بالطرق السيارة، وتعزيز الكفاءات.
أخيرا، كانت مكننة وعصرنة طرق الاستغلال ورقمنتها على أجندتنا. وهذا يمر عبر إرساء عملية لمكننة أنشطة الاستغلال والإشراف عليها، خاصة وأن الشبكة تضم 1800 كلم تتحرك عليها 400 ألف عربة و1.2 مليون مسافر يوميا.
إن عصرنة البنى التحتية، وتطوير الأداء عن بعد ورقمنة كل أنشطة الاستغلال.. كلها أوراش حيوية لتنمية مهنتنا الجديدة المتمثلة في تشغيل شبكة الطرق السيارة في إطار شركة للخدمات(...)
بخصوص الأمن على الطرق السيارة، هناك شكاوى تهم بعض المقاطع، خاصة تازة – وجدة، والرباط – الدار البيضاء. هل للشركة دور للحد من هذه الانحرافات الأمنية؟
إن شبكة الطرق السيارة فضاء عمومي وتتعرض لبعض أعمال التخريب المعزولة. تجب الإشارة هنا إلى أن "الشركة الوطنية للطرق السيارة بالمغرب" تسقط هي نفسها ضحية لهذه الأعمال التخريبيةالتي قدم مرتكبوها إلى القضاء. إن مسؤولية الأمن على شبكة الطرق السيارة تقع على عاتق كل الفاعلين المتدخلين، دون إغفال المستعمل نفسه والموطنين الذين يتعين عليهم التحلي بالسلوك المتمدن واحترام الفضاءات العمومية.خذ مثلا، إلقاء الحجارة، فهو ليس ظاهرة ولا يهم ممرا أكثر من أخر على الشبكة، ويتم تسجيل حوالي 30 حالة في السنة.
هناك كذلك الأخبار الزائفة. فبعض الأشخاص يدعون أنهم ضحايا أعمال تخريب، ولما يقوم المسؤولون عن الأمن بالتحقيق يكتشفون زيف كلامهم.
وقد نظم اجتماع ضم الوزارة الوصية ووزارة الداخلية والدرك الملكي والوقاية المدنية ووزارة العدل. واتفق المجتمعون على أنه يجب إيجاد حل لكل القناطر التي سجلت فيها حالة من حالات أعمال التخريب. وضعنا حواجز وكاميرات ولاحظنا أن هذا الإجراء كان رادعا. وبعد سنة عممنا هذا النظام على 74 قنطرة، وسنجهز قناطر أخرى إضافية. أما الباقي، فيمر عبر التربية والتحسيس.
أشرت إلى ضرورة إنجاز تقييم للوضع المالي لـ"الشركة الوطنية للطرق السيارة بالمغرب" في إطار إعداد عقد – برنامج جديد. كيف هو هذا الوضع حاليا؟
سجلنا نموا في الحركة على الطرق السيارة وفي رقم معاملاتنا. وضعنا الحالي أفضل من السنة الماضية أو مما كان عليه قبل سنتين. انخرطنا في مخطط لإعادة الهيكلة في 2017، وحققنا كل الأهداف المسطرة فيه.
كان أهم جزء من إعادة الهيكلة هذه يتمثل في إعادة جدولة الديون. فقد كانت فترة سدادها تمتد على مدى 15 سنة، وكان يتوجب العمل على تمديدها إلى 20 أو 25 سنة. هذه الجدولة الجديدة ستخول لمداخيلنا أداء الفوائد مع مواصلة تمويل الاستثمارات الجارية، خاصة تلك التي تهم صيانة البنى التحتية.
كيف تنظر إلى النجاح الذي حققه "جواز"؟
لدينا الآن أكثر من 822 ألف "جواز". إنه ابتكار تبناه مستعملو الطريق السيارة بسلاسة لأن الزبون يسعى إلى ضمان أمنه والمرور بسرعة في محطات الأداء.
فبما أن وعاءنا العقاري الضروري لتوسيع الطرق السيارة يتناقص تدريجيا، يبقى "جواز" هو الحل الأمثل لاستيعاب عدد أكبر من مستعملي الطريق مقارنة مع طرق الأداء التقليدية. والهدف هو مواصلة هذه المكننة والتأكد من أن الزبون يسايرنا.
ما هي طموحات الشركة فيما يخص المكننة على الطرق السيارة؟
علينا الآن التوجه نحو "التدفق الحر" (free flow)، ولكن هذا الأمر يتطلب هندسة معقدة. فـ"التدفق الحر" هذا يمكن من المرور عبر الطرق السيار دون الحاجة إلى حواجز الأداء وذلك بفضل تكنولوجيات الجيل الجديد. إذ يتم تحديد هوية مستعملي هذه الطريق من خلال بوابة مجهزة بكاميرات ذكية ولواقط ليزر قادرة على التعرف فورا على العربة أثناء مرورها. بعد ذلك يتوصل السائق بفاتورة رقمية.
هل لدى الشركة، بكل خبرتها في البنى التحتية وبكل فروعها، طموحات على الصعيد الإفريقي؟
نعم، بكل تأكيد. لدينا مشاريع في كل من الكوت ديفوار والسينغال تشرف عليها "ADM Projets" وهي في ملك الشركة بنسبة 100%. ونقوم بتقديم الدعم لهم لتطوير طرقهم السيارة. وأستقبل بشكل منتظم ممثلي بلدان انخرطت للتو في استراتيجياتها الخاصة بالطرق السيارة. والحق أن خبرتنا مفيدة جدا لهم.
ونوفر، عبر أكاديميتنا (ADM Académie)، التكوين لأطر البلدان الإفريقية الشقيقة، فالخبرة والمعرفة المغربيتان تحظيان بتقدير كبير.
لقد أفلحنا بوسائلنا في تشييد شبكة تنافسية وبتكاليف مغرية. أما فيما يخص إحداث التدبير المفوض في بلدان إفريقية أخرى، فالأمر قيد الدراسة طبعا. ولكن مثل هذه الأمور نتطلع إليها على المدى الطويل.
ترجمة
عن "تيل كيل"