في الجزء الثاني من الحوار، يواصل الوزير المنتدب لدى رئيس الحكومة والمكلف بإصلاح الادارة والوظيفة العمومية، محمد بن عبد القادر، حديثه حول الإجراءات الإدارية التي يستبشر بها المواطن في السنة المقبلة، منها التخلص من "جحيم" الانتظار لتصحيح الإمضاء وجمع الوثائق، فضلا عن رقمنة المعلومات الشخصية للمواطنين.
كيف ستخلصون المواطنين من "ليغاليزاسيون" في المقاطعات؟
المقاطعات لن ينزع منها اختصاص الإشهاد بمطابقة النسخ، وإنما سيتم تخفيف الضغط والاكتظاظ الذي تشهده مكاتب مطابقة النسخ. ويجب التفريق بين المرسوم الذي أصدرناه بخصوص "الإشهاد على مطابقة النسخ" (Attestation de conformité)، والذي سيدخل حيز التنفيذ ابتداء من شهر يناير المقبل، وبين مرسوم آخر يهم "إثبات الإمضاء" (Légalisation de signature)، نستعد لإصداره.
بخصوص الإشهاد على النسخ، يوضح كالآتي: لنفرض مثلا أني أريد أن أتقدم إلى التسجيل في الماستر، ومن بين الوثائق يطلب مني شهادة الإجازة، التي حصلت عليها من نفس الجامعة. في القانون الجديد وابتداء من يناير سنة 2018، لن أكون مطالبا بالاتيان بنسخة مصادق عليها للإجازة. فالإدارة أو الكلية هي نفسها التي يتوجب عليها فعل هذا الأمر. الإدارة التي تنتج وثيقة سيتوجب منها الإشهاد عليها.
كما أن الإدارة التي تطلب وثيقة ما، ستكون هي الملزمة بالمصادقة عليها. أي إذا أحضرت وثيقة خاصة بالضريبة مثلا إلى إدارة مصلحة أخرى، لن أكون مضطرا لأن أمر على المقاطعة من أجل الإشهاد على النسخ، بل الإدارة التي طلبت تلك الوثيقة ستقوم بهذا العمل.
وداخل أي إدارة إذا طلب من المواطن نسخة عن بطاقته الوطنية (أو وثيقة أخرى)، فالإدارة ستكون ملزمة بأن تقوم بعملية النسخ والمصادقة، ويكفي إحضار البطاقة والنسخ الأصلية للوثائق. لكن في المقابل لا يستطيع المواطن أن يطلب من أي إدارة بعمل مطابقة النسخ دون أن تطلبها هي منه.
داخل أي إدارة إذا طلب من المواطن نسخة عن بطاقته الوطنية (أو وثيقة أخرى)، فالإدارة ستكون ملزمة بأن تقوم بعملية النسخ والمصادقة، ويكفي إحضار البطاقة والنسخ الأصلية للوثائق.
وماذا عن إثبات الإمضاء ؟
هو ما يعرف بالعملية التي نقوم بها بالتصريح بضياع وثيقة أو الالتزام بشيء ما، بحيث نحرره ونقوم بالتوقيع عليه في المقاطعات، كما يعلم الجميع. لكن ما نحن بصدد إصداره بهذا الشأن، هو أن المواطن يستطيع أن يقوم بإثبات توقيعه في أي إدارة عمومية كيفما كانت. في تونس مثلا يقومون بهذا الأمر في الأبناك.
المرسوم ليس مكتملا لحد الآن، نحن نقوم بإعداده وتعديل بعض المقترحات ليكون جاهزا. كما أننا اتخذنا جميع الاحتياطات اللازمة بالتعاون مع المتخصصين في الأمن، من أجل تفادي حالات التزوير. ولا زلنا حاليا ندرس ما هي المؤسسات التي يمكن أن تقوم بهذه العملية لكي تخفف العبء عن المواطن من عذاب الانتظار.
هل هذه المساطر كافية في نظرك، لتقريب ومصالحة المواطن مع الإدارة؟
كل هذه الإجراءات وتسهيل المساطر، هي مجرد خطوة أولية للوصول إلى الغاية النهائية وهي رقمنة الإدارة. حاليا تقوم الحكومة بإعداد مشروع ضخم (Getway)، وهو منصة رقمية مشتركة تقوم على أساس أن أي وثيقة صادرة من إدارة عمومية لا يمكن لإدارة أخرى أن تطلبها منها، يكفي التنسيق بين الوزارات والإدارات لتبادل معلومات المواطنين بينها رقميا.
هذه الفكرة كانت متوقفة، لكننا انطلقنا فيها الآن، لأن مديرية الأمن وزارة العدل انخرطا في مدنا بقاعدة البيانات الشخصية. وعبر بوابة الولوج المشتركة هذه، سيمكن للمواطن أن يقدم رقمه الخاص في أي إدارة، فتقوم هذه الأخيرة بالتأكد وبإصدار ما يلزمه. وبالتالي سيكون معفى من دور ساعي البريد بين الإدارات.
ستصدرون موقع chikaya.ma في شهر يناير.. هل انطلقتم من "رقمنة الشكوى" أولا؟
لم تكن مصلحة الشكايات التي اعتاد عليها المواطنون معممة في جميع الإدارات. الآن وبحكم المرسوم القانوني الصادر بخصوص هذا الموقع، فهو يلزم الإدارة بالرد على الشكاية وبمعالجتها في أقرب الآجال. وقد قمنا بتسطير نموذج الشكاوى ومواصفاتها.
إلى جانب الشكايات كما ينص المرسوم، سيجد المواطن في البوابة الالكترونية قسما مخصصا للملاحظات وآخر للمقترحات. الموقع هو قناة تواصل بين المواطن والخدمة العمومية، إذ يمكن إبداء ملاحظات حول غياب الإنارة في الأحياء مثلا، وإرسالها بالصور عبر الموقع، فضلا عن المقترحات التي يمكن تقديمها حول إدارة معينة أو خدمة ما.
ماذا عن الذين لا يجدون وقتا لقضاء شؤونهم الإدارية، في الوقت الذي تغلق فيه الإدارات العمومية أبوابها مع الرابعة ونصف، ولا تعمل يومي السبت والأحد؟
القانون يلزم بعض الإدارات بتخصيص بعض الأوقات لتقديم جزء من خدماتها في أوقات إضافية كصباح يوم السبت مثلا. لكن هذا الأمر علينا مراقبته جيدا، ومتابعة مدى التزام الإدارات بتخصيص ذلك الوقت.
سنشرع في الرقمنة ابتداء من الوزارات، التي لها جاهزية للتحول فورا وفي أقرب وقت، إلى رقمنة إدارتها وخدماتها.
هذا ملف مفتوح داخل الوزارة، وسنحرك مراقبة أكثر للنظر في مدى تنفيذ هذا المقتضى. كما أننا سنراجع التوقيت الإداري الذي سيتيح إمكانية تمديده إلى المساء، إذا أمكن، بحسب وقت دخول الموظف صباحا واستكماله الساعات المطلوبة منه. الأمر يحتاج إلى تغيير شامل في منظومة التوظيف كما قلت من قبل، وهو ما سنعمل عليه مستقبلا.
لكن أظن أن رقمنة الإدارة ستسهل مجموعة من الإجراءات وستوفر الوقت للمواطن أكثر. ولكي نكون عمليين، سنشرع في الرقمنة ابتداء من الوزارات، التي لها جاهزية للتحول فورا وفي أقرب وقت، إلى رقمنة إدارتها وخدماتها.
يعاني المواطن أحيانا من عائق اللغة المستعملة داخل الإدارة. ما السبيل إلى تجاوزه؟
يعيش المغرب في ازدواجية لغوية مفروضة لكنها غير معتمدة. وصحيح أن اللغة الفرنسية تستعمل في كثير من المعاملات الإدارية، لكن المواطن من حقه أن يتلقى الخدمة باللغة التي يتقن ويريدها. الازدواجية مكسب لصالح للمغرب، لكن يجب ترشيدها لكي لا تصبح مفروضة في بعض الإدارات وفي مواقف لا حاجة إليها.
المواطن من حقه أن يتلقى الخدمة باللغة التي يتقن ويريدها
اللغة الفرنسية قد تصلح لمجال معين: كالعلوم والأدب وغيرها.. لكن أستغرب لماذا يتعامل موظف مع المواطنين بغير اللغة العربية، أو عندما أجد بعض الفواتير والوثائق مكتوبة باللغة الفرنسية في بعض الإدارات.
هذا الأمر ينطبق على الأمازيغية كلغة مدسترة أيضا، إذ من حق المواطن أن تقدم له الخدمة وأن يستقبل بهذه اللغة، إذا لم يكن يتقن غيرها.
هل هناك إجراءات إدارية أخرى ستصدرونها؟
إلى جانب ما ذكرناه سالفا، نشتغل على ميثاق المرافق العمومية، الذي يحتوي على حقوق المستعملين. وهو ميثاق منصوص عليه دستوريا، ونحن بصدد إخراج قانونه.
قمنا بتطوير المراسيم الإدارية الخاصة بالإدارة، لكن لم نطور بعد مراسيم حقوقية خاصة بالمواطن "المرتفق". ويقصد به أن يصير للمواطن حقوقا تربطه مع الإدارة؛ كالحق في الوصول إلى المعلومة، أو حقه في أن يجد سبورة الإرشادات داخل كل إدارة، وأن يجد شخصا مكلفا بالإجابة عن أسئلته دون انتظار دوره، وكذلك الحق في أن يحصل على أماكن لركن سيارته بجانب الإدارات العمومية.
اقرأ أيضا: بن عبد القادر (1): التوظيف ليس حقا دستوريا.. والخلل في المناصب العليا