الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة هو صانع السلام في بلاده بعد عشرية الحرب الأهلية، لكن البعض ينسب إليه أيضا نيته التشبث بالحكم، رغم اعتلال صحته، وخصوصا بعد إعلان ترشحه لولاية خامسة في الانتخابات الرئاسية المقررة في 18 أبريل 2019.
يملك "بوتف"، كما يحلو لمواطنيه تسميته، رقما قياسيا في الحكم اذ كان انتخب أول مرة رئيسا في 1999.
والرجل ما عاد يظهر علنا إلا نادرا منذ تعرضه لجلطة دماغية في 2013.
وبوتفليقة، الذي كان في سن 26 عاما أصغر وزير خارجية في العالم، لا يظهر الآن إلا صامتا وقاعدا على كرسي متنقل منذ إصابته بالجلطة الدماغية.
وهو مشهد متناقض جدا مع بداية ولايته سنة 1999، حين كان قياديا شديد الحركة في بلاده والعالم وخطيبا لا يمل.
وقال لدى توليه الحكم "أنا أمثل الجزائر كلها وأجسد الشعب الجزائري".
ولد عبد العزيز بوتفليقة في الثاني من مارس 1937 في وجدة (المغرب) في أسرة تتحدر من تلمسان بشمال غرب الجزائر. وانضم حين كان عمره 19 عاما إلى جيش التحرير الوطني الذي كان يكافح الاستعمار الفرنسي للجزائر.
وعند استقلال الجزائر في 1962 وحين كان عمره فقط 25 عاما، تولى بوتفليقة منصب وزير الرياضة والسياحة قبل أن يتولى وزارة الخارجية حتى 1979.
وفي 1965 أيد انقلاب هواري بومدين الذي كان وزيرا للدفاع ومقربا منه، حين أطاح بالرئيس أحمد بن بلة.
وكرس بوتفليقة نفسه عضدا أيمن لبومدين الذي توفي في 1978، لكن الجيش أبعده من سباق الخلافة ثم أبعد تدريجيا من الساحة السياسية.
وبعد فترة منفى في دبي وجنيف، فاز بوتفليقة بدعم من الجيش، بالانتخابات الرئاسية في أبريل 1999 التي خاضها وحيدا بعد انسحاب ستة منافسين نددوا بما قالوا إنه تزوير.
وكانت الجزائر حينها في أوج الحرب الأهلية التي اندلعت في 1992 ضد مسلحين إسلاميين. وخلفت تلك الحرب الأهلية بحسب حصيلة رسمية نحو 200 ألف قتيل. وعمل الرئيس الجديد حينها على استعادة السلم في بلاده.
وعمل بوتفليقة الذي اتهمه خصومه بأنه دمية بيد الجيش، على تفكيك نفوذ هذه المؤسسة القوية في الحكم ووعد بأنه لن يكون "ثلاثة أرباع رئيس".
وأعيد انتخاب بوتفليقة كل مرة من الدورة الأولى في 2004 (85 بالمائة من الأصوات) و2009 (90 بالمائة) وذلك بعد إلغاء حد الولايات الرئاسية باثنتين من الدستور.
وفي 2011 وحين كانت أحداث الربيع العربي تطيح بالعديد من قادة المنطقة، اشترى بوتفليقة السلم الاجتماعي بالعائدات السخية للنفط الذي ارتفعت أسعاره إلى أعلى مستوى حينها.
وأثار إيداعه المستشفى لنحو ثلاثة أشهر بباريس في 2013 بعد جلطة دماغية، شكوكا في قدرته على الحكم.
لكن وبعكس كافة التوقعات ورغم اعتراضات معلنة حتى داخل الجهاز الأمني، ترشح بوتفليقة ونجح في الفوز بولاية رابعة في 2014 (81,5 بالمائة من الاصوات).
ورغم ضعف صحته، عزز هذا الرجل الذي يرتدي دائما بدلة من ثلاث قطع، سلطته وحل في بداية 2016 إدارة الاستخبارات والأمن النافذة بعد أن أقال رئيسها الجنرال الشهير محمد مدين المكنى توفيق.
لكن ولايته الرابعة جرت وسط تراجع كبير لأسعار النفط، الأمر الذي أثر كثيرا على الاقتصاد الجزائري المرتهن لعائدات المحروقات.
ورأى المحلل السياسي رشيد تلمساني أنه كان على بوتفليقة "أن يتخلى عن مهامه مع نهاية ولايته الثانية وبعد أن أنجز المصالحة الوطنية وكسب قلوب القسم الأكبر من شعبه".