بودن: تزامن فوز ترامب مع ذكرى المسيرة الخضراء صدفة مميزة ولننتظر معاهدة استراتيجية شاملة بين البلدين

بشرى الردادي

فاز المرشح الجمهوري للرئاسة الأمريكية، دونالد ترامب، بالانتخابات، ليصبح الرئيس الـ47 لأمريكا، بحصوله على 277 صوتا، مقابل 224 لمنافسته الديمقراطية، كامالا هاريس.

وعاد ترامب، الذي وصف فوزه بـ"التاريخي"، إلى السلطة، بعد حملة طويلة شهدت الكثير من التقلبات، وتعرض فيها لإدانة قضائية ومحاولتي اغتيال.

وأثار إعلان فوز دونالد ترامب ردود فعل متباينة في العالم. فمقابل ارتياح البعض، هناك من يعيش مزيجا بين الدهشة والحذر والقلق مما قد يحمله هذا العهد الجديد. فكيف سينعكس فوز ترامب على مستقبل العلاقات بين الرباط وواشنطن؟ وإلى أي درجة سيؤثر على تطور ملف الصحراء المغربية؟

وفي هذا الصدد، قال محمد بودن، الخبير في الشؤون الدولية المعاصرة، في تصريح لـ"تيلكيل عربي": "أتصور أن وصول دونالد ترامب إلى سدة الحكم سيعزز، بالتأكيد، القرار التاريخي الذي اتخذه، خلال ولايته الأولى، بخصوص الاعتراف بمغربية الصحراء، والذي كان موضوع اتفاق ثلاثي مشترك. وضمن هذا الاتفاق، كان هناك التزام أمريكا بفتح قنصلية عامة لها في الداخلة، من أجل تعزيز الفرص الاقتصادية والسلم وأمن المنطقة. وبالتالي، أتصور أن هذا جزء من الالتزامات التي لم تتغير، ويمكن التقدم في أجرأتها على أرض الواقع".

فوز ترامب والمسيرة الخضراء

وبخصوص تزامن الذكرى الـ49 للمسيرة الخضراء مع إعلان ترامب رئيسا 47 لأمريكا، اعتبر بودن أن "التوقيت دائما مهم في العلاقات المغربية الأمريكية، ولو كان بمحض الصدفة".

وتابع المتحدث نفسه: "بالتأكيد أن تزامن الحدثين هو من الصدف الجميلة المميزة، التي تخدم الرمزية التاريخية الغنية بين البلدين".

هيمنة الجمهوريين على الكونغرس

وإلى أي مدى ستمنح هيمنة الجمهوريين على الكونغرس ترامب حرية التصرف، بخصوص ملف الصحراء المغربية، سجل بودن أن "تحقيق الحزب الجمهوري للأغلبية في مجلس الشيوخ، وهي أغلبية تقارب ثلثي المجلس، فضلا عن النتائج المحققة على مستوى مجلس النواب بالنسبة للحزب ذاته، الذي يقترب من الرقم السحري؛ وهو 218 نائبا من أصل 435 نائبا، سيضمن حكما مريحا وسلطة كاملة بالنسبة للرئيس الأمريكي الجديد".

معاهدة استراتيجية شاملة

وأبرز الخبير في الشؤون الدولية المعاصرة أنه "بالإضافة إلى ما تم الالتزام به، في إطار الاتفاق الثلاثي السابق، والاتفاقيات على المستوى الاقتصادي والدفاعي، وغيرها من مجالات العمل المشترك، فإنه يمكن الانتقال إلى إبرام معاهدة شاملة بين البلدين، تشمل بطبيعة الحال، ملف الصحراء المغربية، في إطار الإعلان الرئاسي السابق. ومن دون شك أن المعاهدة قد تشمل، أيضا، ملفات قد تكون قطاعية، في المجال التجاري مثلا، أو تكون معاهدة استراتيجية شاملة تتضمن بندا أو بنودا متعلقة بالاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء، وفق ما عبر عنه ترامب، سنة 2020، وهو الأمر المتاح دستوريا، انطلاقا من الفقرة الثانية من المادة الثانية من الدستور الأمريكي، التي تضع السلطة في يد الرئيس، من جهة، وتمنح، من جهة أخرى، المشورة لمجلس الشيوخ، الذي يتوفر فيه حزب الرئيس على أغلبية واضحة"، قبل أن يستدرك: "لكن الأمر يتطلب، بطبيعة الحال، موافقة الثلثين على المعاهدة المحتملة، إلا أن الرئيس قد يلجأ إلى ما يسمى بـ"الخيار النووي"؛ وهو خيار دستوري يسمح بتمرير النصوص بالأغلبية المطلقة".

وأضاف أن "المعاهدة يمكن تمريرها بعد إصدار قرار المشورة والتصديق والموافقة، وبعد إحالتها من طرف الرئيس بخطاب على مجلس الشيوخ، وكذلك، خطاب التقديم من طرف وزير الخارجية أمام لجنة الخارجية بالمجلس نفسه، وأيضا، الأوراق المصاحبة لنص مشروع المعاهدة. وبالتالي، أعتقد أنه يمكن أن يكون هذا المدخل مدخلا تشريعيا هاما يصل بالعلاقات المغربية الأمريكية إلى حقبتها الذهبية، بالنظر إلى تاريخها، وإلى العديد من العوامل التي ترسخها".

التنافس الأمريكي الفرنسي

وحول ما إذا كنا سنشهد تنافسا أمريكيا فرنسيا حول الاستثمارات في الصحراء المغربية، رد بودن: "هذا محتمل جدا. فنهاية ولاية ترامب الأولى شهدت زيارة وفد أمريكي، برئاسة ديفيد شينكر، مساعد وزير الخارجية الأمريكية لشؤون الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، إلى الصحراء المغربية".

وسجل المتحدث نفسه أن "شينكر التقى، وقتها، بعدد من المسؤولين المغاربة، إلى جانب السفير الأمريكي بالمغرب آنذاك، ديفيد فيشر، الذي وقع على خارطة المملكة كاملة، في صورة تم تداولها بشكل كبير، وأيضا، مسؤولين من وكالة التنمية الأمريكية، ومن البرلمان الأمريكي بمجلسيه، ومن القطاع الخاص، ومن الحكومات المحلية في أمريكا. وبالتالي، هناك اهتمام كبير بالاستثمار في الصحراء المغربية، وخلق مختلف الظروف التي تساهم في استقرار هاته المنطقة، التي تشترك مع أمريكا البعد الأطلسي".

فوز مريح ومُقلق

من جهة أخرى، أبرز بودن أن "فوز ترامب مثل نبأ سارا بالنسبة للعديد من المناطق الجيوسياسية، بالنظر إلى تجربته في ولايته الأولى، ولو أنه لا يمكن التنبؤ بما يمكن أن يقوم به في ولايته الثانية والأخيرة، إلا أنه مثل، بالنسبة لعدد من الأطراف، شريكا واقعيا وعمليا. أما بالنسبة لأطراف أخرى في الشرق الأوسط، فربما كانت تفضل أن تستمر الإدارة الديمقراطية في قيادة أمريكا، وهذا واضح حتى في المسارعة أو التأخر في تقديم التهنئة، والاهتمام بمسار تفاعلات الانتخابات الأمريكية".

تاريخ ومستقبل مشتركين

وفيما يخص تاريخ العلاقات المغربية الأمريكية، أفاد الخبير في الشؤون الدولية المعاصرة بأنه "على مدى عقود، شكل تبادل الاتفاقيات والمعاهدات والبعثات الدبلوماسية والزيارات الرسمية والمواقف المتطورة فصلا تاريخيا مشتركا للعلاقات بين المملكة المغربية والولايات المتحدة الأمريكية، يعكس مستوى الثقة بين البلدين. وكون العلاقات بين البلدين سبقت علاقات الولايات المتحدة الأمريكية بأي بلد آخر، فإن رصيدها التاريخي والاستراتيجي وركائزها الصلبة تسمح لها بتجديد مختلف الروابط رفيعة المستوى، لاسيما الشراكة الاقتصادية، والحوار الاستراتيجي، والتعاون الدفاعي، الذي تمثل مناورات "الأسد الإفريقي" عنوانا بارزا له".

وسجل بودن: "اليوم، في سياق انتخاب الرئيس الـ47 للولايات المتحدة الأمريكية، مرت 248 سنة على اعتراف المغرب بالولايات المتحدة الأمريكية، سنة 1777. وقد ظلت العلاقات الثنائية تجدد شبابها باستمرار؛ حيث احتفلت، مؤخرا، بمرور عشرين عاما على مناورات "الأسد الإفريقي"، واتفاقية التبادل الحر بين البلدين. ومن الصور التي تعكس الطابع المتميز للعلاقات بين البلدين، أيضا، عندما أصبح جورج واشنطن أول رئيس للولايات المتحدة الأمريكية، سنة 1789، خاطب السلطان محمد بن عبد الله بـ"صديقي العظيم والرائع"، بالإضافة إلى ما تمثله المفوضية الدبلوماسية الأمريكية بطنجة كعلامة على إرث العلاقات بين البلدين، التي كانت على الدوام علاقات صداقة عميقة".

وأبرز المتحدث نفسه أن "المغرب حليف أساسي للولايات المتحدة الأمريكية خارج حلف "الناتو"، والشريك الوحيد في إفريقيا الذي يتمتع باتفاقية التبادل الحر مع الولايات المتحدة الأمريكية، ومخاطب رئيسي لدى الولايات المتحدة بشأن قضايا السلم والأمن، في إفريقيا والشرق الأوسط".

واعتبر بودن أن "العلاقات المغربية الأمريكية تستفيد من هذا الزخم التاريخي. وقد تم اتخاذ سلسلة من الخطوات والتبادلات، منذ سنة 2020، لتعزيز الاتجاه المستقبلي للعلاقات بقرار تاريخي يتعلق باعتراف دونالد ترامب بسيادة المغرب على صحرائه".

وتابع: "وإذا كان الموقف الأمريكي الثابت والصريح بشأن الوحدة الترابية للمملكة المغربية وزيارة الوفود الأمريكية إلى الصحراء المغربية يمثل دافعا كبيرا لاستثمار مختلف فرص العمل بين البلدين، فإن الإشادة المستمرة للولايات المتحدة الأمريكية بالأجندة التنموية للملك محمد السادس، وللدور المغربي الفاعل في جهود مكافحة الإرهاب، تعكس الأهمية الاستراتيجية الواضحة للمملكة المغربية في المنظور الأمريكي تجاه إفريقيا الأطلسية والفضاء الأورو - متوسطي".

وختم بودن تصريحه لـ"تيلكيل عربي"، قائلا: "بالنظر إلى أن المغرب يقع في منطقة مهمة لمستقبل العالم، من الناحية الاقتصادية وسياسة الموانئ، ومن حيث السكان الشباب، فإنه مستمر في لعب أدوار فاعلة في مختلف القضايا الإقليمية والمبادرات الاستراتيجية بالمنطقة. ولا شك أن تنسيق المغرب مع الولايات المتحدة الأمريكية بهذا الخصوص يمثل رافدا آخر للعلاقات".