صادق مكتب المجلس الوطني لحقوق الإنسان، يوم 29 أكتوبر 2019، على مذكرة حول مشروع القانون رقم 10.16، المتعلق بتعديل القانون الجنائي، لتقديمها إلى رئيسي مجلسي البرلمان وإلى الفرق البرلماني.
مضامين المذكرة لم تخل من جرأة، من حيث توصياتها التي تهم تعديلات جوهرية على القانون الجنائي، خصوصا في ما يتعلق بإلغاء عقوبة الإعدام والمقتضيات المتعلقة بالأمن الداخلي والإجهاض والعلاقات الرضائية بين البالغين والمقتضيات المرتبطة بالعبادات. في هذا الحوار، تقدم أمينة بوعياش، رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان، تصور المجلس وتلقي بعض الضوء على مضامين المذكرة...
حاورها: الشرقي لحرش وحسام حاتم
وجهتهم مذكرة إلى البرلمان حول مشروع القانون الجنائي ما هو سياق هذه المذكرة؟
هذه المذكرة تأتي تفاعلا مع اقتراب تاريخ وضع التعديلات على مشروع القانون الجنائي، الذي يناقش في لجنة العدل والتشريع بمجلس النواب، والذي نعتبره بمثابة القانون المنظم للحريات والحقوق.
إن هذه المذكرة تعتبر تكميلية بالنسبة للرأي الاستشاري الذي سبق أن قدمه المجلس الوطني لحقوق الإنسان للبرلمان بشأن مشروع القانون الجنائي، وقد جاءت بناء على عدد من المستجدات التي نعتبرها أساسية، لذلك تضمنت المذكرة 11 توصية جديدة.
وتهم هذه التوصيات إضافة مقتضى جديد يتعلق بالعنف في الفضاء العمومي بسبب تنامي وسائل التحريض والعنف والكراهية والتمييز، والتنصيص على عدم تقادم جرائم التعذيب، كما ضمت المذكرة توصيات حول جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية.
كما تستند المذكرة على مرجعيات أساسية أولها الالتزامات الدولية التي صادق عليها للمغرب، والدستور المغربي الذي فصل في عدد من القضايا، وكذا توصيات اللجان التعاقدية التي يقدم لها المغرب تقاريره، علما أن عددا من توصياتها حظيت بالقبول لدى السلطات المغربية.
كذلك، من المستجدات المهمة ما يتعلق بالحريات الشخصية والحياة الخاصة التي أخذت طابعا مهما جدا في التداول العمومي، وقد تابعنا بشكل دقيق جدا الحوارات والمواقف والآراء التي عبر عنها عدد من المواطنين داخل المغرب وخارج المغرب بخصوص إشكالية الحريات الشخصية.
إن المغرب دولة تبنت الاختيار الديمقراطي، والديمقراطية تضم تدبير النظام العام وكذا تدبير الحياة الشخصية والحريات الشخصية.
إذن، نحن نعتقد أننا استحضرنا كل الآراء سواء الالتزامات الدولية للمغرب، أو مقتضيات الدستور المغربي، ثم صغنا ذلك في مذكرة، لأن دورنا كمؤسسة دستورية أن نستمع لكل الآراء وأن نصوغ ذلك ونقدمه للسلطة التشريعية التي لها كامل السلطة في التعامل معها.
الملاحظ أنكم تقدمتم بتوصيات حول عدد من فصول القانون الجنائي غير مطروحة للنقاش اليوم داخل البرلمان كما هو الشأن بالنسبة لرفع التجريم عن العلاقات الرضائية. كيف تفسرون ذلك؟
هناك عدد من المقتضيات لم يشملها التعديل، ولذلك نحن اقترحنا تعديلها، كما أن هناك مواد تضمنها المشروع وأوصينا بتعديلها، كما هو الشأن بالمقتضى الخاص بالأمن الداخلي، حيث طالبنا بتغيير العنوان ليصبح المس بالسير العادي للمؤسسات الدستورية، كما أكدنا على ضرورة توفر شروط ومعايير محددة لتكوين جريمة المس بالسلامة الداخلية.
اقرأ ايضا : الدين والاغتصاب والعلاقات الرضائية في مذكرة CNDH
يبدو أن محاكمة معتقلي حراك الريف بجناية المس بسلامة الدولة الداخلية هي التي دفعتكم للمطالبة بتعديل هذا المقتضى؟
على أي، نحن نرى أنه في إطار التطور الديمقراطي الذي يشهده المغرب لا بد من العودة إلى المبادئ الأساسية للقانون الجنائي المتمثلة في الضرورة والشرعية والتناسبية.
إن استعمال هذه المبادئ الثلاثة يحول دون ترك عدد من القضايا مفتوحة يمكن استعمالها حسب التقديرات والسياق، لذلك نحن ندعو إلى تحديد المعايير.
طالبتم برفع التجريم عن العلاقات الرضائية، الشيء الذي يذكرنا بتوصية المجلس الوطني لحقوق الإنسان بالمساواة في الإرث والتي أثارت ضجة. هل المجلس اليوم مستعد للدفاع عن مطالب الحريات الفردية؟
إن الأمر يأتي في إطار تراكم عمل معرفي وبحثي قام به المجلس، كما يأتي في إطار إعمال المنظومة القانونية والمعنوية التي يعيش داخلها المغاربة.
كما أننا سندافع عن هذا الأمر، من خلال الصحافة، فإذا ارتأت أن هذا مهم فلا بد أن تكتب عنه باستمرار، كما سندافع عنه بتنظيم عدد من اللقاءات مع مختلف الفاعلين، بما في ذلك القضاة والمحامين ومجلس النواب ومجلس المستشارين، حيث قدمنا المذكرة لمختلف الفرق من أجل دراستها.
سندافع عن هذا المقتضى، لأننا نعتبر أن مسار الحريات العامة تقدم في المغرب رغم الإشكالات التي يعرفها، وهذا التطور الذي يعرفه الفضاء العام يؤدي حتما إلى المطالبة بالحريات الشخصية التي نرى ضرورة رفع التجريم عليها، لأن الإبقاء على التجريم غير ممكن في إطار الصيرورة الديمقراطية.
من جهة أخرى، فنحن لم نتعامل سوى مع واقع قائم، فهل اليوم يمكننا القول أن علاقة رضائية خارج إطار الزواج تستدعي السجن؟
المبدأ الذي اعتمدناه، في ما يتعلق برفع التجريم عن العلاقات الرضائية، مستوحى من الفصل 19 للعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية؛ أي أن تمس ممارسة هذه الحريات بالآداب العامة. نحن ندرك أننا في مجتمع محافظ، لكن لا يمكن أن يلغي الفضاء العام أبسط العلاقات بين الجنسين.
مع تطور واقع الحريات في الفضاء العام ستطرح هذه القضايا بشدة، وقد رأينا متابعة عدد من الأفراد بتهم لها علاقة بهذه القضايا مما يستدعي معالجتها معالجة قانونية.
اقرأ أيضا: تفاصيل مذكرة المجلس الوطني لحقوق الإنسان حول الإجهاض
البعض يرى أن هذه القضايا الأخلاقية أصبحت سيفا يسلط على رقاب المعارضين وبعض الأشخاص الذين لهم أراء مخالفة للتوجه الرسمي؟
نحن بصدد تقديم توصية تهم حرية الحياة الشخصية والفردية للمواطنين المغاربة، وإذا كان هؤلاء المعارضون في البرلمان، فليصوتوا على التعديلات.
بالاطلاع على التجارب المقارنة، نجد أن عددا من الدول تحدد سنا معينا للحق في ممارسة الجنس الرضائي، ففرنسا مثلا حدثته مؤخرا في 15 سنة. بالنسبة لكم، ما السن الذي تقترحونه؟
نحن نطالب برفع التجريم عن العلاقات بين الراشدين، أما ممارسة الجنس مع القاصرين فيدخل في بند الجريمة ولا يدخل في العلاقات الرضائية. نحن لا نريد فتح الباب على مصراعيه، فنحن أيضا مغاربة وننتمي لهذه الدولة ولهذه الثقافة، وربما أكثر من أي أحد، لكن في نفس الوقت نرى أنه لا بد من حل هذه الإشكاليات.
طالبتم بتوسيع إباحة الإجهاض أكثر مما تضمنته المشاورات التي أشرف عليها الملك. هل تعتقدون أن البرلمان سيتجاوب معكم؟
يجب بداية التمييز بين جريمة الإجهاض التي تتم عبر العنف، والتي لا يمكن التغاضي عنها، وبين الإيقاف الطبي للحمل، كما أن الملك اعتبر الإجهاض شأنا طبيا.
إن منظمة الصحة العالمية حددت أسباب اللجوء إلى الإيقاف الطبي للحمل في أسباب بدنية ونفسية واجتماعية، ومنه يحق للمرأة، إذا وُجد أي سبب من الأسباب الثلاثة، أن تتخذ قرارا بإيقاف الحمل، كما أننا في التوصية التي تقدمنا بها، أكدنا على عدم إمكانية إيقاف الحمل إذا مر عليه 3 أشهر حماية لصحة الأم.
إن صحة الأم لا تتعلق بالصحة البدنية فقط، بل لا بد من استحضار الصحة النفسية والاجتماعية.
ما موقفكم من رفع التجريم عن الخيانة الزوجية؟
"اللي تتّاكل العصا" في الخيانة الزوجية هي المرأة "ماشي الراجل"، فحين تزور السجون، تجد النساء "هوما اللي مساكن في الحبس بينما الرجال ماكينينش".
سبق لوزير العدل السابق أن صرح بأن مطالب رفع التجريم عن الحريات الفردية تواجه ببنية محافظة. كيف ستتعاملون مع هذا الوضع؟
أعتقد أننا نتوفر على بنية تشريعية محافظة، لكن المجتمع ليس محافظا في علاقاته، "هاد الشي اللي كانشوفو، وهاد الشي اللي كنتلقاو، وكنقراو، وهذا ما تكتبونه أنتم"، لكن هل سيتفاعل السادة النواب مع ما تقدمنا به؟
لا أعلم، لكن هناك إشكالات مطروحة للنقاش.
قدمتم توصيات بخصوص التعذيب، ونعرف أن المغرب ينفي دائما وجود تعذيب ممنهج. هل تتفقزن مع هذا الطرح؟
لا يوجد تعذيب ممنهج في المغرب، لأن التعذيب الممنهج له تعريف محدد وهو نزع الاعترافات باستعمال شتى أنواع التعذيب. هل يوجد هذا في المغرب؟
هناك من يدّعون أن الاعترافات أُخذت منهم بالقوة وتحت التعذيب؟
جميع الإشكالات المطروحة الآن تتعلق بسوء المعاملة، هذا ما نستشفه من زيارتنا للسجون ومتابعة المحاكمات، أما التعذيب الممنهج فلم نصادفه.
سبق للمجلس الوطني لحقوق الإنسان أن تحدث عن تعرض عدد من معتقلي حراك الريف للتعذيب ووصف مزاعمهم بأنها "ذات مصداقية". ما مآل تقرير أحداث الريف؟
نحن نعد تقريرا حول أحداث الحسيمة، والذي سنعلن عنه قريبا، وأؤكد لكم أن محاوره عرضت على الجمعية العمومية السابقة.
من صلاحيات المجلس الوطني لحقوق الإنسان القيام بزيارات لأماكن الاحتجاز والسجون. هل سبق لكم زيارة مخافر الشرطة والدرك، وما تقييمكم للأوضاع داخل هذه المراكز؟
الآن، أصبح المجلس يتوفر على الآلية الوطنية للوقاية من التعذيب، وهذه الآلية تم إحداثها بناء على مصادقة المغرب على البروتوكول الاختياري لمناهضة التعذيب والوقاية منه. إن دور هذه الآلية هو القيام بزيارات لأماكن الحرمان من الحرية من مراكز الشرطة والدرك والمستشفيات العقلية.
يمكنني أن أخبركم أيضا أن اللجنة الفرعية الأممية لمنع التعذيب سبق لها أن قامت بزيارة للمغرب، في أكتوبر 2017، وزارت بعض أماكن الحرمان من الحرية التابعة لكل من المديرية العامة للأمن الوطني والدرك الملكي، وقدمت تقريرا في الموضوع، ونحن سبق لنا أن أوصينا بنشر هذا التقرير.
لا يمكن مواجهة التعذيب بتعديل القانون الجنائي فقط، بل لا بد من إدخال تعديلات جوهرية على قانون المسطرة الجنائية. هل تنوون تقديم توصيات بهذا الشأن؟
المسطرة الجنائية تتضمن تفاصيل تقنية، ونحن سنقدم رأينا بشأنها حينما تعرض.
من بين المتابعين من نشطاء حراك الريف، هناك المعتقل مرتضى اعمراشن، الذي توبع بتهمة الإشادة بجماعات إرهابية، رغم أن له مقالات وتدوينات عديدة يدين فيها الإرهاب، فيما اختارت سلطة الاتهام التركيز على تدوينة واحدة. وقد ظل اعمراشن يؤكد أنها تدوينة ساخرة، ومع ذلك حكم عليه بخمس سنوات سجنا نافذا. ألا ترون بأن قانون الإرهاب يجب أن تطاله المراجعة أيضا؟
نحن كنا نرى أن القانون الجنائي يجب أن يكون حاضنا لقانون الإرهاب، لكن هذا لم يتم، لهذا "خاصّ التشريع والسادة النواب يوقفوا معنا، ويكون خير".
قبل أيام، تم الحكم على أربعة متهمين في قضية قتل السائحتين الاسكندنافيتين بإمليل بالإعدام، وقبل ذلك تم الحكم بالإعدام على المتهمين بارتكاب جريمة "مقهى لاكريم". الملاحظ أنه كلما وقعت جريمة وحشية، يطالب الرأي العام بتنفيذ حكم الإعدام، فيما أنتم تطالبون بإلغاء هذه العقوبة. فكيف ستتعاملون مع الرأي العام؟
إن المحيط الحقوقي ضد عقوبة الإعدام، لكن، بالمقابل، الجانب السياسي ليس كله مقتنع بهذا الموضوع.
نحن نعتبر أن عقوبة الإعدام لا تحل أي مشكل، كما أنه أحيانا قد تقع أخطاء قضائية، فضلا عن كون عقوبة الإعدام لا تمنح الأشخاص الذين ارتكبوا جرائم، حتى ولو كانت بشعة، الحق في فرصة ثانية في الحياة، حتى ولو كانوا شبابا، كما تمنعهم من الحق في إعادة التأهيل.
إن المحكوم عليهم بعقوبة الإعدام يعيشون "دراما" يومية، بعدما أصبحت الأيام متشابهة بالنسبة لهم، ولا يعرفون اليوم الذي سينفذ الإعدام في حقهم.
ولماذا لم ينضم المغرب إلى الدول التي ألغت عقوبة الإعدام؟
هذا دور المشرع.
يحاول المغرب ملاءمة تشريعاته مع اتفاقية روما الخاصة بالمحكمة الجنائية الدولية دون الانضمام إليها، أليس الأولى الانضمام لهذه الاتفاقية أولا؟
المصادقة على اتفاقية روما هدف مهم بالنسبة لنا في المجلس الوطني لحقوق الإنسان، لكن إذا تمكنا من إدراج الجرائم المنصوص عليها في اتفاقية روما ضمن تشريعنا الوطني سنكون قد تقدمنا كثيرا.
يعرف المغرب احتجاجات قد تصل إلى درجة التوتر الاجتماعي. هل سيقوم المجلس الوطني بتفعيل آلياته المتمثلة في إجراء الصلح والوساطة لتجنب وقوع التوتر؟
لأول مرة، يتم إنشاء وحدة مرتبطة برئاسة المجلس من أجل القيام بهذا الدور تحديدا. وقد أكد القانون الداخلي للمجلس على هذا الموضوع. ونحن الآن نتوفر على وحدة إدارية لوضع تصور حول آليات الاشتغال.
عدد من الجمعيات الحقوقية، وعلى رأسها الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، تشتكي من تضييق السلطات على أنشطتها وعدم تسليم فروعها الوصولات القانونية. هل سبق عرض هذا الملف عليكم؟ وما تقييمكم له؟
سبق أن التقينا مع الزملاء في الجمعية المغربية لحقوق الإنسان أكثر من ثلاث مرات، وقد تذاكرنا معهم حول هذا الموضوع، كما قدمنا دعمنا لمؤتمرهم.
بخصوص عدم منح الوصولات القانونية، يعود هذا الأمر، أحيانا، إلى عدم اكتمال وثائق الملف، وأحيانا، تقع ممارسات غير قانونية من طرف بعض القياد في بعض المناطق. كما أننا في تواصل مع وزارة الداخلية، الشيء الذي مكننا من حل مجموعة من الإشكالات.
من جهة أخرى، نعتقد أنه يجب إعادة النظر في القوانين المؤطرة لوصولات الجمعيات وإقامة التظاهرات. فكما ترون اليوم الناس يتظاهرون بدون وصل. وعموما، فرأي المجلس هو السماح للتظاهرات التي لا يصاحبها عنف حتى ولو لم تكن تتوفر على ترخيص.