بكثير من الإصرار والتحدي، تمكنت سلمى بوكرش، لاعبة نادي الوداد الرياضي للسيدات والمنتخب الوطني، من الجمع بين شغف الساحرة المستديرة ودراسة الطب.
قصة سلمى كانت استثنائية كما روتها لـ"تيلكيل عربي"، بداية بعلاقتها مع الكرة في بيت رياضي بامتياز، وصولا إلى الدفاع عن ألوان نادي الوداد الرياضي للسيدات، منذ حوالي السنتين، توصلت باستدعاء لتمثيل اللبؤات خلال التصفيات المؤهلة إلى الأولمبياد الأخير في باريس.
وبالرغم من أن ابنة مدينة الجديدة توقفت لفترة عن ممارسة الساحرة المستديرة في صيغتها الاحترافية، بعد التحاقها بالسنة الجامعية الأولى، بكلية الطب والصيدلة بمدينة الدارالبيضاء، إلا أن عودتها إلى الميدان كانت أقوى واستطاعت أن تجمع بين مسار دراسي مليء بالضغط والكثير من الالتزام، كما صنعت إسما وسط كرة القدم النسوية.
اللاعبة وخلال حديثها مع الموقع، شددت على أنها كانت محظوظة بدعم عائلتها الصغيرة، والتي كانت حريصة على أن تنجح سلمى بوكرش لاعبة لكرة القدم، وأيضاً طبيبة مستقبلية.
الصعوبات وكما أشارت إليها المتحدثة، كانت حاضرة منذ اختيارها لمسار دراسي ليس بالهين، إلا أنها وجدت في كرة القدم متنفساً مناسباً ساعدها في أن تستمر في التفوق وصولا إلى السنة الجامعية السادسة لها بكلية الطب والصيدلة.
كيف كانت قصتك مع الساحرة المستديرة؟
ترعرعت وسط عائلة محبة للرياضة ولكرة القدم، فوالدي كان يمارس هذه الرياضة إضافة إلى كرة اليد، ونفس الشيء بالنسبة لأعمامي، فنحن عائلة تعيش شغف كرة القدم والرياضة بصفة عامة داخل المنزل.
بدأت قصتي مع الساحرة المستديرة كمتابعة، لأنني كنت حريصة على مرافقة والدي إلى المباريات التي يجريها رفقة أصدقائه، ثم بدأت أتعرف على الكرة في الحي مع الأطفال من الذكور.
2012 كانت السنة التي انضممت خلالها إلى مدرسة لكرة القدم، وكان يتعلق الأمر بنادي الدفاع الحسني الجديدي، فهذا التوقيت بالضبط بدأت فيه علاقتي مع الكرة بطريقة احترافية، أما قبله فقد كنت أداعب الكرة في الحي أو المدرسة، وأعتقد بأنها بداية مشابهة لأي لاعب كرة القدم.
لماذا كرة القدم وليس رياضة أخرى؟
أقول بأن كرة القدم هي من اختارت سلمى بوكرش لتكون جزءا منها وليس العكس.
منذ الصغر اعتدت الحصول على كرات، لقد كنت تلك الطفلة التي تلعب وتستمع عبر قدميها.
كما أن البيئة التي عشت فيها أو الحي، كانت من المستبعد أن ترى مثلا طفلاً يلعب كرة السلة، فالكل كان متعلقاً بالساحرة المستديرة وتفاصيلها التي تنطلق من الأزقة.
ألم يكن من المرهق بالنسبة إليك الجمع بين كرة القدم بشكلها الاحترافي والدراسة؟
في البداية لا يمكن القول أن الأمر كان بالسهل والسلسل، لأن ممارسة كرة القدم بالصيغة الاحترافية بالموازاة مع الدراسة صعب.
بالنسبة لي كانت ممارسة كرة القدم والانتظام في التدريبات والمباريات مصدر تحفيز، وعائلتي أصرت على أن استمراري تواجدي في النادي رهين بالحفاظ على تفوقي الدراسي.
يمكن أن يكون الأمر غريبا عند البعض، لكن "كنحس مزيان مني كنلعب كورة"، والأمر أثر بشكل إيجابي على نتائجي على المستوى التعليمي.
ما هو الدور الذي لعبته عائلتك لدعمك من أجل مواصلة المشوار الكروي بالموازاة مع الدراسة؟
العائلة هي الداعم الأول والمساند لي منذ البداية، فعندما كنت صغيرة حرص الوالدان على أن يكونا حاضران معي في التدريبات ومرافقتي بشكل يومي، كما أن باقي أفراد العائلة من أعمام وإخوان وأقارب كلهم كانوا بجانبي.
المحيط العائلي لعب دورا محوريا، ودفعني إلى أن أن ألعب كرة القدم، كما كان الدرع الحامي لكي لا أهمل دراستي وأضيعها.
العائلة أيضاً كانت ولازالت تحميني من الأمور أو الطابوهات التي يمكن مصادفتها في الشارع في المحيط الكروي، ولحدود الساعة أحس بدعمهم المتواصل، كما أنهم وبدون استثناء فخورين بسلمى الطبيبة ولاعبة كرة القدم.
هل تعتبرين نفسك محظوظة بتفهم العائلة لاختيارك، لأن عددا من اللاعبات المغربيات لم يتمكن من الاستمرار بسبب غياب الدعم؟
أكيد أنا محظوظة بالدعم الذي تلقيته من الأسرة، ولهذا دائماً أشكر الله على وجودهم في حياتي.
الدعم والمساندة والدفعة التي تقدمها العائلة، أساسية ولا يمكن الاستغناء عنها، خصوصا أن حضورهم للتدريبات أو المباريات والتنقل لمشاهدتي من المدرجات يشكل فارقا معنويا كبيرا.
وكخلاصة كل ما وصلت إليه حالياً، هو بسبب العائلة ككل والأبوين، وأنا محظوظة بتواجدهم بجانبي.
إذا اخترتِ متابعة دراساتك العليا في مجال الطب، كيف يمكنك الحفاظ على التوازن بين شغفك بالطب واللعبة؟
بعد حصولي على شهادة الباكالوريا واختياري دراسة الطب، توقفت عن ممارسة كرة القدم بشكلها الاحترافي، وتحول الأمر مجددا إلى مجرد هواية، حيث كنتى أجري بعض المباريات في نهاية الأسبوع رفقة الأصدقاء.
التوقف عن ممارسة كرة القدم دام لأقل من سنتين، وتحديدا عند السنة الثانية من دراسة الطب، استأنفت نشاطي الكروي بصيغته الاحترافية، لقد تعذبت من أجل إنجاح الأمرين معا، وكنت مضطرة للتضحية بأمور أخرى، لأجل الدراسة والرياضة هما الأولوية في حياتي.
فمثلاً كانت لقاءاتي مع الأصدقاء نادرة، كما كنت مضطرة لعدم رؤية عائلتي بشكل مستمر بسبب الالتزامات الرياضية والخاصة بشق الدراسة ـ، ومع وصول فترة الامتحانات، قضيت ليالي بيضاء للتحضير واستدراك الأمور التي قد تكون قد فاتتني سابقاً، لكن في النهاية كنت أحس بالمتعة وأنا أقوم بالأمرين، ومرتاحة جدا رغم الصعوبات.
هل وجدتي نقاط تشابه، بين مجال دراسة الطب وكرة القدم؟
الاثنين معاً هما تجربة للحياة المهنية، ويتطلبان من الشخص الكثير من الصبر والتواصل.
لكي تكون لاعبة جيدة وطبيبة جيدة، عليك أن تكوني منفتحة على تلقي كم هائل من المعلومات المتجددة، وتعتبرني أن كل يوم في الحياة، هو فرصة من أجل تعلم شيء جديد.
ففي مجال الطب كما كرة القدم، المعلومة دائمة متجددة وعلى الشخص الذي يريد التقدم مهنيا فيهما معاً، القيام بمجهودات جبارة ليقدم أفضل نسخة ممكنة منه، ولهذا فأرى أن هنالك عددا من نقاط التشابه بين الساحرة المستديرة في صيغتها الاحترافية وممارسة مهنة الطب.
ألا تعتقدين بأنك ورطت نفسك وسط ضغط كبير للجمع بينهما؟
بالتأكيد هما مجالان بضغط عالي، سواء تعلق الأمر بكرة القدم أو مجال دراسة الطب.
في المقابل، هنالك أمور جميلة لا يمكن وصفها، فعندما أتمكن بعد ليالي بيضاء وضغط الدراسة من تحقيق النجاح الذي أريد وعبور السنة الدراسية بتفوق، كل ذلك العبء يختفي.
ونفس الشيء بالنسبة لكرة القدم، بعد مشقة التدريبات وصعوبة التنقلات والالتزام بالمباريات، أكون سعيدة بما وصلت إليه مع فريقي، وما أشعر به حينها من الصعب وصفه، إنه إحساس مختلف بطعم الانتصار والكثير من الامتنان.
لو كان بيدك الرجوع بالزمن إلى الخلف، هل ستخوضين المغامرة ذاتها بنفس التفاصيل؟
لم يسبق لي أن ندمت على أي اختار اتخذته في حياتي لحدود الآن، وفخورة جداً بأنني تمكنت من النجاح في المجالين معاً، سواء تعلق الأمر بدراسة الطب أو الرياضية.
لدي قناعة كبيرة بالاختيارات التي قُمت بها، خصوصا وأنها كانت بدعم وموافقة الوالدين معاً، ولو عاد بي الزمن سأقترف نفس الأمر للمرة العاشرة لما لا.
ما هي الأشياء التي لازالت تنقص كرة القدم النسوية، على مستوى الأندية المحلية في المغرب؟
أرى بأن التنافسية والرفع من المستوى الاحترافي للأندية، إضافة إلى الاهتمام، كلها مفاتيح من أجل تطوير كرة القدم النسوية في بلادنا.
وصدقاً أتمنى من الأندية الاستثمار في فرع كرة القدم النسوية، ,اعتقد بإنه إن تم إعطاء نسبة 5 أو 10 في المائة من الاهتمام الذي تحظى به كرة القدم للرجال، فسنرى تطوراً أكبر مما وصلنا إليه حاليا.