قبل أربع سنوات، تم الإعلان عن المخطط الغازي للمغرب، وهو مشروع ضخم جدا يروم نظريا تعزيز الأمن الطاقي للبلاد. ولكن بين التصور والتنفيذ هوة كبيرة مازال المسؤولون عاجزين عن ردمها.. "تيل كيل" تحقق في خبايا مشروع بـ"45 مليار درهم".
لن يرى مشروع تطوير الغاز بالمغرب النور في التاريخ المتوقع له، أي 2021. بالنسبة إلى كل الخبراء الذي اتصلت بهم "تيل كيل" لإنجاز تحقيقها، هذه الخلاصة لا يتطرق إليها أي شك. قبل أربع سنوات، قدم عبد القادر اعمارة، وزير الطاقة والمعادن آنذاك، خارطة الطريق للمخطط الغازي المغربي، وتتضمن: إنشاء مرفأ للغاز بالجرف الأصفر، وفضاء للتخزين، وأنبوب غاز طوله 400 كلم، فضلا عن محطات حرارية.
هذا كله يتطلب استثمارا قدره 4,6 ملايير دولار. وتم إعداد المشروع على أساس حاجات المغرب من الغاز والتي قدرت بـ5 ملايير متر مربع في السنة: 3 ملايير متر مربع لإنتاج الكهرباء، ومليار متر مربع للصناعة، ومليار متر مربع آخر مخصصة لمحطة "سامير". ولكن حدث ما حدث فيما بعد، ودخلت "سامير" مرحلة التصفية القضائية، ولم يعد ممكنا إدراجها في هذا المشروع. فهل أعادت الدولة النظر في تقييم حاجاتها؟(…) االواقع أن العديد من الفاعلين في القطاع، وكذا منظمات دولية، يتساءلون عن جدوى هذا المشروع. هل المغرب حقا في حاجة إلى مخطط غازي بـ45 مليار درهم؟ في نظر هؤلاء قد يكون التأخير الحاصل في التنفيذ مناسبة لإعادة النظر في طبيعة هذا المشروع الفرعوني.
مشروع "SNI" و"أكوا".. النسيان
خلال عرض قدم للملك محمد السادس قبل حوالي عشر سنوات (حصلت "تيل كيل" على بعض المعلومات حول مضمونه) قُدم المشروع الغازي على أنه الرد المناسب على التطور القوي للطلب الوطني على الطاقة الكهربائية، وأداة لتعزيز الاستقلال الطاقي للبلاد. ولكن هذه الحجج تصطدم بقوة الأرقام. "إن المردودية الاقتصادية للمشروع المغربي تظل متواضعة جدا بسبب تكلفة الاستثمار المرتفعة والمسافات الطويلة بين المحطات الكهربائية"، تقول دراسة أعدها في 2013 "صندوق الاستشارة في البنى التحتية"(المدعوم من طرف النبك العالمي) حول المشاريع الغازية بالبلدان العربية.
وقد اعتمد الخبراء على مشروع للهولدينغ الملكي "SNI" ومجموعة "أكوا" لعزيز أخنوش. فقد أعلنت المؤسستان العملاقتان في بيان مشترك عام 2010، عن التوقيع على معاهدة لإنجاز مرفأ للغاز الطبيعي السائل "مخصص لاستقبال ناقلات الغاز الطبيعي، وبنيات للتخزين، ومنشآت للتحويل، فضلا عن أنبوب غاز والشبكة الضرورية للتوزيع". وهذا المشروع شبيه إلى حد كبير بما قدمه الوزير اعمارة أربع سنوات بعد ذلك. في تلك الفترة كان مشروع المؤسستين العملاقتين يتحدث كذلك عن 5 ملايير متر مربع، ولكن كان يتوقع استثمارات تصل إلى 10 ملايير درهم. وقد تم توقيع بروتوكول اتفاق بين "أكوا" و"المكتب الوطني للكهرباء والماء" و"سامير"، بخصوص "إنشاء أول مرفأ للغاز الطبيعي السائل بالجرف الأصفر"، حسب ما جاء في مقال لصحيفة "لوماتان" في 30 ماي 2010. ولكن هذه الشراكة بين "SNI" و"أكوا" كان مآلها النسيان.
موقع غير ملائم
لم يحظ موقع "الجرف الأصفر" بتأييد جميع الفاعلين. وكشف مصدر مقرب من الملف أن "المكتب الوطني للكهرباء والماء كان يتطلع إلى تنفيذ المشروع بطنجة أو الناظور أو حتى القنيطرة، أما 'أكوا' فكانت تفضل الجرف الأصفر، لأن معظم محطاتها للتخزين توجد هناك".
ويرى المصدر أن حجج المكتب الوطني للكهرباء والماء تستند إلى تبريرات تقنية، ويقول "إن الاستثمار في البنى التحتية سينخفض بفضل وجود أنبوب غاز (أنبوب المغرب العربي أوروبا)، ويكفي وضع محولات لنقل الغاز إلى محطات هذا المكتب". كما أن هذه المحطات مؤهلة، فضلا عن توفر الوعاء العقاري في محيط محطتي بني مطهر وتهدارت، حسب المصدر ذاته. وبالتالي فلا حاجة إلى إنشاء أنبوب طوله 400 كلم يتطلب اللجوء إلى مسطرة نزع الملكية في المنطقة التي سيمر منها، كما أنه يحتاج إلى تعبئة غلاف مالي يصل إلى 600 مليون درهم. ويخلص مصدر "تيل كيل" إلى أنه "من الحمق حقا إنجاز المرفأ في الجرف الأصفر". فضلا عن كل هذا، فاختيار الجرف الأصفر سيجعل كل المنشآت الطاقية للمغرب مجتمعة في منطقة واحدة، وهذا أمر غير مستحب بتاتا إذا نظرنا إليه من زاوية الأمن الطاقي للبلاد.
وحسب مصادر "تيل كيل"، فإن "لوبي الصناعيين" كسب معركة الموقع في النهاية، خاصة وأنه يعتقد أن هذا الموقع سيخفض من تكلفة الغاز، ما دام الخواص لن يكونوا مضطرين لأداء تكلفة النقل الذي كان سيتكلف به المكتب الوطني للكهرباء والماء لو أقيم المشروع في مناطق أخرى. ويقول مصدر مقرب من المكتب إن هذا الأخير "اضطر للتنازل بخصوص موقع الجرف الأصفر، لأنه يقر بمصالح القطاع الخاص الذي التحق بالمشروع، وعليه التكيف مع هذا القطاع المهم في سلسلة إنتاج الكهرباء".
العدو الأفضل
يرى خبراء "صندوق الاستشارة في البنى التحتية" أنه "بالنسبة إلى المغرب، سيكون استيراد الغاز من الجزائر أقل تكلفة بكثير من اللجوء إلى الغاز الطبيعي السائل". واليوم يؤكد خبير مغربي هذا الأمر بالقول "جل الدراسات تخلص إلى أن أفضل خيار بالنسبة للمغرب هو استيراد الغاز الجزائري". ولكن هذا الخيار غير مأمون بالنسبة للدولة. ويقول مقاول في قطاع المحروقات "هناك آلة اسمها الجزائر لا تفهم جيدا واقع الأمور. ولا يمكن أن نراهن باقتصادنا وتطورنا ونضعهما بين يدي بلاد لنا معها علاقة متوترة على الدوام".
الحل الأمثل استيراد الغاز الجزائري لكن لا يمكن أن تضع أمننا بين يدي الجزائريين
من سيؤدي الفاتورة الثقيلة؟
لا شك أن المكتب الوطني للكهرباء والماء يفضل الغاز على الفحم – رغم انخفاض تكلفة الأخير لإنتاج الكهرباء- ولكن فاتورة المشروغ الغازي تبعث حقا على الدوار. ويعتقد خبير فرنسي أن الـ45 مليار درهم الضرورية لإقامة المشروع لن تأتي سوى من تجمع من الخواص وليس من الدولة طبعا.
وقد جذب طلب لإبداء الاهتمام، كان المغرب قد تقدم به قبل عامين، 93 مقاولة من بينها 7 مقاولات مغربية مثل "جاكوبس" (فرع المكتب الشريف للفوسفاط)، أفريقيا غاز، ناريفا، وفيبار (أحد فروع صندوق الإيداع والتدبير)، حسب ما ذكر موقع "Medias 24". وكتب الموقع بنبرة تفاؤلية أن المشروع أثارا "اهتماما غير مسبوق، على الأرجح بسبب أهميته، ومصداقيته، وكذا حملة التواصل الناجحة ". ولكن هذا الاهتمام جاء بالخصوص لأن الضمانات تتحملها الدولة وإن كان الخواص هم الذين سيتكلفون بالاستثمار. ويقول خبير في الطاقة "لن يوقع أي تجمع دون الحصول على ضمانات قوية من الدولة.. والحال أن هذه الكهرباء يحتاجها المغاربة كثيرا، وسيؤدون تكلفتها".
والواقع أن طبيعة هذه العقود، التي يكون فيها الطلب صادر عن الدولة وحدها، تضع على كاهل هذه الأخيرة الكثير من الإكراهات. ويوضح خبير قانوني له دراية عميقة بمثل هذه العقود "الدولة تتحمل لوحدها كل الأخطار، تقلبات الصرف، التضخم، التقلبات السياسية... المستثمر الخاص لا يخسر أي شيء. وهي عقود طويلة الأمد تصل إلى 25 سنة... لا يهم ما قد يحدث، على الدولة أن تؤدي والسلام".
إنها إكراهات ثقيلة جدا، وميزانية ضخمة دفعت العديد من الأصوات إلى دعوة المغرب إلى إعادة النظر في حجم المشروع برمته. وقد أبدت عدة مؤسسات مالية دولية "تحفظها على التصور الحالي للمشروع، لأنها تمول مشاريع مماثلة"، حسب مصدر قريب من هذه المؤسسات. ويستحسن بالتالي التفكير في مشروع يتضمن إكراهات أقل، ولكنه سينهض بالوظائف نفسها. ويوصي العديد من الخبراء باعتماد "وحدات التخزين والتحويل العائمة" كحل بديل.
إكراهات ثقيلة جدا، وميزانية ضخمة دفعت العديد من الأصوات إلى دعوة المغرب إلى إعادة النظر في حجم المشروع برمته
وتعتمد هذه الوحدات التي تم تطويرها في 2001، على سفينة ذات ميزات خاصة قادرة على نقل وتخزين وتحويل الغاز الطبيعي السائل. وحسب دراسة لجامعة أوكسفورد في يوليوز 2017، توجد حاليا في العالم 23 وحدة للتخزين والتحويل، بكل من البرازيل ومصر والأردن والولايات المتحدة والصين...
والأهم أن الاستثمار في وحدة من هذه الوحدات يقل بـ50 إلى 60% عن تكلفة مرفأ تقليدي ويمكن أن تكون جاهزة في نصف الوقت الذي يحتاجه ذلك المرفأ.
عن "تيل كيل" بتصرف