حاورها أحمد مدياني/موريتانيا - الأربعاء 3 يناير 2024
الدكتورة تربه عمّار، رئيسة جمعية الأطر الموريتانيين خريجي الجامعات والمعاهد والمدارس المغربية. واحدة من النساء الموريتانيات اللاتي يقدن نهضة في "بلاد المرابطين". ترأس جمعية تضم 70 في المائة من كوادر الدولة في مختلف المناصب والمسؤوليات والكفاءات العلمية والأدبية والثقافية والاقتصادية.
في هذا الحوار الذي أجراه "تيلكيل عربي" مع إحدى خريجات الجامعات المغربية. تم التطرق كما جاء على لسانها بوضوح لخلفيات تأسيس الجمعية ومآلها، برنامجها واكراهاتها.
كما أجابت الدكتورة تربه عمّار عن ما تحتاجه العلاقات بين نواكشط والرباط في هذا الجانب، لتجاوز "شبه قطيعة" بين روابط لا يمكن فصلها ما بين هنا وهناك.
جمعية تمثل اليوم في موريتانيا رؤساء ووزراء ومسؤولين ومستشارين سامين وكفاءات علمية وطنية ودولية.
*أنا اليوم ضيف بمقر جمعية الأطر الموريتانيين خريجي الجامعات والمعاهد والمدارس المغربية، هنا عاصمة موريتانيا نواكشط.
نحن أول مؤسسة إعلامية مغربية تزوركم هنا وتحاوركم. أولا كيف جاءت فكرة تأسيس هذه الجمعية؟
أكيد يُحسب لكم السبق. وشكرا لك لأنك فكرت في أن تكون معنا، وأهلا بك في وطنك الثاني وبلدك الثاني.
جمعية خريجي الجامعات والمعاهد والمدارس المغربية فكرة أصلا قديمة، كانت حاضرة عندنا منذ سنوات.
استطعنا نحن مجموعة من الأطر يوم 20 يناير 2020 إخراجها إلى أرض الواقع، وشرعنا في القيام بالخطوات القانونية، بعدما أعددنا القانون الداخلي والأساس وقدمنا الملف إلى وزارة الداخلية.
يوم 05 أكتوبر 2020 توصلنا بالترخيص. للأسف أعاقتنا جائحة "كوفيد" للإعلان عن ميلاد الجمعية، وأجلنا الموعد حتى يوم 19 دجنبر 2021.
ويوم الإعلان وقمنا حفلا بهيجا، حضرته جميع الأجيال التي تخرجت من المغرب.
*كل الأجيال التي تخرجت من المغرب. كم عددهم؟ وماذا يمثلن ويمثلون داخل المجتمع الموريتاني؟
حوالي 70 في المائة من أطر موريتانيا داخل الدولة وخارجها تخرجوا من المغرب.
أي أن نصف قرن من الزمن، المغرب تمد بلدنا بالكوادر من أبنائنا اللاتي والذين ذهبن ويذهبوا إلى المملكة، ووجدن ووجدوا صدورا رحبة وأبوابا مفتوحة، بالإضافة إلى التسهيلات ليتخرجن ويتخرجوا من جميع تخصصات.
من هم أبرز هؤلاء؟
ثلاثة رؤساء لدولة موريتانيا تخرجوا جميعهم من الأكاديمية العسكرية بمكناس وهم على التوالي إعلي ولد محمد فال، محمد ولد عبد العزيز ومحمد ولد الشيخ محمد أحمد ولد الغزواني.
إضافة إلى ثلاثة وزراء أولين... والعشرات من الوزراء والمستشارين والأساتذة والعلماء والأدباء والمثقفين...
في جمعيتنا نحن نمثل جميع الأجيال وكل فئات المجتمع الموريتاني. معنا من تخرجوا منذ ثمانينيات القرن الماضي، ومعنا أيضا حتى من تخرجوا من المدرسة الوطنية للإدارة بالرباط في السبعينيات، وأصبحوا حكام وولاة إلى آخره.
*هل حضرت معكم تمثيلية رسمية من المغرب لحظة إعلان التأسيس؟
نعم. استدعينا السفارة المغربية في نواكشوط إلى حفل التأسيس.
وهنا يجب التأكيد على أنه خلال الحفل حضر مسؤولون سامون من الدولة عندنا ومسؤولين ومستشارين، منهم رئيس جهة نواكشوط، ومكلف بمهمة بوزارة الثقافة، والخارجية، والمكلف بالمنح والتسجيل بالتعليم العالي.
كان الحفل بهيجا. قدمنا خلاله مشروعنا.
هذا المشروع هدفه الأول هو ربط صلة الوصل بين هذه الأجيال خدمة للوطن.
والنقطة الثانية من حيث الأهمية، هي تعزيز المشترك الثقافي بين موريتانيا والمغرب وتقديم صورة ناصعة عن هذه التجربة التي خاضتها هذه الأجيال في جامعات ومؤسسات التعليم العالي بالمغرب.
*هنا وجب طرح السؤال عن مدى استقلاليتكم تجاه المغرب ومؤسساته الرسمية؟!
الجواب عن سؤالكم، سوف ألخصه بعبارة وهي: كما لمحتم لذلك علاقتنا بالمغرب رسميا، هي أننا نحن من أسسن وأسسوا الجمعية انتهت علاقتنا الرسمية بتسلم شهاداتنا العليا.
ما نحتفظ به تجاه المملكة، أنها عاملتنا بكل أريحية وبكل حب واحترام خلال سنوات الدارسة الجامعية، وذلك في إطار مؤسساتي واضح عبر الوكالة المغربية للتعاون الدولي، وهي مؤسسة تعتبر الحاضنة الأولى لهؤلاء الخريجين.
الوكالة سهلت لنا التسجيل فى جميع التخصصات، في العلوم والهندسة والأدب والطب والإدارة.
نحن الآن نمثل جميع قطاعات الدولة. وهذه الجمعية بكل هيئاتها بمن فيها المكتب التنفيذي والمجلس الأعلى والمجلس العلمي كلهم أطر يشتغلون باستقلالية، وما يربطهم بالمغرب هو التحصيل الجامعي الذي استفادوا منه داخل مؤسساته العليا.
*بالحديث عن قيادة الجمعية، أي أعضاء المكتب التنفيذي وباق أجهزتها. أين يشتغلون وما هي مجالات تخصصاتهم؟
المكتب التنفيذي يتألف من 21 عضوا.
من بينهم أساتذة جامعيون ومكلفون بمهام في الوزارات، هناك مكلف بمهمة بوزارة التعليم العالي، ومكلف بمهمة بوزارة المياه والطاقة، ومكلف بمهمة بوزارة البيئة، ومكلف بمهمة بوزارة الصحة، إلى آخره، هناك مدراء مؤسسات كبرى في البلد، هذا بالنسبة للمكتب التنفيذي.
رئيس المجلس الأعلى شخصية سامية قديمة من خريجي الثمانينيات، هو أستاذ جامعي وهو حاليا مكلف بمهمة في وزارة التعليم العالي، ونائبته من الجيل القديم، وهي أول امرأة موريتانيا حصلت على الدكتوراه من جامعة محمد الخامس، وحاليا هي أستاذة الأدب العربي بجامعة نواكشوط.
بعض الأعضاء، أحدهم إطار في الصندوق الوطني للتأمين الصحي، وآخر إطار مستشار وزير المالية، ومن بين أعضاء الجمعية مديرة قناة تلفزية مستقلة، وأحدهم كان رئيس شعبة في المعهد العالي للدراسات الإسلامية... إلى آخره.
بالنسبة للمجلس العلمي للجمعية، رئيسه حاليا هو مدير المدرسة العليا للتعليم، وكان عميد سابق، وكان عضوا في "جائزة شنقيط"، نائبته شاعرة معروفة من طليعة النساء الشاعرات وهي أستاذة في المدرسة العليا للتعليم، كما أنها كانت أستاذة سابقة من المدينة المنورة بالسعودية ولها مؤلفات عديدة وهي معروفة.
والنائب الثاني أيضا مستشار وزير الوظيفة العمومية، الأعضاء الآخرين أحدهم أستاذ الرياضيات المطبقة.
إذن نحن لدينا خليط من تخصصات، عضو من الأعضاء أستاذ الرياضيات المطبقة في المملكة العربية السعودية، الآخر أستاذ مقارنة الأديان في جامعة بقطر، والآخر أستاذ في كلية الآداب، والآخر مدير جريدة "التحرير صحيفة الشعب" وهي جريدة رسمية في موريتانيا.
*من خلال ما ذكرتم دكتوره جمعيتكم تضم النخبة في موريتانيا.
نفتخر أننا في هذا العام حصل أحد أعضاء المكتب التنفيذي على جائزة لقاء مجهوده العلمي في طرح نظرية جديدة في رياضيات المطبقة.
فاز "بجائزة شنقيط" منفردا، واحتفلنا به. حاليا يقيم بالسعودية، وللإشارة هو خريج جامعة "مولاي إسماعيل" بمكناس. تابع دراسته العليا بالمغرب من الإجازة إلى الماستر والدكتوراه، هو شخصية علمية قدم نظريته، وحصل على الجائزة الأولى التي يقدمها رئيس الجمهورية.
أحد أعضاء الجمعية العمومية حصل أيضا على "جائزة شنقيط" عن دراسات الإسلامية في السنة الماضية وإحدى أعضاء مجلس الجمعية العمومية حصلت على "جائزة شنقيط" في الآداب والتاريخ، وعضو آخر حصل على "جائزة الشارقة" بالإمارات العربية المتحدة في أحسن بحث علمي.
إذن نحن مجموعة من الكوادر العلمية لها عطاءاتها.
*تحدثم عن هيئات كثيرة تكون الجمعية. ما هي بالضبط؟
بالنسبة لهذه الهيئات العليا. هناك المكتب التنفيذي ويتألف من 21 عضوا، والمجلس الأعلى يتألف من 11 عضوا، والمجلس العلمي يتألف من 9 أعضاء.
وهناك الجمعية العمومية وتضم المنتسبين للجمعية الذين لا يشغلون مناصب قيادية، ولكنهم أعضاء ينتخبون ولهم رأيهم، نستدعيهم في الجمعية العامة ولهم اشتراكاتهم السنوية.
الانتساب للجمعية يتم عبر طلب الإنخراط فيها وآداء واجباته السنوية.
للإشارة فتحنا الانتساب شهر أكتوبر من العام الماضي، وكان الإقبال كبيرا جدا من طرف الشباب، وهناك حضور للأجيال القديمة، إلى حد أننا قررنا إغلاق الإنتساب يوم 31 دجنبر 2023، لكي نجد من الوقت لنرتب الطلبات الكثيرة رغم أن هناك أخرى تنتظر لم نقبلها بعد لدراستها.
*هل تشتغل الجمعية وفق برنامج سنوي؟
حاليا عندنا برنامج سنوي اشتغلنا عليه. ننظم في كل شهر ندوتين علميتين مركزيتين، كما عقدنا عدة ندوات أخرى.
مؤخرا استضفنا أبو العباس إبراهام، أحد الأعضاء في المجلس العلمي، وهو من الشخصيات العلمية مقيم في الولايات المتحدة الأمريكية خريج جامعات المغرب، استدعيناه الأسبوع الماضي، قبل زيارتك لنا، وقدّم لنا محاضرة عن إشكاليات علمية في المجتمع الموريتاني.
لدينا في البرنامج المقبل، تنظيم حفل تأسيس الجمعية، ولدينا يوم 17 فبراير 2024 وهو ذكرى تأسيس وحدة المغرب العربي، ندوة بعنوان "مدينة مراكش ودورها في الوحدة المغاربية".
نحن نعتبر أن مدينة مراكش لها ثقلها الحضاري في المنطقة المغاربية.
وفي مارس المقبل لنا ندوة حول إسهامات المرأة الموريتانية والمغربية في الأدب والإعلام والاقتصاد.
كما وضعنا لشهر رمضان المقبل، برنامجا خاصا، يتخلله إفطار لجميع الأعضاء سوف نستدعي خلالها السفارة المغربية في موريتانيا، وبعض الشخصيات الرسمية.
كما أنه لدينا ندوات عن المديح النبوي ودور المملكة المغربية قديما فيه من عهد المرينيين، لأنها كانت الدولة الأولى في المنطقة التي تخلد ذكرى المولد النبوي، وتأثرت حواضر الغرب الإسلامي بكاملها بما قام به المرينيون.
لدينا أيضا ندوة عن عبد السلام بن مشيش، وهو شخصية المغاربة التي كان لها صيتها، ومدرستها الروحية لها دور كبير، سنقدم عنها أيضا محاضرة في رمضان، ولنا في ختام السنة ندوات تعالج إشكاليات الإطار الموريتاني الذي تخرج من المغرب، كيف أسهم في بناء الوطن، وهذا الجانب مهم جدا.
*من خلال تفاعلكم دكتوره تتحدثون عن قنوات ربط مع المغرب تتجاوز الحاضر.
لا يمكن أن نقفز على أن ثلاثة رؤساء لموريتانيا تخرجوا من الأكاديميات المغربية، وثلاثة رؤساء للوزارة الأولى أيضا تخرجوا من الجامعة المغربية، وأكثر من خمسين في المائة من أستاذات وأساتذة الجامعة تخرجن وتخرجوا من المغرب. وأكثر من 70 في المائة من كوادر الوطن عندنا نتاج التعليم العالي المغربي.
إذن نحن هنا نواصل مشوارنا لكي نرد الجميل للمملكة المغربية بالتعريف بما قدمت لنا وبما ساهمت فيه.
*خلال الحديث معكم ومع قيادات الجمعية على هامش هذا الحوار، تفكرون في الاشتغال مع الأجيال القادمة التي سوف تتخرج من المغرب. ما هي الأمور التي تفكرون لأجلهم؟
لدينا برنامج طموح جدا، وهذا البرنامج تعيقه بعض الإشكاليات. وخاصة الجوانب اللوجيستيكية.
هنا نعتمد بالأساس على اشتراكاتنا الشهرية، ولا نطلب العون ولا الدعم من أي جهة رسمية في موريتانيا أو خارجها، ولا يمكن لأي جهة القول إن جمعيتنا بعثت لها رسالة تطلب العون.
نحن مجموعة من الأطر نشتغل في مؤسسات عليا إلى آخره، ندفع اشتراكات شهرية نؤمن بها المقر العام حيث نجلس الآن وجميع مصاريفه.
الإكراه الذي نواجهه هو تنزيل طموح التواصل مع الطلاب الذين يواصلون دراستهم العليا بالمغرب، بعضهم انتسب لنا من الذين حصلوا على الإجازة والماستر، ومن يواصلون الدكتوراه. نحن نشترط للانتساب إلينا أن يقدم لنا المنتسب شهادة عليا أخذها ما بعد البكالوريا من المملكة المغربية، لا يكفي التسجيل فقط.
لدينا تنسيق مع أمناء وفروع اتحادات الطلاب الموريتانيين في المملكة المغربية.
الإكراه الذي نتحدث عنه هو أننا نبحث منذ مدة عن فتح مقر بالرباط العاصمة، ويكون هذا المكتب من أجل الربط ما بين الطلاب الموريتانيين والجمعية.
كما نتطلع لعقد ندوة مشتركة أو تحسيسة بدور هذه الجمعية بالمغرب.
لدينا طموح آخر، وهو محاولة الربط ما بين جميع الأطر الذين تخرجوا من المملكة المغربية، مثلا في تونس ومصر والعراق وفلسطين وليبيا ودول جنوب الصحراء أيضا دول الشرق الأوسط وشرق آسيا... درست مع عدد منهم، ولازلنا نتواصل إلى اليوم، يحملون احتراما كبيرا للمغرب ومؤسساته، ويجب العمل على التشبيك في هذا الجانب للم شمل من تخرجن وتخرجوا تكون هناك اتصال في ما بيننا، وهذا يفتح باب التشبيك.
*ما هي الحاجيات التي يمكن أن توفر لكم داخل المغرب لتنجحوا هذا البرنامج؟
أعتقد أن أول خطوة يجب علينا هي أن نتواصل مع مدير الوكالة المغربية للتعاون الدولي، لأن مديرها على دراية كاملة بما هو عدد الطلاب الأجانب في الجامعات المغربية.
لا يوجد طالب أجنبي إلا ومر من الوكالة المغربية، ونحن بالمناسبة نشكرها وندين لها بالجميل، ونعتبر هذه أن هذه الجمعية لو لم تكن الوكالة لما كانت، والأساسي عندنا أن تكون لنا قناة مباشرة للتواصل معها.
زرت المملكة المغربية مؤخرا وقضيت شهرين وعشرة أيام فيها، ولكن لم يتح لي التواصل الوكالة المغربية للتعاون الدولي.
*أكيد أنكم تابعتم مؤخرا مبادرات ملك المغرب تجاه إفريقيا وأبرزها ما جاء في خطابه الأخير عن فتح منفذ للمحيط تجاه دول غرب إفريقيا.
أولا وجب التأكيد على أنه لدينا احترام واعتراف وحب وتقدير ومودة بالنسبة للمغرب.
سوف ألخص لكم الموقف بالقول، إن المغرب يمتلك شعبا يمتاز بثقافة الكرم. وهذا الكرم أصيل ومتأصل في كل بيت مغربي، يكفي أننا لم نشعر بالغربة نهائيا حين دراستنا في المغرب.
أي أنا كل ما يصدر عن المغرب قيادة وشعبا نابع من جدور دولة ممتدة لقرون ولها روابط قوية بإفريقيا.
*هل تلمسون تقصيرا من الإعلام المغربي تجاه كل ما هو مرتبط بموريتانيا؟ مثلا أعترف أنني سمعت عن جمعيتكم حين زرتكم هنا
بالنسبة للجانب التحسيسي والجانب الإعلامي. نسعى في هذه الجمعية أن نسد ذلك النقص. وأن يكون حضورنا أقوى في المغرب.
وهذا الحضور طبعا بالنسبة لنا مهم، ولا ننسى الدور الكبير الذي تقوم به سفارة المملكة المغربية بنواكشوط وعلى رأسها السيد السفير حميد شبار، فهو شخصية دبلوماسية محترمة له دراية وله حنكة سياسية ومعرفة جيدة جدا بالمحيط الذي يشتغل فيه، ونحن في الجمعية ندين له بالجميل.
بالنسبة لما هو ملاحظ من نقص في الاهتمام الإعلامي سوف أتحدث عن الجمعية فقط. لم تجد صداها في المغرب، نعم، أعتقد أننا نحن من نتحمل الجزء الأكبر من المسؤولية وسوف نعمل بمساعدتكم أكيد وبحضور أطرنا وطلبتنا في المملكة على تجاوز هذا الوضع.