رحب القادة العرب، في مستهل قمة جامعة الدول العربية، في مدينة جدة في السعودية، بالرئيس السوري، بشار الأسد، الذي يشارك، اليوم الجمعة، في القمة العربية، للمرة الأولى، منذ 13 عاما.
وبدون إعلان مسبق، حضر الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينكسي، القمة، أيضا، فسرق الأضواء لبعض الوقت من الأسد، الحليف المقر ب من موسكو، التي تشن حربا على أوكرانيا، منذ العام الماضي.
ورحب ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز، الذي تتولى بلاده الرئاسة الدورية للجامعة العربية، في مستهل القمة، بعودة الأسد، وقال: "يسرنا اليوم، حضور الرئيس بشار الأسد لهذه القمة، وصدور قرار جامعة الدول العربية، بشأن استئناف مشاركة وفود الحكومة السورية في اجتماعات مجلس جامعة الدول العربية".
وأضاف: "نأمل أن يسهم ذلك في دعم استقرار سوريا، وعودة الأمور إلى طبيعتها".
وأكد الأمين العام لجامعة الدول العربية، أحمد أبو الغيط، في كلمته، أن "ثمة فرصة لا ينبغي تفويتها لمعالجة الأزمة" في سوريا.
وأودى النزاع المستمر في سوريا، منذ العام 2011، بحياة أكثر من نصف مليون شخص، وشرد أكثر من نصف السكان داخل البلاد وخارجها، وحول البلاد إلى ساحة تصفية حسابات بين قوى إقليمية ودولية.
وقطع قادة عرب علاقات بلادهم أو خف ضوها مع الحكومة السورية، على خلفية قسوة النظام السوري في التعاطي مع معارضيه.
وقدمت دول عربية عدة؛ بينها السعودية وقطر، خصوصا في السنوات الأولى للنزاع، دعما للمعارضة السياسية والمسلحة، ودعت إلى ضرورة تغيير النظام في سوريا.
لكن الرياض انفتحت أخيرا على سوريا، وضغطت في اتجاه إعادتها إلى الحضن العربي.
وقال ولي العهد السعودي في كلمته: "يكفينا مع طي صفحة الماضي، تذكر سنوات مؤلمة من الصراعات عاشتها المنطقة، وعانت منها شعوبها، وتعثرت بسببها مسيرة التنمية".
وأعرب الرئيس السوري من جهته، عن أمله في أن يكون الاجتماع "بداية مرحلة جديدة" للعمل العربي المشترك.
وقال في كلمته أمام القمة: "أتمنى أن تشكل بداية مرحلة جديدة للعمل العربي للتضامن في ما بيننا للسلام في منطقتنا والتنمية والازدهار، بدلا من الحرب والدمار".
ووصل الأسد، مساء أمس الخميس، إلى جدة، علما أن قمة سرت في ليبيا، في مارس 2010، كانت آخر قمة حضرها.
وقبل بدء أعمال القمة، اليوم الجمعة، التقى الأسد نظيره التونسي، قيس سعيد، وبحث معه "العلاقات الثنائية"، وعقد لقاء آخر مع الشيخ منصور بن زايد آل نهيان، نائب رئيس دولة الإمارات، الذي يترأس وفد بلاده إلى القمة، وفق ما ذكرت وكالة الأنباء السورية الحكومية "سانا".
وقبل الدخول إلى قاعة الاجتماعات، صافح الأسد أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، وفق "سانا".
وأعلنت قطر أنها لن تطبع العلاقات مع حكومة دمشق، لكنها أشارت إلى أنها لن تكون "عائقا" أمام الخطوة التي اتخذتها الجامعة العربية.
من جهة أخرى، استقطب وصول زيلينسكي المفاجىء إلى جدة الانتباه، في محطة قبل أن يتوجه إلى اليابان؛ حيث سيشارك أيضا في قمة مجموعة السبع المنعقدة في هيروشيما، وهي الزيارة الأولى له إلى المنطقة، منذ بدء الغزو الروسي لبلاده، قبل أكثر من سنة.
وتدخلت روسيا عسكريا في النزاع السوري، لاسيما من خلال القصف الجوي، وكان لتدخلها الدور الحاسم في استعادة القوات السورية الحكومية مساحة واسعة من الأراضي، التي كانت خسرتها في بداية الحرب، على أيدي الفصائل المعارضة.
واتهم الرئيس الأوكراني، في خطاب ألقاه، خلال القمة، زعماء عرب بـ"غض الطرف" عن تصرفات روسيا في بلده، مطالبا بموقف موحد "لإنقاذ الناس" من السجون الروسية.
وقال زيلينكسي، الذي كان يرتدي بزته الزيتية المعتادة: "للأسف، هناك البعض في العالم، وبينكم هنا، يغضون الطرف عن (...) السجون والضم غير القانوني" للأراضي الاوكرانية، مضيفا "أنا متأكد من أننا يمكن أن نتحد جميعا في إنقاذ الناس من أقفاص السجون الروسية".
ويبقى موقف قادة الدول العربية ضبابيا وغير موحد من الحرب في أوكرانيا، بخلاف الأوروبيين والأمريكيين.
ووصل زيلينسكي إلى جدة، قبل وقت قصير من بدء أعمال القمة، على متن طائرة فرنسية، وفق ما أعلن السفير الفرنسي لدى السعودية.
وخلال اجتماع ثنائي، على هامش زيارته غير المسبوقة إلى السعودية، شكر زيلينسكي ولي العهد السعودي على "دعمه لوحدة أراضي" أوكرانيا.
وقال مسؤول في جامعة الدول العربية لوكالة "فرانس برس" إن حضور زيلينسكي جاء "بدعوة من السعودية، وليس من الجامعة العربية". ولم يرد مسؤولون سعوديون فورا على طلبات وكالة "فرانس برس" التعليق.
وأفاد مسؤول سعودي لوكالة "فرانس برس" بأن ممثلا عن السفارة الروسية حاضر أيضا، في القمة العربية.
وتقدم الرياض نفسها على أنها محايدة في الملف الأوكراني، مشيرة إلى ما تصفه بمنافع الحفاظ على العلاقات مع كل من موسكو وكييف.
وصوتت السعودية لصالح قرارات مجلس الأمن المنددة بالغزو الروسي وضم موسكو مناطق في شرق أوكرانيا. لكنها في الوقت نفسه، واصلت التنسيق، بشكل وثيق، مع روسيا، حول السياسات النفطية، بما في ذلك قرار خفض الإنتاج، الذي اتخذ، في أكتوبر، مع محاولة الإبقاء على علاقات وثيقة مع الولايات المتحدة، شريك المملكة الأمني، منذ عقود.
وانتقدت واشنطن الرياض، معتبرة أنها قدمت "دعما اقتصاديا"، وكذلك "معنويا وعسكريا"، لروسيا.
وإضافة إلى تطبيع العلاقات مع دمشق، تتصدر جدول أعمال القمة أزمتان رئيسيتان؛ هما النزاع المستمر، منذ شهر، في السودان، والنزاع المتواصل في اليمن، منذ أكثر من ثماني سنوات.
وتنعقد القمة العربية وسط جهود حثيثة من السعودية لتعزيز موقعها الدبلوماسي في الشرق الأوسط وخارجه، وبعد تطبيع علاقاتها مع إيران، بوساطة صينية، في مارس، إثر قطيعة.