يجلسُ فوق سياج حديدي، يحمل دفترا، لونه أخضر، يرافقه ابنه الحريص على دراسته، يوزع نظره بين ما يدونه في مذكرته، ومراقبة زوار الفضاء الخاص فيه ثمانية أبقار ذات لون أحمر غامق، مع قرون بارزة.
ويرى كل من يقترب من هذا الفضاء الخاص في رواق المواشي بالمعرض الدولي للفلاحة، يرفعُ هاتفه لتوثيق سلالة تسرُ الناظرين اللذين يتفاجؤون حينما يقرؤون على لافتة مكتوب عليها "سلالة اولماس"، كأنه يقول لهم هذه السلالة التي أحب.
مقاومة الانقراض
حيمي حسن، كساب، من واد اولماس، التابعة لإقليم الخميسات، مشارك في المعرض الدولي للفلاحة بمكناس، خاطب "تيلكيل عربي" قائلا: "سلالة اولماس، (ما بقاتش بزاف)، وأصبحت قليلة، ولأننا نحبها (تنضربو معاها تمارة)".
رغم الصعوبات، طبع كلامه التفاؤل والتحدي، إذ أعلن: "نصبرو على التكاليف وتمارة، ونموتو على ود هاذ السلالة، غا نتقاتلو حتى افرج الله".
حينها دخل الحماني حبيبي، كساب، من جماعة بوقشمير، جماعة اولماس، إقليم الخميسات، على الحوار، مؤكدا: "هذه السلالة ليست ناتجة عن تلقيح اصطناعي أو غيره، لونها أحمر، ولديها قرون".
وأورد المتحدث ذاته، أن "هذه السلالة تُربى في ثلاث جماعات، اولماس، وآيت ايشو، وبوقشمير، وأسسنا فيدرالية بيننا، ونقوم بمسابقة سنوية، للحفاظ على هذه السلالة، وتم التعرف عليها سنة 1912، ورثناها عن أجدادنا".
وبدون سابق تمهيد، أوضح الحماني حبيبي، في كلمة مختصرة كأنها صرخة تحذير وتنبيه، "إذا لم تكن عناية بالفلاح، (غا تمشي تنقرض) هذه السلالة".
الجودة عالية
وأبرز الكساب حيمي حسن، الذي حدثنا أولا، أن "المنطقة التي ننحدر منها جبلية، ولا يمكن لبقر آخر أن يصبر في تلك المنطقة إلا هذه السلالة التي لا تتأثر بالبرد والحر، وأي مكان يمكن أن تعيش فيه هذه السلالة، وهذه نقطة قوة عندها، وحينما يكون الثلج نطلقها فتذهب إلى الغابة لترعى".
في نفس السياق، أورد الكساب الثاني، الحماني حبيبي، أن "هذه السلالة لا تعطي الكمية الكبيرة في الحليب، ولا تقدمه إلا موسميا، مع نهاية فصل الربيع ينتهي الحليب، ولكن جودته عالية جدا، وليس فيها أي حدبة مثل العجول البرازيلية".
ومن فوق السياج الحديدي، أضاف حيمي حسن، أن "ما تراه أبقار مغربية، وأصلها من اولماس، ولحمها ذو جودة، ويأكل من أعشاب الغابة، لذلك (ما تيهزوش اللحم بزاف)، ولحمه (بنين)، وما تيضرش".
بعدما طرحت "تيلكيل عربي"، قضية عجول البرازيل، انتفض لكي يحسم الموضوع من نهايته، "لن نسمح في هذه السلالة مقابل عجول البرازيل".
حول تصديرها إلى الخارج، أبرز المتحدث ذاته، أنه "لن نكذب عليك، لا تصدر إلى الخارج، وسنحاول القيام بذلك، مستقبلا".
عيد الأضحى
وأفاد الكساب الثاني، أن "السلالة المغربية الأصيلة اولماس، مطلوبة في عيد الأضحى وغيره، لأن لحمها ليس فيه الكالسيوم، لأنه نقدم لها الشعير والخرطال ونطلقها للرعي، ساكنة من الدار البيضاء، والجديدة، ومراكش، يأتون إلى اولماس من أجل اقتنائها لعيد الأضحى".
واسترسل قائلا: "أنا (كساب) حينما أخذ 50 ضروبه - البقر التي انفصل عن أمه بعد أن شارفت البلوغ -، إلى الدار البيضاء أبيعها كلها في عيد الأضحى، والعام الآخر نجد أن الإقبال تضاعف".
وأكد أن "سمن هذه السلالة مطلوب، وحاليا في المعرض، أشخاص كثر سألونا عنها".
التكاليف بين التساقطات والجفاف
وحول التكاليف، أوضح الكساب الحماني حبيبي، "حين وجود التساقطات المطرية تكون التكلفة قليلة أو منعدمة، ولكن حين تكون سنة جافة مثل هذه السنة، تصبح المصاريف مرتفعة، والعلف الذي نقدمه الشعير والنخالة (ذاكشي بيو)، ويكملون تغذيتهم في الغابة، إذا كان الجفاف نلجأ للعلف".
ووجه نداء إلى الحكومة ووزارة الفلاحة لكي تهتم لحالة "الكسابة" في المغرب، إذا أرادوا عدم تفاقم الهجرة من القرى إلى المدينة، وما نراه في المعرض الدولي للفلاحة أتى به أهل البادية، لذلك يجب الاعتناء بهم".
وشدّد على أن "الماء الصالح للشرب (مكاينش)، قد أستطيع أن أحضر ما سيشربه أولادي، ولكن "الكسيبة" من أين؟ وإذا ذهب (الكساب) والفلاح (مشا) المغرب".
زميله في المهنة وحب السلالة، له رأي آخر، حيمي حسن، صاحب المذكرة الخضراء، ذكر قائلا: "نريد بقاء هذه السلالة، حينما رأيت الزوار للمعرض فرحت، المغرب (زوين، وخا تنسمعو هك وهك)، رغم أن السنة صعبة، موجود دائما الخير، وما نطلبه القليل من المساعدة".
محمد فقيري، الكساب الثالث، بدوره مشارك في المعرض، ولديه هذه السلالة، نبه إلى أن "القضية (قاصحة علينا بزاف)، خصوصا مع سنة الجفاف، لا يوجد شعير أو خرطال أو تبن، ونساعد فقط بالعلف، ولكن (فين الفلوس ما عندنا تاريال)".
وأوضح أن "العلف أصبح ثمنه مرتفعا، مثلا، 100 كيلو من العلف بـ 500 درهما، كان قبل 250 درهما، العجل يأكل نصفه صباحا، والباقي مساء، والماء لم يعد للماشية، والنخال كنا نشتريه بـ 150 درهم للقنطار، وحاليا 400 درهما، هذا دون احتساب مصاريف النقل".
أهم سلالات الأبقار المغربية المحلية
ويشار إلى وزير الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات، محمد صديقي، ترأس يوم الخميس 21 يوليوز 2022، بجماعة اولماس بإقليم الخميسات، حفل إطلاق نسخة 2022 من المباراة الوطنية لسلالة الأبقار " اولماس زعير".
وحسب بلاغ صحفي، في ذلك الوقت، أن "هذه المباراة تندرج في إطار برنامج تنمية سلالة الأبقار "اولماس زعير" والحفاظ عليها، وهي موضوع اتفاقية موقعة بتاريخ 21 ماي 2021 بين وزارة الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات والفدرالية المغربية لمربي أبقار سلالة اولماس زعير".
وذكرت أنه "تم التعرف على سلالة أبقار اولماس زعير سنة 1912 بمرتفعات اولماس وزعير. وتعتبر هذه السلالة واحدة من أهم سلالات الأبقار المغربية المحلية المعروفة بقوتها على التأقلم وجودة منتجاتها، خاصة جودة لحومها والتي تحظى باهتمام كبير من قبل المستهلكين، وهي حاليا في طور الترميز".
على هامش المباراة، وفق نفس المصدر ذاته، "قام الوزير بتسليم المعدات التقنية واللوجيستيكية لرئيس الفدرالية المغربية لمربي أبقار سلالة اولماس زعير، لتغطية حاجيات عمل الفرق التقنية المعنية بتتبع وتأطير مربي السلالة في إطار برنامج تنمية سلالة أبقار " اولماس زعير" والحفاظ عليها".