قال الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، محمد عبد النباوي، "نشهد اليوم، في هذا اللقاء المبارك، محطة تاريخية أخرى في مسار دعم استقلال السلطة القضائية ببلادنا، تتمثل في الإشراف المباشر لهذه السلطة على مؤسسة تكوين القضاة. وهي بلا شك لبنَة هامة في صرح القضاء المستقل، تتم بإرادة الملك محمد السادس وبمساهمة الحكومة والبرلمان. وهو ما يجسد مرة أخرى هذا النموذج المغربي المتفرد في العالم، حيث تتعاون السلطات لإعلاء صرح هذا الوطن، ويلتحم الشعب وراء ملكه في السراء والضراء، ليضرب للعالم مثالاً في الوحدة والتضامن والانسجام".
وأضاف بمناسبة حفل تسليم السلط بشأن المعهد العالي للقضاء، صباح اليوم الإثنين، إن "تسليم السلط على المعهد العالي للقضاء من وزير العدل إلى الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، ليس مجرد إجراء شكلي، ولكنه قرار سياسي عظيم، أرادت به الدولة المغربية دعم أسس استقلال القضاء، وتمكين السلطة القضائية الناشئة من الأدوات الضرورية لإنجاح الإصلاح العميق والشامل للقضاء، الذي يقوده الملك محمد السادس رئيس المجلس الأعلى للسلطة القضائية ورئيس الدولة بحكمة وأناة وتبصر".
وتابع: "كما إن مساهمة الحكومة والبرلمان في تحقيق هذه الخطوة الرائدة، تدعوني لتقديم الشكر والامتنان للحكومة في شخص وزير العدل الذي اتخذ المبادرة لتقديم مشروع القانون وواكب سيره في مختلف مراحله، وإلى حين نشره بالجريدة الرسمية. وها هو اليوم يشرفنا بتسليم السلط، ويعدنا بمزيد من الدعم. كما أن الشكر واجب للأمين العام للحكومة والوزير المنتدب المكلف بالميزانية اللذين ساهما بفعالية كبيرة في المسار التشريعي للقانون رقم 37.22 المتعلق بالمعهد".
وأورد، "كما أن الشكر والامتنان مستحقان لرئيسي مجلس النواب ومجلس المستشارين وللنواب والمستشارين، وأخص بالذكر رئيسا لجنتي العدل والتشريع بالمجلسين والنواب والمستشارين، الذين ساهموا في تسريع المصادقة البرلمانية على القانون، وأغنوه بالعديد من التعديلات، مما يجعله، على الأقل في هذه المرحلة، نصاً قانونيا قادراً على تطوير المسار التكويني للقضاة والرفع من قدراتهم، ويؤهلهم لفض النزاعات والبت في القضايا، بنظرة أعمق تَنْفُذ لروح النصوص القانونية وتستخرج منها نَفَس العدل والإنصاف".
وأوضح أن "خيار إسناد مهام الإشراف على تكوين القضاة، للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، لم يكن وليد الصدفة، وليس خياراً اعتباطياً، ولكنه نتيجةٌ لحوار جاد ورصين، وتفكير طويل ومتبصر، انتهت إليه توصيات الحوار الوطني لإصلاح منظومة العدالة خلال سَنَتي 2012 و2013. باعتباره مظهراً من مظاهر استقلال السلطة القضائية، وعنصراً ضرورياً لتأهيل الأطر القضائية".
ولفت إلى أنه "إذا كان استشرافُنا لدور طلائعي سيقوم به المعهد العالي للقضاء في الحاضر والمستقبل، يعتبر طموحاً مشروعاً، وتطلعاً قابلاً للتحقيق، بالنظر لما تتوفر عليه السلطة القضائية وإدارة المعهد من كفاءات قادرة على جعل المعهد أداةً فاعلة في صُنعِ كفاءات قضائية ناشئة، وصقلِ مواهب قضائية صاعدة، ودَعمِ تجربة قاماتٍ مهنية راسخة، فإن ذلك كلَّه لا يمكن أن يُنْسِينا ما حققه المعهد خلال 61 سنة من وجوده من منجزات تُعدُّ فخراً للقضاء المغربي، جعلت منه صرحاً قانونياً وحقوقياً مشهوداً له بالجدية والتميُّز على الصعيد الوطني والعربي. وذلك منذ إنشاء معهد تكوين القضاة سنة 1962 بإرادة الملك الحسن الثاني، الذي شرَّف انطلاقة التكوين بحضوره الشخصي رحمة الله، وقد استطاع هذا المعهد الذي انطلق برحاب المشور السعيد أن يُكَوِّنَ عدة مجموعات من القضاة، كانوا دعامة وعماداً للقضاء في المغرب المستقل، وساهموا في تحقيق ما كان لازماً لدعم سيادة الدولة بمغربة القضاء وتعريبه وتوحيده سنة 1965".
وذكر على أنه "ابتداء من سنة 1969 صدر المرسوم رقم 587-69-2 بإنشاء المعهد الوطني للدراسات القضائية، والذي يبدو أنه تنقل بين عدة مقرات من وزارة العدل بساحة المامونية إلى حي المحيط بالرباط، ثم إلى مقره الحالي، الذي نتواجد برحابه اليوم. والذي تحول بدوره إلى المعهد العالي للقضاء سنة 2002، وأصبح مؤسسة عمومية. وقد كان المعهد باختلاف مسمياته المذكورة، جزء من هيكلة وزارة العدل أو تحت وصايتها إلى غاية صدور القانون رقم 37.22 الذي وقع نشره بالجريدة الرسمية بتاريخ 7 شتنبر 2023، والذي نقل الإشراف على المعهد العالي للقضاء إلى السلطة القضائية المحدثة سنة 2017".
وأكد أن "المجلس الأعلى للسلطة القضائية، قد قرر العزم على أن يجعل من المعهد العالي للقضاء، مختبراً لصناعة الجودة والتميُّز. وإنه لن يدخر أي جهد في ذلك. وهو مؤمن بأن الكفاءات القضائية الوطنية ستكون في الموعد لإعطاء دينامية جديدة للقضاء الوطني، تمكنه من كسب رهان الإصلاح الذي يقُوده الملك السادس، وتواكب التطور القانوني والحقوقي لبلادنا في علاقته بالمنظور العالمي لدَوْر العدالة وأهدافها، التي اختزلها الدستور المغربي في فكرتين رئيسيتين هما التطبيق العادل للقانون (الفصل 110)، وحماية الحقوق والحريات (الفصل 117)، لما لهما من تأثير على باقي المطالب والمهام الموكولة للنظام القضائي، سواء فيما يتعلق بحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية، أو حماية الاستثمار واستقطاب الرأسمال، الذي يوفر الثروات ومناصب الشغل، أو بتوفير الأمن القضائي بمفهومه الشامل، الذي يحقق الأمن والاطمئنان داخل المجتمع".