إقيلم الحوز - أحمد مدياني/محمد فرنان
نهتم كثيرا لحظة وقوع الكوارث الطبيعية بتأمين الحاجيات الأساسية الآنية لضحاياها، ونسارع الزمن جميعا لضمان قوت اليوم والغطاء مع الفراش، مع أن مخلفاتها (الكوارث) على المستوى القريب تفوق كسرة خبز ورشفة ماء وحيث يمكن للإنسان أن ينام بأمان.
بمجرد وصول "تيلكيل عربي" الليلة الموالية لوقوع الزلزال الذي ضرب أقاليم الحوز وتارودانت وشيشاوة، لمنطقة أسني، من بين أول ما سأل عنه، حال المؤسسات التعليمية ودور الطالبات والطلبة.
دمار مؤسسات منع الهدر المدرسي
هنا يستقبل مركز أسني المئات من التلميذات والتلاميذ لمتابعة دراستهم بعد مرحلة الإبتدائي، وضع لن يستمر إلى حين، بسبب إنهيار أجزاء من ثلاث مؤسسات توفر الأكل والمبيت لطفلات وأطفال بعيدا عن دواويرهم.
يقول المسؤولون بجمعية "التعليم للجميع" في مركز آسني، إن "الوضع الحالي لدور الطالبات والطلبة لا تسمح بالاستمرار في استقبالهم".
أحدهم صرح مباشرة: "هدشي كلو خاصو يريب ويتعود يتبنى من جديد، مستحيل الترميم".
حال مؤسسات منع الهدر المدرسي بالمنطقة، مشابهة لحال عدد كبير من المدارس التي انهارت أو تضررت جدرانها وأساستها بسبب الزلزال".
حسب بلاغ وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضية الصادر يوم الأحد 10 شتنبر الجاري، "تضرر ما مجموعه 530 مؤسسة تعليمية، و55 داخلية، بدرجات متفاوتة، تتراوح ما بين انهيار، أو شقوق بالغة، وتتركز في أقاليم الحوز، وشيشاوة، وتارودانت".
الخسائر طالت أيضا أرواح أسرة التعليم بالمنطقة، وجاء في البلاغ ذاته أنه "في حصيلة مؤقتة لحدود صباح يوم الأحد 10 شتنبر، سجلت وفاة 07 أساتذة (04 أساتذة و03 أستاذات)، ضمن ضحايا هذه الهزة الأرضية ببلادنا، كما أصيب 39 من الأستاذات والأساتذة بإصابات متفاوتة".
السؤال المطروح الآن، هو: ما مصير آلاف الأطفال الذين استأنفوا دراستهم الأسبوع فارط فقط؟ بل منهم من لم يستأنفها بعد بالأقسام الثانوية الإعدادية والتأهيلية، بسبب تأخر تسجيلهم في الاستفادة من المسكن والأكل بدور الطالبات والطلبة.
عن هذا الوضع، يقول سمير، أحد المسؤولين داخل الجمعية التي تشرف على تدبير هذه المؤسسات بمركز إسني لـ"تيلكيل عربي": "من زهر هذ البنيات والوليدات التسجيل تأخر".
ولأن "داخل كل نقمة نعمة"! من نعم تأخير التسجيل ما عاينه الموقع بعين المكان. جدران وقعت فوق غرف النوم، أساسات طالتها تشققات وتصدعات عميقة، أكوام من التراب فوق فضاءات كانت ستكون مكتضة.
مع كل هذا يجب التفكير سريعا في إيجاد حل لما سوف يضيع من الزمن المدرسي، بعدما أعلنت الوزارة الوصية، عن تعليق الدراسة في الجماعات القروية والدواوير الأكثر تضررا، ابتداء من 11 شتنبر، واستمرارها في المناطق الأخرى.
وعود وزارة التعليم
الوزارة التزمت في بلاغها بـ "اتخاذ جميع الإجراءات اللازمة لمواصلة العملية التعليمية".
وفي هذا الإطار، يضيف البلاغ، "تعمل خلايا الأزمة المحدثة على الصعيد المركزي والجهوي (أكاديمية جهة مراكش آسفي، وأكاديمية جهة سوس ماسة)، والإقليمي (المديريات الإقليمية بهاتين الجهتين)، على حصر الأعداد المرتبطة بالوفيات والإصابات في صفوف أسرة التربية والتكوين، وكذا الأضرار المادية في المؤسسات التعليمية، وإيجاد الصيغ المناسبة لضمان الاستمرارية البيداغوجية، وذلك بانخراط وتعبئة جميع الفاعلين، من أطر تربوية وإدارية، ومديري الأكاديميات والمديريات الإقليمية والمؤسسات التعليمية، وبتنسيق تام مع السلطات العمومية والترابية والمحلية".
وأفاد البلاغ بأنه، "اعتبارا للوضعية المادية لبعض المؤسسات التعليمية في هذه المناطق، والتي تستلزم تدخل الفرق التقنية المختصة، لإجراء دراسة وتقييم شامل، من أجل إما الترميم، أو التأهيل، أو إعادة البناء، وحفاظا على سلامة التلميذات والتلاميذ والأطر الإدارية والتربوية العاملة بها، من جهة، ومن أجل صيانة حق التلميذات والتلاميذ في الاستفادة من زمن التعلمات، تقرر، بتنسيق مع السلطات المحلية، تعليق الدراسة في الجماعات القروية والدواوير الأكثر تضررا، داخل أقاليم الحوز، وشيشاوة، وتارودانت، (وعددها 42 جماعة موزعة بين هذه الأقاليم الثلاث، حسب آخر حصر تم إجراؤه، لحدود الساعة)، مع العمل على إيجاد الصيغ التعليمية واللوجستيكية المحلية المناسبة لضمان الاستمرارية البيداغوجية للتلميذات والتلاميذ المعنيين، خلال الأيام المقبلة، والتي سيتم الإعلان عن تفاصيلها، لاحقا، من طرف الأكاديميات والمديريات الإقليمية والمؤسسات التعليمية المعنية، وذلك مع مواصلة التنسيق مع السلطات المحلية، والتواصل المستمر مع الأمهات والآباء وأولياء الأمور، وباقي المتدخلين".
وفي ما يتعلق بالمؤسسات التعليمية المتضررة في باقي المناطق الأخرى، والتي لن تستطيع استقبال التلميذات والتلاميذ، نظرا للأضرار التي لحقت بها، "فسيتم العمل على إيجاد الصيغ التربوية المناسبة، لضمان الاستمرارية البيداغوجية للتلميذات والتلاميذ، بما في ذلك اللجوء للمؤسسات التعليمية المجاورة، مع ضمان التواصل المستمر مع الأمهات والآباء وأولياء الأمور وباقي المتدخلين"، حسب البلاغ ذاته.
وتابعت الوزارة أنه "تمت تعبئة الفرق التقنية المكونة من مهندسين وتقنيين مختصين في مجال البناءات، من أجل إعداد بطائق تقنية خاصة بكل المؤسسات التعليمية المتضررة، والتي تتضمن الحالة المادية لهذه المؤسسات، والأضرار المسجلة، ونوعية التدخل اللازم من أجل إعادة بنائها أو تأهيلها، بهدف التسريع بوتيرة عودة التلميذات والتلاميذ إلى مقاعد الدراسة بها".
كل ما سبق ومن وعود الوزارة سيظل معلقا إلى حين وضعه فوق ميزان اختبار تحققه على أرض الواقع، سواء في الحوز أو شيشاوة وأيضا تروادانت.
والأكيد حسب اعمال قاعدة أنه "من رأى ليس كمن سمع"، فإن كل المؤسسات التعليمية وتلك المرتبطة بها على طول الحزام الذي ضربه الزلزال في إقليم الحوز، تحتاج لإعادة البناء من جديد.
ويحتاج أطفال وطفلات المنطقة لعودة سريعة إلى المدارس أو نقلها إليهم وإليهن. دون القفز على ضرورة معالجة أوضاع أسرة التعليم في تلك المنطق التي لن تجد حيث تقطن قصد التواحد بأماكن تأدية رسالتها التعليمية.
الأسر تترقب والأطفال يتساءلون
وسط آلم فقدان ذوي القربة وضياع الممتلكات وشح الموارد، لا تغيب أن أذهان الأسر بالدواوير المتضررة من الزلزال مستقبل تعليم أطفالهم.
قد لا يبادرون للبوح بذلك، لكن حين يستفزهم السؤال، يتذكرون أن هذا الجانب مهم في مستقبلهم. عدد منهم عاينوا تجارب منافع التمدرس على جيرانهم. كيف يمكن أن يحول مستقبل أسرة من حضيض الفقر إلى ما يضمن العيش الكريم.
بدوار أمسكٍن التابع لجماعة إمكدال، سأل "تيلكيل عربي" الأسر المتضررة عن حال المدرسة، كان الجواب أن أساساتها تضررت، ثم بادر شاب من أهل الدوار الناجين بالقول: "الوليدات خاصهم يكملو قرايتهم ولكن الله غالب. دبا حتى دار الطالبة في أسني قالوا لينا راه طاحت".
أطفال هذا الدوار خاصة اليافعات منه، كن تتطلعن لولوج المستوى الثانوي الإعدادي، إحدهن باحت بعفوية ولكنة أمازيغية: "كنت كنتسنى غير إمتى تبدا القرايا. يلا بقيت هنا ما غادي نتعلم والو".
طموح الفتاة الصغيرة، ينتظر وجود إرادة قوية لتغيير الحال الذي هي عليه رفقة أقرانها. فمتى يمكن أن يتغير ذلك؟ وبأي طريقة في القريب العاجل؟