تفاصيل حصرية عن أدمغة المغرب لمواجهة "كورونا"

أحمد مدياني

يوم الـ18 عشر من شهر ماي الجاري، أثنى رئيس الحكومة سعد الدين العثماني، خلال إعلانه عن تمديد الحجر الصحي في المغرب إلى غاية الـ10 من شهر يونيو 2020، على عمل لجنة تقنية وعلمية استشارية، تتابع كل كبيرة وصغيرة بخصوص الحالة والوبائية لتفشي جائحة فيروس "كورونا" بالمغرب. لجنة أوصت بمجموعة من القرارات، وظل أعضاؤها غير معروفين لعموم المغاربة، رغم ما قدموه منذ صدر قرار لوزير الصحة خالد أيت الطالب بتعيينهم.

"تيلكيل عربي" حصل حصرياً على القرار الوزاري بتعيين اللجنة التقنية والعلمية والاستشارية، رقم 4826، والذي صدر بتاريخ 28 فبراير من العام الجاري. كما تحدث لمجموعة من أعضائها الذي فضلوا تقديم شهادتهم عن عملهم دون ذكر أسمائهم.

من هم أعضاء اللجنة الـ18؟ ما هي مهاهم؟ ما هي تخصصاتهم؟ ومن يترأسهم؟ كم عقدوا من اجتماع؟ وكيف يتخذون القرارات؟ وما هي شروط اتخاذها؟ هل هم من يحددون استمرار تطبيق حالة الطوارئ الصحية في المغرب؟ وهل هم من يتابعون الأبحاث حول فيروس "كورونا" المستجد؟ كيف يعملون؟ وما هي أهم التوصيات التي صدرت عن اللجنة وتم الأخذ بها من طرف الدولة؟

أسئلة وأخرى يجيب عنها "تيلكيل عربي" بمعطيات حصرية، وينقل كواليس اشتغالها على تتبع ومكافحة تفشي فيروس "كورونا" المستجد، من لحظة رصد الحالات المشكوك في إصابتها وحتى حسم إعلان حالات الشفاء التامة، وكل ما يرافق ذلك من اعتماد البروتوكل العلاجي.

كما يكشف "تيلكيل عربي" حصرياً، المشروع الذي تنكب اللجنة على تقييمه بخصوص عمل المستشفيات بعد عيد الفطر.

توصل "تيلكيل عربي" إلى أن اللجنة التقنية والعلمية الاستشارية تضم في عضويتها 18 إطارا صحيا عاليا من خيرة الأطر الصحية في المغرب.

أطر اشتغلوا في صمت طيلة أيام، صادفهم المغاربة في تصريحات مختلفة، واستمعوا لآرائهم وتوجيهاتهم ونصائحهم بخصوص الحالة الوبائية لجائحة فيروس "كورونا" بالمغرب، لكن لم يسبق لهم أن تحدثوا باسم هذه اللجنة..

"تيلكيل عربي" حصل حصريا على القرار الوزاري رقم 4826 والموقع من طرف وزير الصحة خالد أيت الطالب بتاريخ 28 فبراير 2020، الذي يقضي بتشكيل لجنة تقنية وعلمية استشارية، مهمتها الإشراف على "البرنامج الوطني للوقاية ومراقبة الزكام والتعفنات التنفسية الحادة والشديدة".

وجاء قرار تعيين أعضاء اللجنة الـ18، مباشرة بعد بداية تفشي جائحة فيروس "كورونا" في عدد من دول العالم، قرار كان بدوره استباقيا، قبل الإعلان عن تسجيل أول حالة وافدة تأكد إصابتها بمرض "كوفيد-19".

كتيبة المواجهة

ورد في القرار الوزاري لوزير الصحة، الذي يتوفر "تيلكيل عربي" على نسخة منه، أنه "يتم تشكيل، لجنة تقنية وعلمية استشارية للبرنامج الوطني للوقاية والحد من الزكام والتعفنات التنفسية الحادة والشديدة".

وتضم اللجنة التي يترأسها وزير الصحة، وتتكلف مديرية الأوبئة ومحاربة الأمراض بكتابتها، في عضويتها:

بالنسبة لتخصص الأمراض الرئوية والتعفنية:

- شكيب عبد الفتاح، أستاذ متخصص في الأمراض التعفنية بالمستشفى الجامعي ابن رشد بالدارالبيضاء

- مصطفى الفتوح، أستاذ متخصص في الأمراض الرئوية بالمستشفى الجامعي ابن سينا بالرباط

- جمال الدين بورقادي، أستاذ متخصص في الأمراض الرئوية بمستشفى مولاي يوسف بالرباط

- غالي عراقي، أستاذ متخصص في الأمراض الرئوية بالقطاع الخاص

- هشام عفيفي، أستاذ متخصص في الأمراض الرئوية بالمركب الاستشفائي الجامعي ابن رشد بالدا رالبيضاء

- شكيب بنجلون، أستاذ في الأمراض الرئوية بالمستشفى الجامعي الحسن الثاني بفاس

- خالد النيبي، أستاذ متخصص في الأمراض التعفنية بالمستشفى العسكري محمد الخامس بالرباط.

وفي تخصص الإنعاش الطبي:

- طارق دندان، أستاذ متخصص في الإنعاش الطبي بالمستشفى الجامعي ابن سينا بالرباط

- سعيد المتوكل، أستاذ متخصص في الإنعاش ومدير مصحة "أم البنين" بالدار البيضاء

- نبيل كنجاع، أستاذ متخصص في الإنعاش  بالمستشفى الجامعي الحسن الثاني  بفاس

- توفيق أبو الحسن، أستاذ متخصص في الإنعاش بالمركب الاستشفائي الجامعي محمد السادس بمراكش

- رضوان أبوقال، أستاذ متخصص في الإنعاش بالمستشفى الجامعي ابن سينا بالرباط.

وبخصوص الأمراض الوبائية:

- شكيب النجاري، رئيس جامعة محمد الخامس لعلوم الصحة

- محمد بنرحو، أستاذ متخصص بعلم الأوبئة بكلية الطب والصيدلة بفاس.

وفي تخصص علم الأحياء المجهرية (الميكروبيولوجيا):

- مصطفى محمود، أستاذ متخصص في البيولوجيا المجهرية بالمستشفى الجامعي الحسن الثاني بفاس

- أمينة بنعودة، أستاذة متخصصة في البيولوجيا الإحيائية بالمستشفى الجامعي الشيخ زايد بالرباط،

- هشام أومزيل، رئيس المختبر الوطني المرجعي للزكام

- رشيد عبي، أستاذ متخصص بالبيولوجيا المجهرية بالمستشفى العسكري محمد الخامس بالرباط.

ومنح القرار الوزاري للجنة الحق في استدعاء كل شخص حسب ما تقتضيه الضرورة، للإجابة عن الإشكالات الوارد ظهورها أثناء اجتماعات اللجنة حسب جدول أعمالها.

وجاء في القرار الوزاري أنه "يتم تعيين أعضاء اللجنة من طرف وزير الصحة، باقتراح من الكتابة العامة، لولاية تدوم أربع سنوات قابلة للتجديد، وعند انتهاء مهام أحد أعضاء اللجنة قبل انتهاء ولاية هاته الأخيرة، يتم تعيين عضو جديد حتى انتهاء الولاية".

وحسب المادة السادسة من القرار الوزاري، "يعتبر مستقيلا كل عضو من أعضاء اللجنة تغيب عن ثلاث اجتماعات متتالية".

ويلزم القرار الوزاري أعضاء اللجنة على التوقيع على التصريح بانعدام تضارب المصالح.

مهام اللجنة

أكد القرار الوزاري، بخصوص تشكيل اللجنة التقنية والعلمية الاستشارية، على ضمان الأسس الموضوعية العلمية لمعايير التدابير الوقائية والعلاجية للبرنامج.

ولفهم مهام اللجنة بشكل أدق وأكثر تفصيلا، اتصل "تيلكيل عربي" بأحد أعضائها، ويقول في حديثه إن من بين مهامهم "إجابة وزير الصحة حين يطلب من اللجنة رأيا علميا وطبيا، من أجل معالجة مشاكل لها علاقة بالجائحة".

ويشدد العضو ذاته على أن اشتغالهم داخل اللجنة "تحكمه مبادئ الاستقلالية وتقديم المصلحة الوطنية، وعدم الدفاع عن أي أحد أو أي شيء أو أي قرار بدون سند علمي وطبي، وبعد التداول بشأن ذلك".

ويوضح عضو اللجنة ذاته أنهم "لم يسبق لهم أن أوصوا أو قدموا أي مقترح واستشارة ببعد سياسي".

ويضيف: "قرارات اللجنة علمية وتقنية، تهم تدبير الجائحة، خاصة في ما يتعلق بتحديد حالات الإصابات بشكل دقيق".

ولشرح هذه النقطة بشكل أدق، يشرح عضو اللجنة الذي تحدث لـ"تيلكيل عربي" بأن "الجواب عن تأكيد حالات الإصابة، يختلف حسب درجة انتشار الوباء وأيضا بتطور المعلومات العلمية".

بل يصل الأمر، حسب المصدر ذاته، إلى حد أنه "من أجل إعطاء جواب واحد، يجب أن يقرأ أعضاء اللجنة على الأقل 25 وثيقة ومقالة علمية وطبية، قبل تقديم آرائهم. ليس لدينا الحق في تجاهل أي مستجد بخصوص الجائحة".

أبرز قرارات اللجنة

حسب المادة السابعة من القرار الوزاري، تجتمع اللجنة سنويا، وكلما دعت الضرورة إلى ذلك بدعوة من رئيسها، أي وزير الصحة، وتحرر القرارات بدون الأخذ بعين الاعتبار عدد الحاضرين.

في هذا السياق، وإلى غاية يوم الخميس 22 ماي الجاري، عقدت اللجنة التقنية والعلمية الاستشارية، حسب المعطيات الحصرية التي حصل عليها "تيلكيل عربي"، سبعة اجتماعات رسمية. وتعني الأخيرة، الاجتماعات التي تنتهي بتوقيع محضر رسمي، يتضمن توصياتها بشأن تدبير جائحة فيروس "كورونا" المستجد بالمغرب.

وحسب القرار الوزاري، "تصدر اللجنة التوصيات المتعلقة بكل مكونات البرامج الوقائية والتشخيص والعلاج والبحث العلمي والإجراءات المتخذة".

فما هي أبرز التوصيات التي أصدرتها؟ حسب عضوها الذي تحدث لـ"تيلكيل عربي" أولى القرارات التي تم اتخاذها وكانت حاسمة في تطور الحالة الوبائية في المغرب، هي البروتوكول العلاجي القاضي باستعمال دواء "الكلوروكين".

ويقول المصدر ذاته، "اتخذنا القرار على أن يكون البروتوكول العلاجي غير عرضي، بل وطني ومتفق عليه، كي لا نكرر تجارب دول أخرى اختلفت الفرق الطبية في ما بينها، وأيضا ليكون علاج من مرض كوفيد-19 صادرا عن وزارة الصحة، ويشمل جميع المؤسسات الاستتشفائية العمومية والخاصة".

أما التوصية الثانية الأهم، والتي صيغت في إطار مشروع اعتمد من طرف وزارة الصحة، حسب المصدر ذاته، هي: برتوكول الإنعاش لإنقاذ حالات الإصابات المتقدمة بفيروس "كورونا" المستجد، وتم إعداده من طرف أربعة أطباء متخصصين من أعضاء اللجنة، قاموا بعرضه على الجمعيات العلمية الخاصة بالإنعاش، من أجل ضمان استشارات أوسع، قبل اعتماده، ولقي تنويها بالإجماع، وهو المعتمد في جميع المستشفيات العمومية والخاصة.

كما وضعت اللجنة معايير الشفاء من مرض "كوفيد-19"، قبل إعلان الحالات التي شفيت تماماً من الفيروس.

ويشرح مصدر "تيلكيل عربي" ذلك بالقول: "إعلان حالات الشفاء عنصر مهم جداً، ويختلف من بلد إلى آخر، بل من حالة وبائية إلى أخرى. مثلا في فرنسا، من وصل إلى مرحلة اختفت منه الأعراض، أي الكحة وارتفاع درجة الحرارة والصعوبات في التنفس، يدخل قائمة أنه لم يعد مريضاً، وهذا أمر علمي ومعتمد في كل حالات الإصابات بفيروس الأنفلونزا. لكن نحن لم نأخذ بعين الاعتبار هذا الأمر، وأوصينا بضرورة إجراء التحليلات، لأنها الوحيدة الكفيلة بتأكيد خلو المريض الذي يفترض أنه شفي من الفيروس، يعني أن نفس التحليلة التي يخضع لها حين الاشتباه بإصابته، يخضع لها مرة أخرى حين تلحظ الأطقم الطبية أنه تماثل للشفاء".

في السياق ذاته، يضيف عضو اللجنة التقنية والعلمية الاستشارية، أنها وضعت أيضاً معايير محددة لكيفية مغادرة المريض الذي شفي من "كوفيد-19" للمستشفى حيث كان يتلقى علاجه.

وبخصوص ما يستجد حول الحالة الوبائية، وظهور حالات الإصابة عند فئات يمكن أن تشكل خطرا مضاعفا على صحتها، يقدم عضو اللجنة لـ"تيلكيل عربي" مثالاً بلقاء ناقشوا فيه التوصيات التي يجب أن تصدر بشأن حماية النساء الحوامل والأطفال من الإصابة، وفي حال وقوع ذلك، كيف يجب أن تتعامل أطقم الإسعاف والأطقم الطبية مع هذه الحالات.

ويقول في هذا الصدد: "بما أن القرار الوزاري منح اللجنة صلاحيات استدعاء من ترى ضرورة حضورهم لاجتماعاتها، نقوم باستدعاء كل من يمكن لهم المساهمة في الخروج بتوصيات لمواجهة الفيروس ووقاية المغاربة منه".

ويقدم مثالاً باستدعاء أطر صحية متخصصة في طب النساء والتوليد وطب الأطفال، ويتابع حديثه بالقول: "تشكيل اللجنة احتكم، كما قلت في السابق، إلى مجموعة من الأسس والمبادئ، ومن بينها أنه لا يمكن أن تضم في عضويتها أطر صحية نعاني من الخصاص فيها، ومن بينهم الأخصائيون في طب النساء والتوليد وطب الأطفال، وحين احتجنا إلى رأي هؤلاء، قامت اللجنة باستدعاء مجموعة منهم من أجل نقاش تطورات الجائحة، وتداعياتها على هذه الفئة، وكل الآراء التي تعرض على اللجنة من خارج أعضائها يتم الأخذ بها، إن كانت في صالح الصحة العمومية. لا نشتغل لوحدنا، وكل ما كانت هناك حاجة لآراء من خارج اللجنة ننفتح عليها".

كيف تتخذ اللجنة قراراتها؟

حسب المادة الـ8 من القرار الوزاري القاضي بتشكيل اللجنة التقنية والعلمية الاستشارية، " تؤخذ القرارات بأغلبية 50 في المائة من الأعضاء الحاضرين زائد 1".

لكن كيف يتم اتخاذ القرارات في الواقع، خلال الاجتماعات السبعة الرسمية التي عقدتها اللجنة.

ودائما حسب عضوها الذي تحدث لـ"تيلكيل عربي" حصرياً، يتم الاستماع لرأي كل عضو من اللجنة، وكل القرارات التي نتجت عنها توصيات رسمية، اتخذت بنسبة أقلها 95 في المائة، وهناك توصيات صدرت بإجماع أعضاء اللجنة.

ويلخص عضو اللجنة نقاشاتهم داخلها بالقول: "ندبر الخلاف بأن يأتي كل واحد منا بحججه العلمية، وتطرح للنقاش والتداول حولها، وكما قلت في السابق، كل منا يطلع على الأقل على 25 وثيقة ومقالة علمية قبل إبداء رأيه، لأن الصحة ليست مجالا للسجال بدون أسس، ونعرف جيدا حجم المسؤولية الملقاة على عاتقنا".

ويضيف المصدر ذاته، أنه بالإضافة إلى الاجتماعات الرسمية، هناك كما اجتماعات مصغرة تهم كل تخصصات بعينها، يتم خلالها التداول بشأن الإجراءات والتدابير التي يتعين التوصية بشأنها بخصوص جائحة فيروس "كورونا" المستجد.

هل أوصت اللجنة بتمديد الحجر الصحي؟

سؤال طرحه "تيلكيل عربي" على عضو اللجنة التقنية والعلمية والاستشارية. وكان جوابه أن اللجنة "لم يكن لها أي توصية بشأن تمديد الحجر الصحي من عدمه"، ويضيف في هذا الصدد: "هناك لجنة القيادة الوطنية التي تضم في عضويتها مجموعة من القطاعات، وهي التي تتخذ قرارات ممثالة".

في المقابل، يكشف مصدر "تيلكيل عربي" أن اللجنة "تعمل الآن على سيناريوهات رفع الحجر الصحي. ليس رفع الحجر الصحي على العموم بل على المستشفيات".

ويشرح أنهم يشتغلون منذ مدة على "كيف سنعود للعمل داخل المستشفيات واستقبال المرضى الذين لم يستطيعوا مواصلة علاجاتهم من الأمراض المزمنة طلية الفترة الماضية".

ويواصل عضو اللجنة الحديث عن كواليس ما تشتغل عليه لما بعد فترة عيد الفطر بالقول: "نعد أنظمة للمراقبة والعمل عن بعد، وأخذ المواعيد عن بعد. بعد عيد الفطر سوف تقطع وزارة الصحة، تدريجيا، مع قدوم 100 مواطن إلى المستشفيات من أجل أخذ الموعد فقط".

ويواصل المتحدث ذاته أن "اللجنة بصدد وضع خطة للاستقبال داخل المستشفيات، مع الأخذ بعين الاعتبار أن مرض 'كوفيد-19' يمكن أن يستمر حتى نهاية عام 2020، وبداية العام 2021. لذلك نعمل على وضع مسارين منفصلين. هذا الأمر صعب ولكن المشروع تقدمنا فيه".

ويضيف في السياق ذاته، "إدارة المستشفيات أنهت مشروعا نحن بصدد دراسته وتقييمه، وهو مشروع واعد جداً، وسوف يمنح للمغاربة خدمات صحية مع وقايتهم من خطر الإصابة بالفيروس".