أول من تصدى في الرابطة المحمدية للعلماء، لمهمة "تفكيك خطاب التطرف"، أمينها العام الدكتور أحمد عبادي، من خلال أول "دفاتر تفكيك خطاب التطرف"، ضمن "سلسلة الإسلام والسياق المعاصر"، في إطار وحدة "تفكيك خطاب التطرف" للرابطة.
اقرأ أيضا: تفكيك خطاب التطرف.. دفاتر لدحض "تأويل الجاهلين" (1)
الدفتر الأول لا تتعدى صفحاته اثنين وثلاثين، لكنه شديد التكثيف، وينطلق من التشديد على أهمية الوعي بالسياق على مستوى الخطاب.
السياق وآليات الفهم
أكد عبادي أن "اعتبار السياق النفسي للمخاطَب هو الذي يحدد كيفية صياغة الخطاب لكي يكون موائما للمخاطَب، ومحدثا للتفاعل المؤدي إلى التبني المطلوب". وزاد أن "عدم اعتبار السياق العقلي للمخاطَب يؤدي إلى تفاوت عن مستوى المخاطَب إما إفراطا أو تفريطا. وعدم اعتبار السياق الاجتماعي بمختلف أبعاده يجعل هذا الخطاب غير معانق لانتظارات المخاطب، وآلامه وآماله، ويمكن قول قريبٍ من ذلكم عن آثار عدم إدراك السياقات الاقتصادية، والسياسية والمحلية والكونية على هذا الخطاب".
وأوضح أن علماء المسلمين أبدعوا في توظيف الآليات الاستنطاقية لفهم السياق الداخلي (النص القرآني المؤسس والسنة الموضحة له)، والسياق الخارجي (واقع الناس ومحاورة الكون بآليات علمية ومنهجية).
وذكر أنهم نصوا على عدة مفاتيح وآليات لفهم السياق من أجل تفادي الوقوع في الاضطراب، ومنها:
*الوعي بالسياق النفسي للمخاطب ليكون الخطاب مستجيبا لحاجياته. وأورد قصة بن عباس الذي قرأ السياق النفسي لأحدهم طرح عليه سؤال إن كان للقاتل من توبة. فسد الباب أمامه، عندما قرأ في ملامحه أنه عازم على القتل ويريد الرخصة!
*الوعي بالسياق العقلاني والمعرفي باستحضار القدرة الإدراكية للمخاطب، حتى لا يحصل ما يسميه بـ"الاستوحاش".
*الوعي بالسياق المادي الاجتماعي من خلال معرفة الأنساق والأدوار والسلط الاجتماعية ومعرفة أنواع وخصائص العلاقات بين أفراد المجتمع.
وشدد، على هذا المستوى، على مراعاة الفرق بين السياق الذي أعمل فيه النبي (ص) النصوص من جهة، ومن جهة أخرى، السياق النفسي والاجتماعي الذي يجري فيه الخطاب بهذه النصوص، مع الاجتهاد لاستبانة الفروق بينه وبين السياق النبوي، حتى يتم القيام بالتكييفات الملائمة، في إطار الأصول والقواعد المرعية، على حد تعبيره.
ويؤكد الأمين العام للرابطة المحمدية للعلماء أن الناظر في خطاب الجماعات المتطرفة يقف بجلاء على خلوها من كل الاعتبارات السابقة، غير أن ذلك لا يفقده القدرة على التأثير واختراق العقول والنفسيات. وكتب أن ذلك دعاهم في الرابطة إلى "العكوف على هذا الخطاب في حوامله المكتوبة، والسمعية، دراسة وتحليلا، وتفكيكا، لاستجلاء العناصر التي تجعله بهذا التأثير الذي يتم عبره اجتيال شباب الأمة، وحتى كهولها، ذكورا وإناثا في مهالك المروق والفتنة".
وكانت النتيجة، يقول عبادي، هي الوقوف على أن هذا الخطاب (المتطرف) يستمد جاذبيته من أحلام وجراحات، ومن جملة من ادعاءات الحجية الشرعية، التي إن لم يتم فرزها، وفصل الحق الذي فيها عن الزيف الذي خُلط به، فإنها ستبقى مصدر تلبيس وفتنة.
الأحلام والجراحات والبدائل
عدد عبادي في الكتاب أربعة أحلام وعشرة جراحات استمد منها الخطاب المتطرف جاذبيته.
والأحلام الأربعة هي حلم الصفاء (الرجوع إلى الأصل) وحلم الوحدة (بعد انهيار الخلافة العثمانية) وحلم الكرامة (بعد معاناة طويلة) وحلم الخلاص (الفرقة الناجية-الطائفة المنصورة).
أما الجراحات العشرة التي وقف عليها التفكيك، فهي نظرية المؤامرة، الاستعمار وعدوانه، إسرائيل، المعايير المزدوجة (في الموقف من الدول الإسلامية مقابل الموقف من إسرائيل مثلا)، إهانة المسلمين (في الإعلام الغربي)، مآسي المسلمين في مجموعة من البلدان، السطو على ثروات العالمين العربي والإسلامي، الغزو الفكري والقيمي والسلوكي، تحريف الجغرافيا والتاريخ، حرق المصحف وسب النبي (ص).
ويعتبر عبادي أنه فضلا عن استغلال هذه الأحلام والجراحات، هناك سمات سلبية في المنطقة العربية والإسلامية يتأسس عليها التطرف الديني والطائفي وهي أساسا ثلاثة؛ وهي نخبة غير كفؤة (أنصاف المتعلمين)، وعنف مادي ومعنوي غير مسبوق، وضعف مؤسسة العلماء.
ويعرض المؤلف مفاتيح للخطابات الحاضّة على الفرقة والكراهية والتمييز باسم دين الله، وهي ستة؛ ضرورة التعرف على مرسلي الخطابات (لإعداد عناصر التفنيد)، التركيز على حوامل الخطاب (للمنازلة عبر الحوامل ذاتها)، التركيز على طبيعة المتلقين (لشفط آثار الخطاب المتطرف من أذهانهم)، تحديد مدى تأثير حملة هذا الخطاب، تيسير أساليب الحوار مع المستهدفين، والانتباه إلى ضرورة اعتماد البعد الرمزي (القوة الرمزية للرسائل).
ويشدد عبادي على ضرورة تفكيك المصطلحات المستعملة في خطاب التطرف من قبيل مصطلحي "الجهاد" و"القتال".
ويتساءل الأمين العام للرابطة بعد هذا التشخيص"هل إلى خروج من سبيل؟"، قبل أن يقترح ثلاثة أوراش كبرى، وهي ورش اجتماعي تحصيني، ورش مضموني، وورش تقريبي، قبل أن يؤكد على حتمية العناية برسم سياسة مؤسسة تمكن من التفكيك المستدام ومن بلورة استراتيجيات التفنيد، ويقدم مقترحات عملية، من قبيل وضع رؤى وتصورات وتجويد أخرى ومضامين وازنة عبر علماء رواد وشبكات تضمن الوساطات والتثقيف بالنظير والتقوية في أماكن عيش الشباب وجملة من البدائل تبدأ بالرسوم المتحركة للأطفال ومراصد وطنية للقيم وإنشاء أماكن عيش صالحة. وهي مقترحات يجب، بالنسبة إليه، أن تظهر في البرامج التربوية والتعليمية وأيضا في برامج الأحزاب والجمعيات....