ضمن دفاتر "تفكيك خطاب التطرف"، في سلسلة "الإسلام والسياق المعاصر"، للرابطة المحمدية للعلماء، صدر الدفتر العاشر للدكتور عبد الرحمان بودرع، تحت عنوان "التطرف وخطاب الفهم والتحليل".
يعتبر المؤلف أن خطاب التطرف يقترن بسوء الفهم، التي تنكشف، بالنسبة إليه، من خطاب التطرف ومفاهيمه ومصطلحاته والعبارات التي يستعملها ويرتضيها.
الخطاب الجامد و"جثة" الواقع
وأكد عبد الرحمان بودرع أن "كل طرف استحق أن يوصف بصفة التطرف فلا يُنعت بها إلا على سبيل النقد والإدانة، سواء كان فردا أو جماعة مناوئة لسياسة ما أم دولة قف من غيرها مواقف متحيزة لتحقيق مصلحة أو درء مفسدة، وتوصف تلك المواقف بالغلو والشطط".
ويعتبر أن مصدر أزمة الفهم الشبهاتُ التي تحيط بالفكر المتطرف وتستولي على لغته وإدراكه ومواقفه. فيدخل في خطاب التطرف، يضيف المؤلف، المصطلح والألفاظ التي تدل على علله وأسبابه التي تقود إلى سوء التصور وسوء الفهم ثم سوء الفعل.
والكاتب حاسم في ذهابه إلى أن أزمة الفهم والتصور ينتج عنهما خطاب لغوي متطرف، في تسمية الأشياء وفي المحاورات والمناظرات، وفي استيعاب الآخر وتقبله أو رفضه، وفي منهج الاستدلال بالنصوص الشرعية لتسويغ الأفعال، مؤكدا أن خطاب التطرف، في علاقته بسوء فهم النصوص الشرعية وسوء تأويلها وسوء تنزيلها، "خطاب جامد متصلب يعامل الواقع على أنه جثة هامدة تُحاكَم، وليس واقعا يُحاوَر"...
يوضح الكاتب أن التطرف موقع منتبذ، أو مكان معنوي ذهني افتراضي يتخذه صاحبه، وهو لا يعلم أنه موقع قريب من الحرف الجارف وبعيد عن وسط الأماكن الأمن وملتقاها. ويضيف أن التطرف يعني اتخاذ أطراف الأماكن وأشتاتها وأباعدها مواقع، والأطراف معرضة للإجحاف.
ويورد أن الخطاب المضاد بأن التطرف ظاهرة إنسانية محكومة بشروط إذا ظهرت وطغت غلا الإنسان غلوا وتشدد واتخذ مواقف في الفكر والفهم والفعل، ويؤكد أن التطرف ليس مرتبطا بشعب أو جنس أو ملة أو نحلة، ولكنه مواقع يتخذها ومواقف يقف فيها وخطط يختطها أفراد أو جماعات أو دول ويكون لتلك الاختيارات أساليب لغوية معبرة وخطابات مسوِّغة مناسبة، تمهّد للأفعال والإنجازات وتوطئ لها بما يضمن لها النجاح والانتصار.
خطاب التطرف والخطاب المضاد
ويسعف التحليل النقدي الاجتماعي للخطاب، حسب الكاتب، لرؤية أن التطرف عبارة عن تشوه معرفي يحمله خطاب مشوه فكريا ونفسيا، مكون من أفكار غير منطقية.
ومن مظاهر التشوه المعرفي، يورد الدفتر، إنتاج خطاب شفوي أو مكتوب يحمل أفكارا ومعلومات مغلوطة يعتمدها صاحبها عند المواقف وحل المشكلات. وقد يبحث لها عن البراهين المؤيدة فيؤولها وفق رؤيته ببعض النصوص الشرعية، يسوغ بها مواقفه الجانحة، على حد تعبير المؤلف.
في المقابل، للخطاب المضاد لخطاب التطرف مقومات، منها تصحيح المفاهيم وإشاعة معجم من الكلمات التي تدخل في السياق، ويعطي الكاتب أمثلة من قبيل: الاعتدال، والوسطية، والانفتاح على الآراء والأفكار، واحترام آداب المناظرة والحجاج، وبناء خطاب معتدل متصل بحكمة تنمية المجتمع، مع حسن فهم لمحكمات الشريعة وقوة الانتماء إليها وقدرة على الإقناع بها بالتي هي أحسن، ويمتلك في المساحات الاجتهادية المرونة والمهارة والآداب الكافية، والقدرة على فهم الأطروحات الفكرية المعاصرة وفحصها ونقدها...
ويعتبر بودرع أن ثلاثة أنواع من الخطاب يمكن تصورها واستحضارها عند الحديث عن خطاب التطرف وما ينجزه من عبارات واستعارات وبلاغات تبلغ به إلى مرماه،
- خطاب الأفراد المتطرف الذي يرفض الواقع السياسي والاجتماعي جملة وتفصيلا، ويبني في حياله أنموذجا مثاليا لواقع جديد مقطوع الصلة بالواقع الراهن.
- خطاب الدول والمؤسسات الرسمية، الذي يواجه الأنموذج الأول ويبني للمواجهة عدة من المفاهيم والأفكار كمعبر عنها بعبارات منتقاة واستعارات تراعي قوة الإقناع المخاطب بالأطروحة وإدانة الخصم وإثبات تهافت قضيته وخطابه وحججه.
- الخطاب النقدي المحلل الذي يتخذ التفكيك منهجا والنقد أساسا والموازنات بين الخطابين المتضادين موضوعا.