تقرير: المغاربة أكثر انتقادا لبلدهم من الأجانب وسمعة المملكة خارجيا تفوّقت على الجزائر وتركيا

بشرى الردادي

كشف البحث الميداني الذي أجراه المعهد الملكي للدراسات الاستراتيجية، بشراكة مع وكالة الاستشارة الدولية "Reputation Lab"، المتخصصة في مجال تدبير وبناء العلامة التجارية الوطنية "Nation Branding"، أنّ السمعة، سواء الخارجية أو الداخلية، للمملكة المغربية، تحسّنت، عام 2022.

السمعة الخارجية للمغرب

وحسب البحث الميداني الذي تمّ إجراؤه، خلال الفترة الممتدة ما بين شهري مارس وأبريل سنة 2022، والذي تميّز بتوسيع حجم العينة المدروسة لهذه النسخة، على مستوى كل بلد من البلدان التي تم فيها قياس سمعة المغرب، فإنّ هذا الأخير احتلّ، خلال سنة 2022، المرتبة 32، من حيث السمعة، لدى بلدان مجموعة الدول السبع(كندا، وفرنسا، وألمانيا، وإيطاليا، واليابان، والمملكة المتحدة، والولايات المتحدة)، بالإضافة إلى روسيا، وذلك من بين 72 دولة جرى تقييمها، مشيرا إلى أنه على غرار الدورات السابقة، فإنّ المملكة تتمتع بصورة دولية إيجابية، على العموم.

وتابع البحث أن كلا من سويسرا، والدول الاسكندنافية، ونيوزيلندا، وأستراليا، وكندا، تصدروا قائمة البلدان ذات السمعة الخارجية القوية. بينما جاءت كل من روسيا، والعراق، وإيران، وباكستان، والصين، والمملكة العربية السعودية، وإثيوبيا، ونيجيريا، ونيكاراغوا، وكولومبيا، وبنغلادش، والجزائر، وفنزويلا، في ذيل الترتيب.

وأبرزت الدراسة أن سمعة المغرب في بلدان مجموعة السبع، بالإضافة إلى روسيا، تعادل سمعة كل من الولايات المتحدة الأمريكية، وأندونيسيا، وهي أفضل من سمعة كوريا الجنوبية، والفيتنام، والتشيلي، ودول مجموعة بريكس (البرازیل، وروسيا، والهند، والصين، وجنوب إفريقيا)، وتتجاوز سمعة تركيا، وكذا سمعة كافة البلدان العربية والإفريقية.

وبقيت سمعة المملكة، خلال سنة 2022، إيجابية، في كل من أستراليا، ومصر، وفرنسا، والولايات المتحدة الأمريكية، إلا أنها عرفت تراجعا في إسبانيا، ونيجيريا، وكوريا الجنوبية، والسويد، وبنسبة أقل، في الجزائر.

وسجلت سمعة المغرب، بين سنتي 2021 و2022، تحسنا ملحوظا في الصين (12.6+ نقطة)، وكينيا (6.9+ نقطة)، وهولندا (6.3+ نقطة)، وجنوب إفريقيا (5.9+ نقطة)، وألمانيا (5.7+ نقطة). وعلى العكس من ذلك، فإنها تراجعت في المملكة المتحدة (5.4- نقطة)، والهند (4.8- نقطة)، وتركيا (3.4- نقطة)، والسويد (3.4- نقطة).

وتكمن مزايا المغرب من حيث السمعة الخارجية في السمات المتعلقة بأبعاد "جودة العيش"، و"العنصر البشري"، باستثناء سمة "جودة المنظومة التربوية". وبرزت بشكل خاص، سمة "الأمن"، التي تشكل جزءا من بُعد "جودة العيش"، هذه السنة أيضا، باعتبارها تشكل إحدى نقاط قوة سمعة المملكة بالخارج.

كما أظهرت سمعة المغرب الخارجية توجها إيجابيا، على العموم، فيما يخص السمات الجديدة التي تم إدراجها حديثا ضمن إصدار سنة 2022، ألا وهي "حماية البيئة"، و"مواجهة تغير المناخ".

وابتداءا من سنة 2019، يضيف البحث الميداني، تحقّق تقدم ملموس على مستوى سمعة المغرب، في بلدان مجموعة السبع، بالإضافة إلى روسيا، فيما يخص أبعاد مستوى التنمية"، و"الجودة المؤسساتية"، و"الأخلاقيات والمسؤولية".

وأصبحت هذه الأبعاد التي يعرف وزنها في مؤشر السعة ارتفاعا ملحوظا، منذ سنة 2019، تساهم، بشكل أكبر، في بناء صورة المملكة المغربية، التي كانت مبنية في السابق، على القيم التطلعية؛ الشيء الذي يفتح آفاقا ملائمة لتحسين السمعة الخارجية للبلاد.

من جانب آخر، فإن التقييمات تبقى إيجابية، فيما يتعلق بالسمات المرتبطة بـ"القدرة التكنولوجية للبلاد"، و"التعرف على المقاولات والعلامات"، و"مستوى الأخلاقيات والشفافية"، و"احترام حقوق الإنسان".

وفيما يتعلّق بالسمعة الخارجية للمغرب التي تخص سمات "البيئة الطبيعية"، و"التسلية والترفيه"، و"ساكنة طيّبة ومضيافة"، فتابعت منحاها الانخفاضي الذي بدأ، سنة 2020.

ويمكن إرجاع هذه الوضعية إلى كون جائحة "كوفيد-19" غيّرت، بشكل عميق، انتظارات مواطني بلدان مجموعة السبع، بالإضافة إلى روسيا؛ حيث تحوّل الاهتمام، بشكل أكبر، إلى الجوانب العقلانية المتعلقة بتنمية قطاعات الحياة، بدل الجوانب التطلعية.

وعلى مستوى التطور الزمني، يسجّل البحث الميداني، أظهرت سمعة المغرب في العالم، ما بين سنتي 2015 و2022، بشكل إجماليّ، توجها إيجابيا في ألمانيا، وفرنسا، وإيطاليا، وكندا، وأستراليا، واليابان، وهولندا. كما تمّ إحراز تقدم ملحوظ في إفريقيا، بخصوص صورة المغرب، في جنوب إفريقيا، ونيجيريا.

أما في المملكة المتحدة، فسجّلت سمعة المغرب تراجعا، خلال سنة 2022، في مفارقة مع التوجه التصاعدي الذي أبانته، خلال الفترة من سنة 2015 إلى سنة 2021.

بينما تميزت سمعة المغرب، في التشيلي، والمكسيك، والبرازيل، بالاستقرار، خلال الفترة السالفة الذكر. غير أنها عرفت توجها متباينا، على مستوى باقي بلدان عيّنة الدراسة.

السمعة الداخلية للمغرب

عرفت السمعة الداخلية للمغرب، والتي تعكس التصورات التي يكونها المغاربة عن بلدهم، تحسنا كبيرا (10.9+ نقطة)، ما بين سنتي 2021 و2022، منتقلة، للمرّة الأولى، منذ انطلاق الدراسة، في سنة 2015، من مستوى متوسط إلى مستوى عال.

ويمكن تفسير هذا التطور، حسب البحث الميداني، بتميّز سنة 2022 بنجاحات ملحوظة، على المستوى الدبلوماسي، والتي ساهمت في تعزيز الشعور بالافتخار الوطني لدى المغاربة.

وهمّ التقدم الكبير للسمعة الداخلية للمغرب، ما بين سنتي 2021 و2022، كافة السمات. وبشكل خاص، سجل ارتفاعا بأزيد من 20 نقطة، بخصوص سمات "الاستعمال الناجع للموارد العمومية"، و"العلامات والشركات المعروفة"، و"التقدم التكنولوجي"، و"البيئة المؤسساتية والسياسية"، و"جودة نظام التعليم".

ومع ذلك، فأبرزت النسخ الثمانية للدراسة وجود تفاوت شبه سنويّ لهذه السمعة الداخلية، والتي ترتبط بقوّة، بتطور تصوّر المغاربة للبيئة المؤسساتية والسياسية لبلدهم.

وتجاوز مؤشر السمعة الداخلية للمغرب، خلال سنة 2022، بحوالي 14.8 نقطة، مستوى مؤشر السمعة الخارجية للبلاد؛ حيث يعدّ هذا الفارق الأكبر من نوعه الذي يتم تسجيله، منذ سنة 2015.

وأوضح البحث الميداني أن المغاربة الذين تم استجوابهم يعتبرون أكثر من المقيمين في بلدان مجموعة السبع، بالإضافة إلى روسيا، أنهم يعيشون في بلد يسود فيه الأمن، ويتميز بساكنة طيّبة ومضيافة، وتراث ثقافي غني. كما يعتبرون أن المغرب ملتزم فعليّا، مع المجتمع الدولي، حول القضايا الحيوية للإنسانية، وأنه نشط في مجال حماية حقوق الإنسان، والبيئة ومكافحة تغير المناخ.

وعلى العكس من ذلك، أبرزت الدراسة أنّ المغاربة أكثر انتقادا لبلدهم من الأجانب، فيما يتعلق بالسمات الخمس التالية: "الاستعمال الناجع للموارد العمومية"، و"الأخلاق والشفافية"، و"البيئة المؤسساتية والسياسية"، و"الرفاه الاجتماعي"، و"جودة المنظومة التربوية".

السلوكيات الداعمة للمغرب

كشف البحث الميداني أنّ سمعة بلد ما تُقاس أيضا، بمستوى الجاذبية التي يمكن أن يمارسها على السياح، ورجال الأعمال، والشركاء التجاريين، والطلبة الأجانب، وبقدرته كذلك، على اجتذاب الأجانب الراغبين في الإقامة والعمل فيه.

وتابع أن المغرب لا يزال يعدّ من قبل مواطني بلدان مجموعة السبع، بالإضافة إلى روسيا، من البلدان التي يرغبون في زيارتها والمشاركة، إذا تأتّى لهم ذلك، في التظاهرات التي قد تقام على أرضه، واقتناء سلعه وخدماته. غير أن التعبير عن هذه الرغبة لا يكون بنفس الحدّة، عندما يتعلق الأمر بالدراسة في المغرب، وذلك على الرغم من تسجيل بعض التحسن على هذا المستوى.

وخلال عامي 2021 و2022، باستثناء توصيات العمل والدراسة بالمغرب، التي ظلت مستقرّة، حسب المصدر ذاته، فإن جميع السلوكيات الداعمة للمغرب سجّلت تراجعا.

وأضاف البحث أنه بالمقارنة مع المتوسط العالمي، يُنظر إلى المملكة كوجهة سياحية ومكان للاستجمام والترفيه، أكثر ممّا ينظر إليها كفاعل اقتصادي.

وكما هو الحال بالنسبة للسمات العقلانية، فإن سلوكيات المغاربة الداعمة لبلدهم كانت أكثر إيجابية، بشكل ملحوظ، بالمقارنة مع سكان بلدان مجموعة السبع، بالإضافة إلى روسيا.

وارتبطت الفوارق الأكثر بروزا بالتوصيات المتعلقة بالاستثمار في المغرب والإقامة فيه، وبتنظيم تظاهرات بالمغرب، أو المشاركة في الأحداث التي يحتضنها.

سمعة المغرب مقابل سمعة تركيا وجنوب إفريقيا والمكسيك والتشيلي

تميّز المغرب من حيث السمعة، في بلدان مجموعة السبع، بالإضافة إلى روسيا، بشكل ملحوظ، مقارنة مع تركيا وجنوب إفريقيا والمكسيك؛ حيث تجاوزت سمعته الخارجية، خلال سنة 2022، لأوّل مرة، منذ سنة 2015، السمعة الخارجية للتشيلي.

وبالمقارنة مع البلدان الأربعة السالف ذكرها، يتوفر المغرب على العديد من المزايا النسبية من حيث سمعته، في بلدان مجموعة السبع، بالإضافة إلى روسيا، وخصوصا في المجالات التالية: "الأخلاق والشفافية"، و"احترام حقوق الإنسان"، و"مواجهة تغير المناخ"، و"الاستعمال الناجع للموارد العمومية"، و"الأمن"، و"نمط العيش"، و"البيئة المؤسساتية والسياسية"، و"مناخ الأعمال والالتزام مع المجتمع الدولي".

أمّا فيما يتعلق بالسلوكيات الداعمة، وضع الأشخاص المستجوبون، في بلدان مجموعة السبع، بالإضافة إلى روسيا، المغرب، على قدم المساواة مع التشيلي. وهم يوصون بالمغرب أكثر مما أوصوا بجنوب إفريقيا والمكسيك وتركيا، التي تتجاوز ترتيب المغرب فقط في مجال التوصية بزيارة البلد.

وفي نهاية بحثه، اقترح المعهد الملكي للدراسات الاستراتيجية، أنه بناء على ما سبق، يتوجّب على المغرب أن ينخرط في إصلاحات كبرى، في مجال التعليم، والابتكار، والتكنولوجيا، ورأسمال العلامة، وجودة المنتجات والخدمات، وذلك بالموازاة مع الأوراش الكبرى للإنعاش الاقتصادي، وتعميم التغطية الصحية، وإعادة هيكلة القطاع العام، التي أملاها سباق الأزمة، من أجل تحسين سمعته الداخلية والخارجية، بشكل ملموس، على الخصوص، فيما يتعلق ببعد "المستوى التنموي".

وأكد أن المغرب سيستفيد في ظلّ جيو - سياسيّ صعب يتميّز بتفاقم الصراع بين القوى التقليدية والمساعدة حول الزعامة، من اعتماد استراتيجية تموقع دولى تتمحور حول مبدأين رئيسيين؛ هما "بناء علامة مغربية فريدة قوية ودائمة"، و"اعتماد سياسة تواصل استراتيجية موجّهة ومتناسقة".

ويتمثل بناء علامة مغربية فريدة قوية ودائمة، حسب البحث الميداني، في تأسيس بناء "علامة المغرب" على محتوى واضح بسيط ومتميز، مؤسس ليس فقط حول القيم التطلعية، وإنما أيضا القيم العقلانية، في نفس الآن.

وتتعلق القيم التطلعية على الخصوص، بـ"البيئة الطبيعية"، و"الطابع الودود للساكنة"، و"نمط العيش". أما القيم العقلانية، فتتعلق أكثر بـ"مناخ الأعمال"، و"جودة المؤسسات"، و"التقدم التكنولوجي". بعبارة أخرى، يتعلق الأمر بالنهوض بصورة مغرب عصري يتمتع بصلابة مؤسساتية وسلوك مسؤول، من شأنهما تعزيز مصداقية المملكة في المشهد الدولي.

كما يتمثل بناء هذه العلامة أيضا في القيام، بهدف تضافر جهود جميع الأطراف المعنية، بإنشاء هيئة مرنة، تكلف بالتّرويج لصورة المغرب، على الصعيد الدولي. وفضلا عن طابعها الأفقي، تستحقّ هذه الهيئة أن يكون لها تموقعها الخاص، خاصة وأن عملها يجب أن يندرج في إطار الاستمرارية، مع أفق زمني بعيد، وتمفصل جيد بين المدى القصير والطويل وبين المستويات الجزئية والكلية.

أمّا اعتماد سياسة تواصل استراتيجية موجهة ومتناسقة، فيتمثّل في اعتماد مقاربات تواصلية مميزة، حسب البلدان، بهدف مكافحة الصور النمطية والأحكام المسبقة التي تكون سلبية في بعض الأحيان، وتحسين صورة المملكة في الخارج؛ فكون مستوى معرفة المغرب من طرف المواطنين الذين شملهم البحث، في بلدان مجموعة السبع، بالإضافة إلى روسيا، أقلّ من المتوسط الدولي (75 في المائة)، رغم تطوره من 40 في المائة، في سنة 2017، إلى 69 في المائة، في سنة 2022، يمثّل فرصة للتواصل على المملكة أن تستغلها للرفع من سمعتها الخارجية.

كما يتمثّل في التنمية المتواصلة لإشعاع المغرب في الخارج، خاصة عبر خلق قناة تلفزيونية عمومية باللغة الإنجليزية، تبث برامجها دوليّا، وتعبئة الكفاءات العلمية والفنية والجالية المغربية في الخارج، وإبرام شراكات مع المؤثرين الوطنيين والأجانب.

يشار إلى أن النسخة الثامنة من دراسة سمعة المغرب في العالم شهدت إدراج مجموعة جديدة من الطبقات. ويتعلق الأمر بـ"احترام حقوق الإنسان"، و"حماية البيئة"، و"الجهود المبذولة في مجال مواجهة تغير المناخ". وتم تقسيم سمة "الثقافة" إلى سمتين منفصلتين: "الإرث الثقافي" و"الإنجازات الرياضية". فيما تمّ استبدال سمة "الاحترام الدولي" وتعويضها بالسمتين التاليتين: "الالتزام مع المجتمع الدولي" و"قادة محترمون".

ومكّنت المنهجية المعتمدة في البحث الميداني، خلال سنة 2022، من إعادة تنظيم سمات البحث البالغ عددها 22 سمة، وترتيبها في إطار خمسة أبعاد: "جودة العيش"، و"مستوى التنمية"، و"الجودة المؤسساتية"، و"العنصر البشري"، و"الأخلاقيات والمسؤولية".