بحضور عبد الرحمان اليوسفي، محمد اليازغي، بن سعيد أيت إيدر، ونجلة عبد الكريم الخطابي، وبعض رجالات جيش التحرير، تم أمس الأحد تكريم "رمز المقاومة" محمد أجار، المعروف بسعيد بونعيلات، بعد مرور أكثر من 3 أشهر على رحيله.
أقامت الجمعية الطبية لإعادة تأهيل ضحايا التعذيب، بتعاون مع عائلة وأصدقاء سعيد بونعيلات، ومركز بنسعيد أيت إيدر للدراسات والأبحاث، أول أمس السبت (27 يناير)، بدار المحامي بالدار البيضاء، حفلا تكريميا لسعيد بونعيلات، أحد أبرز قادة مقاومة الاحتلال الفرنسي، الذي شيع إلى مثواه الأخير يوم الأربعاء (25 أكتوبر)، عن عمر يناهز 98 عاما.
شهادة الاتحاديين
بآيات من القرآن والدعاء، افتتح حفل تكريم الراحل سعيد بونعيلات. وحضر اللقاء كل من زوجة الراحل وأبناؤه واقاربه، فضلا عن حضور شخصيات سياسية عاشت مع الرجل مغرب ما قبل الاستقلال وما بعده؛ منهم عبد الرحمن اليوسفي ومحمد اليازغي، وبنسعيد أيد إيدر، عبد الرحمن بنعمرو، وبعض الاتحاديين. إضافة لحضور نجلة بن عبد الكريم الخطابي، وأرملة الفقيه البصري، وكذلك زوجة الراحل محمد باهي.
مع انطلاق الحفل، لم يتقدم أي من قادة الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، الذين رافقوا بونعيلات سنوات المقاومة، لإلقاء كلمة في حقه. واكتفى المنظمون بعرض كلمة مصورة لكل من أيت إيدر واليوسفي.
وجاء في شهادة، مهندس التناوب، عبد الرحمن اليوسفي قوله: "في مغرب ينخره مخاض مجتمع سياسي ويطبعه عدم التوازن والسيطرة والاستغلال، (..) في كل هذه المظاهر، امتهن بونعيلات التجارة الصغيرة من أبسط مستوياتها، وأصبح مع صغر سنه يدير دفة التجارة في عدة أماكن، الأمر الذي نمى لديه الشعور بالمسؤولية وأكسبه القدرة على العمل والاعتماد على النفس لمواجهة تحديات الحياة، هذا الشاب تجتمع فيه عناصر النضج والاتزان..".
أمام ذلك الوضع، يواصل اليوسفي، "اكتسب بونعيلات الرغبة في الاطلاع أكثر، فسمع عن حرب الريف والملاحم الشعبية وعن اعتقال الزعماء الوطنيين، كما سمع عن جيوب المقاومة.. وعن حدث تقديم وثيقة الاستقلال، وعمره آنذاك لا يتعدى 22 سنة؛ حيث شارك في مظاهرات 1944.. فانخرط بونعيلات في حزب الاستقلال"
هذه الكلمة المصورة، التي مر عليها 18 عاما، وألقاها البوسفي وهو وزيرا اول، لما كان يجمعه بالراحل من أواصر علاقة خاصة، وظهر ذلك جليا في الأيام الأخيرة للراحل، حيث ظل اليوسفي مواظبا على زيارته بالمستشفى في آخر أيامه، إلى حين وفاته.
انتصار على الموت.. غيابيا
كان دور بونعيلات حاسما في عدد من العمليات الفدائية التي نفذت ضد المستعمر الفرنسي، على مستوى تأطير المقاومين وعلى مستوى توفير السلاح لهم، مما جعله ينتقل من المغرب إلى الجزائر، ثم إلى إسبانيا.
حكم على بونعيلات بالإعدام 3 مرات خلال حياته، أولها بتهمة التآمر ضد ولي العهد آنذاك الحسن الثاني، نجا منه بفراره إلى الجزائر. كما حكم عليه غيابيا مرة ثانية سنة 1965، فيما عرف بقضية شيخ العرب. والمرة الثالثة، بعد وقوع محاولة انقلاب 1971، حكم عليه بالاعدام غيابيا، في ما عرف بـ"محاكمة مراكش الكبرى"، رغم أنه كان حينها معتقلا بسجن القنيطرة بعد ترحيله من إسبانيا، ولم يشارك في الانقلاب.
اقرأ ايضا: بونعيلات ..مقاوم الاستعمار وضحية الاستقلال
عن هذا الحدث، يتذكر المحامي بنعمرو، خلال كلمته بالحفل التكريمي، أنه تعرف إلى بونعيلات عندما كان يدافع عنه إلى جانب 193 متهما بمحاولة قلب نظام الحسن الثاني. "ما ميز تصريحات بونعيلات هو الشعور بالوحدة المغاربية، حيث وجه إليه رئيس المحكمة، آنذاك، سؤالا حول المقابل الذي يتلقاه من طرف الحكومة الجزائرية، عندما كان بالجزائر حينها"، ليرد بونعيلات بأنه "هو الذي كان يساعد الجزائر في حربها ضد المستعمر الفرنسي؛ إذ كان يقتسم سلاح المقاومة المغربية مع المقاومة الجزائرية، وكان مسؤولا عن توزيع السلاح".
بنعمرو الذي دافع عن الاتحاديين إلى جانب عبد الرحيم بوعبيد، يتذكر أن بونعيلات "كان الوحيد الذي حكم عليه بالإعدام غيابيا أثناء محاكمة مراكش، من بين 49 آخرين حكم عليهم بأحكام غيابية".
من ناحية أخرى، يضيف النقيب: "كنا نعلم وزن وثقل بونعيلات ورمزيته السياسية، ومدى تأثير هذا الحكم على ما ستؤول إليه الأوضاع.. لذا جاءت التعليمات بالعفو عنه بعد عدة أيام من صدور الحكم".
"أتذكر يوم خروجه من السجن، يختم بنعمرو شهادته، كان موكبا من السيارات يرافق بونعيلات، وفي المقابل كانت القوات العمومية تصطف كذلك بشكل احتياطي، لأنها تعرف وزن الرجل ومكانته".
جراح الرصاص لم تندمل !
لم يمتنع القادة الاتحاديون من إلقاء كلمة في حق الرجل، خلال حفل تأبينه فقط، لكنهم امتنعوا كذلك عن الادلاء بأي تصريح للصحافة، وقال كل من اليازغي، وولعلو، واليوسفي (من خلال مساعده)، في حديثهم لـ"تيل كيل عربي": "ليس هناك ما يقال.. كل شيء قيل".
كما لم يقتصر حفل التكريم على الحديث والتذكير بفترة الاحتلال والمقاومة المغربية فقط، بل تخلله أيضا التذكير بسنوات الجمر والرصاص التي عانى منها المغرب، من خلال مسار الراحل بونعيلات. وعرض المنظمون أشرطة وحوارات لرموز الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، على رأسهم بنبركة والفقيه البصري، وعبد الرحيم بوعبيد.
المنظمون اختاروا مقاطع فيديو مركبة، لهؤلاء القادة وهم يتحدثون عن "دار المقري"، ودرب مولاي الشريف وقلعة مكونة، وكذلك عن الوضع الاقتصادي والسياسي "المزري"، الذي عاشه المغرب في مرحلة حكم الحسن الثاني.
"بونعيلات مناضل كتوم، مورست عليه جميع صنوف التعذيب، لكنه ظل شامخا ومقتنعا"، يقول عبد الكريم المانوزي الكاتب العام للجمعية الطبية لإعادة تأهيل ضحايا التعذيب"، قبل ان يضيف في حديثه لـ"تيل كيل عربي"، إن الغاية من إقامة هذا الحفل بالأساس، " الحفاظ على الذاكرة الحية للأجيال الصاعدة؛ فالتاريخ الحقيقي غير مكتوب، لذا نحاول أن نُسمعه اليوم للجميع. وما نريده وما نتمناه أن يكون هذا التاريخ ممنهجا في المدارس وفي الكتب والإعلام. لأن الشباب حاليا بعيد كل البعد عن تاريخ المغرب الجدي، ولا يعرف أن هناك تضحيات قدمها المغاربة"، يشدد المانوزي.
علي بونعيلات، ابن الراحل، ألقى كلمة على مسامع الحاضرين، نعى فيها والده، باسم العائلة، وشكر كل رفاقه المقربين، على رأسهم عبد الرحمن اليوسفي والمانوزي.
وأعاد ابنه التذكير بما كان يقوله بونعيلات في حياته: "الاستقلال كان ناقصا، حيث أن أبناء بعض الخونة هم الذين وصلوا إلى المراكز الحساسة في البلاد". كما لم يفت "أجار الابن"، أن يمرر رسائله ومعاناة العائلة جراء "التهميش وغياب التغطية الصحية"، وهو الوضع الذي لا يزالون يعانون منه "رغم ما قدمه الوالد للوطن".