عقّدت النقابة الوطنية للصحافة المغربية، أمس الثلاثاء، ندوة وطنية حول التنظيم الذاتي للمهنة وأخلاقيات مهنة الصحافة، بالدار البيضاء.
خبراء
وخصصت الجلسة الأولى لمناقشة التنظيم الذاتي للمهنة: التجربة، الأسئلة، والتطلعات، سيرها عثمان النجاري، رئيس المجلس الوطني الفيدرالي للنقابة، وتدخل فيها يونس مجاهد، رئيس اللجنة المؤقتة لقطاع الصحافة والنشر، وأنطوني بلانجي، الكاتب العام للفيدرالية الدولية للصحافيين، وحسن الهيتمي ممثلا للجمعية الوطنية للإعلام والناشرين، والخبير في الإعلام مايكل جيبمسن من بريطانيا، وتعقيب حنان رحاب، نائب رئيس النقابة الوطنية للصحافة المغربية.
أما الجلسة الثانية، تطرقت إلى أخلاقيات الصحافة في مواجهة مد مواقع التواصل الإجتماعي، واستمع الحاضرون لمداخلات جيم بوملحة عن الفيدرالية الدولية للصحافيين، وضيف النقابة مايكل جيبمسن من بريطانيا، والخبير المختص لدى الاتحاد الدولي للصحافيين، منير زعرور، وتعقيب حنان رحاب، نائب رئيس النقابة الوطنية للصحافة المغربية.
تجويد البيئة الإعلامية
وقال عبد الكبير اخشيشن، رئيس النقابة الوطنية للصحافة المغربية، في بداية الندوة، إن "النقابة انطلاقا من هذه الندوة الوطنية الكبرى شرعت في تنزيل أحد عناصر الخطة الاستراتيجية التي أقرها المؤتمر الوطني التاسع لنقابتنا، عبر مساءلة منظومة القوانين المنظمة للعمل الصحفي، وذلك في سياق المجهود الوطني المبذول لإصلاح قطاع الصحافة وتجويد البيئة الإعلامية وتكتسي مساءلة التجربة التي مرت في تنزيل القوانين المشكلة لمدونة الصحافة والنشر، فرصة للوقوف عن قرب على الثغرات التي أفرزتها الممارسة في القوانين الثلاثة".
وشدد على أن "هذا الحديث عن مهام الإعلام وأدواره تجاه الدولة والمجتمع يبرز مكانة أولوية الإعلام، وفي ذات الوقت، فرض وضعا يقاس بمؤشر هيكلي وهو النظر في منظومة أخلاقيات الإعلام وآليات التنظيم الذاتي للصحافة، إلى درجة أن الضبط الذاتي يوازي ويعادل موضوعيا الحديث عن وضعية الممارسة الإعلامية بشكل عام. انطلق الاهتمام بالتنظيم الذاتي للصحافة من فكرة مفادها أنه "لن تستطيع أي هيئة رسمية أن تحرص على تحصين حقوق الصحافيين، كما يستطيع الصحفيون أنفسهم".
مجالس الصحافة
ولفت إلى أن "الصراع الدائم بين السلطة التي تسعى إلى توسيع دائرة الرقابة، وبين الصحافيين الذين يخوضون معارك تشريعية لتحصين حقوقهم، دفع باتجاه "التنظيم الذاتي للصحافة". لهذا، تعود أهمية التنظيم الذاتي إلى سعي الإعلاميين لتجنب إصدار قوانين تؤثر على حرية الإعلام من غير المتخصصين في المهنة، وحتى يشارك الصحفيون والإعلاميون بوعي في صياغة النصوص القانونية والتنظيمية التي تهم حرية الفكر والرأي والتعبير والصحافة والنشر، والحصول على المعلومات وتداولها وحرية امتلاك الوسائل الإعلامية".
وأكد أن "مجالس الصحافة تساهم في بناء الثقة والمصداقية في وسائل الإعلام، وأيضا تشكل محركا لتحسين معايير الجودة، ومنع تدخل الدولة والسلطات الأخرى في الشأن الإعلامي، كما تساهم في تقليل عدد الدعاوى القضائية المرفوعة ضد الصحفيين والمؤسسات الإعلامية".
ونبه إلى أنه "توجد أشكال متعددة من التنظيم الذاتي في مجال الصحافة، حسب خصوصيات البيئة الوطنية لكل مجتمع، مع الأخذ بعين الاعتبار أنها يجب أن تراعي، مقتضيات حرية الصحافيين وضماناتها واحترام حق الصحافيين والمؤسسات الإعلامية بشكل عام في التنظيم الذاتي لمهنتهم في المقام الأول، وثانيا، تراعي مقتضيات مسؤولية الصحافيين المجتمعية، أي قبولهم الطوعي بمبدأ المساءلة والأخذ بعين الاعتبار حق المواطنين في حماية أنفسهم من الإعلام عندما يتحول إلى سلطة غير ديمقراطية وغير شفافة".
وأشار إلى أن "التنظيم الذاتي" للصحافة يختلف عن تنظيم الإعلام السمعي البصري، حيث إن الأخير يتم عادة تنظيمه بموجب قوانين وقرارات صادرة عن السلطات والهيئات المعنية بهذا النوع من الإعلام. ولهذا فإن الصحافة المكتوبة (الورقية) والالكترونية مبدئيا هي المعنية، فقط، بالتنظيم الذاتي. وهو المنطق نفسه الذي نهتدي به للحديث عن آلية التنظيم الذاتي في التجربة المغربية، حيث سيتم الاقتصار على آلية المجلس الوطني للصحافة دون الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري".
أخلاقيات الإعلام
وأبرز أن "أخلاقيات الإعلام وأساليب الضبط الذاتي للإعلاميين تعرضت لعقبات متعددة منذ ظهور الصحافة، ولذلك ارتباط بالنظم الإعلامية التي ظهرت في دول العالم عبر الزمن، ولا تشكل التجربة الوطنية استثناء بهذا الخصوص. وسوف نستعرض في تركيز حالة أخلاقيات الإعلام وأساليب الضبط الذاتي للصحفيين والإعلاميين في التجربة المغربية، مبينين خصائص هذه التجربة من حيث مكتسباتها وإكراهات ومظاهر محدوديتها".
العمالقة الست
وأوضح محمد الهيتمي، قيادي بالجمعية الوطنية للإعلام والناشرين، إن "العالم أصبح في قبضة منصات ومواقع لا تنتج الخبر لكنها تتحكم في قنوات تصريفه والوصول إليه. هذا معطى موضوعي بمعنى أن هذا الاستحواذ فرض قوانين جديدة للعبة يجب الإذعان لها. والعمالقة الخمس أو بالأحرى الست إذا أضفنا تيك توك يتحكمون فيما يقارب %80 من مداخيل الإعلانات، إمكانياتهم هائلة ويغيرون قوانين اللعبة متى رأوا أن الأمور ليست في صالحهم".
وأكد أن "الهم الأول للمقاولة الصحفية أصبح هو كيفية تكوين مجموعة وفية للموقع Audience و المتتبعين Followers. المحتوى السمعي البصري وكل التقنيات التي لا داعي لذكرها أصبحت من لوازم المقاولة الصحفية".
المؤثرون
وأشار إلى أنه "ظهور متدخلين جدد استوعبوا بذكاء ما توفره المنصات والشبكة العنكبوتية، إنهم المؤثرون. هناك منهم من يحقق حجم مبيعات يتجاوز ما يحققه ثلاثة ناشرين مجتمعين أو أكثر لدرجة أن إدارة الضرائب أفردت مصلحة خاصة لملاحقتهم وتضريبهم".
التحصين
وشدد على أن "هذه الوضعية فرضت واقعا قانونيا جديدا ونحن بصدد التحصين القانوني. هل الترسانة القانونية قادرة على التصدي للسطو وحماية الملكية الفكرية؟ حتى لو افترضنا أن القانون المغربي والمحاكم المغربية ستردع المخالفين، لكن ما العمل مع المواقع والأشخاص في الخارج؟ وكيف سندافع عن أنفسنا أمام هؤلاء العمالقة؟ هناك نقاش كبير في دول الاتحاد الأوروبي عن الحقوق المجاورة droits voisins سأعود إليه لاحقا".
وأبرز أن "التحصين القانوني يفرض كذلك إجبار عمالقة الإنترنت على الدخول في مفاوضات مع الدولة من أجل تعويض منتجي المحتوى عن الأضرار التي تلحقها بهم جراء استغلالها دون مقابل، كما هو الشأن بالنسبة للاتحاد الأوروبي".
تنقية الساحة
ونبه إلى أن "التحصين يمر كذلك عبر تنقية الساحة. لا يجب أن نخلط بين الظروف الاجتماعية للأشخاص الذين نتضامن معهم وبين الإبقاء بطريقة مصطنعة على مقاولات لا تستوفي شروط العمل حسب المتطلبات الموضوعية وبالتالي لا تستحق الحصول على أموال عمومية للدعم، لدعم ماذا؟".