يكشف توفيق أبطال، رئيس قسم الرعاية الصحية لفائدة السجان بالمديرية العامة لإدراة السجون وإعادة الإدماج، حقيقة تفشي فيروس "كورونا" المستجد في سجن ورزازات وباقي السجون المغربية، ويبسط مختلف الإجراءات التي قامت بها المندوبية للحيلولة دون وقوع كارثة حقيقية داخل المؤسسات السجنية.
هل يمكن أن تطلعنا على آخر تطورات "تفشي" فيروس "كورنا" المستجد داخل المؤسسات السجنية؟
أولاً يجب التأكيد على أن المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج، تتواصل مع الرأي العام بشأن الحالة الوبائية في السجون، وكل ما يصدر يتم في شفافية تامة، ولا نخفي أي تطور للوضع وأي حالة مؤكدة أو مشتبه في إصابتها نعلنها.
لدينا الآن انتشار للوباء في ورزازات وبلغت عدد الإصابات المؤكدة 242 حالة، و3 حالات في السجن المحلي القصر الكبير وحالتين في طنجة، وحالة في تطوان, استفاد صاحبها من السراح المؤقت من أجل تلقي العلاج في المستشفى، أي أن المجموع إلى غاية إجراء هذا الحوار معكم هو 248 حالة إصابة مؤكدة بفيروس "كورونا" المستجد.
ما هو الوضع الصحي لهذه الحالات؟ وهل هناك حالات حرجة أو خطرة؟
كل الحالات سواء تعلق الأمر بالنزلاء أو موظفي المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج، في مراحل متقدمة من العلاج.
النتائج المخبرية التي نتوصل بها تؤكد أن حالتهم مستقرة وسوف يتماثلون للشفاء قريباً، ونؤكد أننا نتابع هذه الحالات بشكل يومي.
أين تتم عملية علاج المصابين خاصة الذين أًصيبوا في سجن ورزازات بالفيروس؟
سجيل عدد كبير من حالات الإصابة بالفيروس في سجن ورزازات، والتي بلغت كما ذكرت في السابق 242 حالة، قمنا بتحويل السجن إلى مستشفى ميداني، تحت إشراف وزارة الصحة، وبتنسيق مع السلطات المحلية، واعتمد العلاج وفق البرتوكول العلاجي.
وما دفعنا لإتخاذ هذا القرار هو ضعف الطاقة الاستعابية الإيوائية لمستشفى ورزازات، لذلك وضعنا كافة الإمكانيات كي يتم علاجهم داخل السجن.
لكن هل فضاء السجن مؤهل للقيام بهذا الدور الصحي في علاج حالات من فيروس فتاك وسريع الإنتشار؟
مذكرة وزير الصحة بتاريخ 15 مارس، تؤكد أن علاج الحالات المصابة بفيروس "كورونا" المستجد يتم في الأصل في الوحدة الاستشفائية، لكن كما قلت في السابق، العدد الكبير للمصابين في سجن ورزازات فرض إنشاء مستشفى ميداني.
ومن أجل تتبع هذه الفئة تم تجهيز المستشفى الميداني بجميع المعدات والآليات الضرورية لتتبع المصابين وعلاجهم، كما تم تسخير الأطر الطبية وشبه الطبية التابعة لوزارة الصحة.
هذا الإجراء، مكننا من ترك الأطر الطبية في السجن المحلي لورزازات لمهمة تدبر الشأن المحلي لصحة النزلاء الذين يصابون بأمراض عادية، لأن أطر المندوبية بسبب قلتهم، لا يجب أن يدخلوا في مسار الكشف عن "كورونا" المستجد وعلاجه، مخافة انتقال العدوى لهم، لذلك يجب أن يشتغلوا وفق المسار العادي.
ونحن مطمئنون لأنه كما ذكرت سلفاً، ليس هناك أي حالة مستعصية.
قلتم إن الأطر الصحية عند المندوبية قليلة، ألا يشكل ذلك عائقاً في سياق الظروف الصحية التي تمر منها البلاد؟ وهل اتخذت إجراءات لتجاوز هذا الوضع؟
من ناحية التأطير الطبي والصحي، المعدل عندنا في المغرب هو أن هناك طبيب لما بين 800 إلى 900 نزيل.
الواقع هو أن هناك عزوفا من طرف الأطر الصحية على الاشتغال في المركبات السجنية. سوف أعطيكم مثالاً حياً وقريبا، فتحنا العام الماضي الباب أمام 25 منصب شغل لفائدة الأطر الصحية، تقدم لها 36 إطارا صحيا. طبعا، نجح من بينهم 25 إطارا. تم استدعاؤهم من أجل الخضوع للتدريب، لكن حضر 12 شخصا فقط. هؤلاء خضعوا للتدريب لمدة شهر في مركز التكوين بتيفلت، إضافة إلى شهر تطبيقي في المؤسسات السجنية، وبدؤوا عملهم أواخر سنة 2019،
الآن 5 أطر منهم قدموا اسقتالتهم، ما يعني أننا تمكنا فعليا من توظيف 7 أطباء فقط، هناك عزوف كما قلت عن العمل في السجون، رغم أن المندوبية تخصص مناصب كبيرة سنوياً.
وبسبب هذا الوضع نلجأ للبديل، وهو التقاعد مع القطاع العام أو الخاص، لسد الخصاص الذي تعاني منه السجون من حيث التأطير الصحي والطبي، وهنا أيضاً نسجل قلة في التفاعل، بسبب التعويضات التي تظهر لهم أنها قليلة، ونلجأ لخيار ثالث هو الاستعانة بأطباء من المراكز الصحية القريبة من أجل مهام الرعاية والتأطير الصحي.
في بداية ظهور جائحة فيروس "كورونا"، أعلنت المندوبية عن إجرءات صارمة لمنع تسلسل الفيروس إلى المركبات السجنية. ماذاً وقع حتى سجلت الإصابات خاصة بذلك الشكل الكبير في ورزازات؟
عندما نتحدث عن الاجراءات الوقائية والاحترازية، فهامش الخطأ الصفر لم يكن واردا عندنا وغير موجود أصلا، نحن قمنا بها للتقليل من دخول الوباء إلى المركبات السجنية.
هناك عدة عوامل ساهمة في وصول الفيروس إلى السجون، وهي انتقاله من عائلات النزلاء، ولذلك منعت المندوبية الزيارات بشكل مطلق، كما أنه وصل إلى الموظفين، ولذلك فرضنا العمل بالمداومة على أساس الحجر الصحي، كما أن حركية النزلاء من المركبات السجنية إلى المحاكم لحضور الجلسات ثم عودتهم ودخول نزلاء جدد كانوا في حالة سراح، كلها عوامل صعبت إلى حد كبير من محاصرة الفيروس وابقائه خارج أسوار السجون.
ما هي الإجراءت التي اتخذت لوقف هذا الخطر؟
أولا، كما قلت منعت، أو بتعبير أصح، علقت الزيارات إلى حين انتهاء فرض حالة الطوارئ الصحية.
وفي ما يخص فوج الموظفين الذي يؤدي مهامه الآن، فقد تأجل خروجه الذي كان مقررا قبل 11 يوماً. أجلنا التحاق فوج آخر، وسوف يبقى الفوح الحالي داخل المؤسسات السجنية لمدة شهر، وهذا راجع بالأساس إلى الحالات التي سجلت في السجن المحلي لورزازات.
كما اتخذنا إجراءات أخرى، تخص جميع الموظفين، وهي اخضاعهم للتحليلات، وتمكينهم جميعا من الكمامات وواقي الوجه، وبالنسبة للموظفين الذين لهم احتكاك مع النزلاء تم تزويدهم بالألبسة الخاصة.
وهناك إجراء آخر يهم الفوج الثالث المرتقب دخوله لتسلم مهامه، إذ بتنسيق مع وزارة الصحة والسلطات، سنقوم بإحداث منطقة عزل، مخصصة للحجر الصحي في مكان خارج سجن، أي أننا سنوفر لهم ظروف البقاء بعيدا عن أسرهم ومحيطهم إلى حين التأكد التام من عدم تعرضهم للعدوى، ونحن بصدد إعداد أمكان العزل هذه.
إجراء العزل هذا سيشمل الموظفين الذي يعملون في المركبات السجنية التي سجلت فيها إصابات بالفيروس، أم إجراء شامل؟
هذا الإجراء عام وشامل على جميع المؤسسات السجنية، وحددنا مدته في شهر، لأننا حددنا هدف الوصول إلى 20 ماي بدون إصابات داخل السجون، وهذه تضحية كبيرة يجب أن نشكر عليها موظفي المندوبية.
هذا في ما يخص الموظفين، ماذا عن النزلاء؟
بالنسبة للنزلاء، سيتم خلال الأيام القادمة تزويدهم جميعا بالكمامات. أما السجناء الذين يعملون "ككلوف" (مجموعة من النزلاء يتم اختيارهم بناء على معايير وفق للقانون، يساعدون في تدبير المؤسسات السجنية ويحصلون على تعويضات مقابلها) هذه الفئة نمنحها مواد الحماية بالإضافة إلى الكمامات وواقي الوجه وبذلة الوقاية.
كما تم أخذ عينات من جميع المؤسسات السجنية لإخضاعها للتحليل، من أجل الرصد المبكر لحالات الإصابات المشتبه بها.
حالة الطوارئ الصحية فرضت توقيف المئات من المتهمين بخرفها، وبذلك هناك وافدون جدد على المركبات السجنية من مدن ينتشر فيها "كورونا" المستجد. كيف تتعاملون مع هذه الفئة؟
بنسبة لهؤلاء، نحن بصدد إعداد ورقة مرجعية مع وزارة الصحة، تفرض إجراء تحليلات لفئة منهم، وإن لم تكن لهذه الفئة أية أعراض، والأكيد أن نسبة منهم سوف تخضع للتحليلات قبل ايداعها بالمؤسسات السجنية.
بالنسبة للحالات التي يشتبه في إصباتها بالفيروس، يتم التنسيق مع وزارة الصحة مباشرة وتتكلف بهم.
أما السجناء الذين يأتون من حالة سراح، يعني من هم خارج دائرة التوقيف بسبب خرف حالة الطوارئ الصحية، فبدورهم سوف يخضعون لإجراءات احترازية ووقائية، ولكن يجب أن نؤكد أننا لا يمكن أن نوفر العزلة لكل معتقل جديد، ما قمنا به هو إنشاء غرف بعدد أسرة محدودة لإيداع هؤلاء.
أما النسبة لمن يخرجون للمحاكم، فتم تجهيز 68 مؤسسة سجنية من أصل 77 مؤسسة، بفضاء يتوفر على جميع الإمكانيات للتقاضي عن بعد، من أجل الحد من خروج النزلاء.
بالعودة إلى قلة الأطر الصحية في المسؤسسات السجنية، وانشغال باق أطر الصحة العمومية بالجائحة، كيف تدبرون التتبع الصحي والطبي للسجناء الآخرين؟
هناك 25 مؤسسة سجنية طاقتها الإستعابية صغيرة، مثل الشاون أو ميسور التي تضم من 12 إلى 15 نزيلاً، هؤلاء وزارة الصحة هي التي سوف تتكفل بهم، وهناك اتفاق شفوي مبدئي مع الوزارة حوله، إذ يتم تكليف أطر طبية تقوم بزيارة هذه المؤسسات وفق برنامج متفق عليه مع مدرائها.
كما سنعتمد التطبيب عن بعد في مجموعة من المؤسسات السجنية، وإن كانت الضرورة تفرض نقل النزيل إلى المراكز الصحية نقوم بذلك، وبالنسبة للمستعجلات هناك أطباء يتكلفون بها.
أما المستخدمون الذين التحقوا بالمؤسسات السجنية، منذ تفويت التغذية للقطاع الخاص منذ أكثر من سنتين، فأخضعناهم بدورهم للحجر الصحي، وتم أخذ عينات لهم من أجل التحاليل، وكلهم يرتدون البذلات الواقية والكمامات، والأطباء التابعين للمندوبية يسهرون على احترام إجراءات الوقاية والسلامة.
بما أنك تطرقت لموضوع التغذية داخل السجون، كيل يتم تكبيرها في ظل ظروف الجائحة؟
كماً وكيفا، هناك تغيير كبير في التغذية داخل السجون، وأيضا في طريقة تحضيرها، وبمناسية شهر رمضان، احترمنا عادات التغذية لتلائم شهر الصيام سواء بالنسبة للموظفين أو النزلاء.
وهذه الإجراءات هي مجهودات كبيرة يقوم بها موظفو المندوبية يومياً، والمستخدمون الذين يشرفون على إعداد الوجبات، وأكرر أنه لا يمكن أن نقول إن هامش الخطأ صفر، لكننا معبئين من أجل التصدي للوباء.
ماذا عن النزلاء الذين يعانون من الأمراض المزمنة أو المسنين؟
نعم، يجب الاعتناء بالفئات الهشة صحياً في هذه الظروف ، وقمنا بالإجراءات مع وزارة الصحة، ونحن نعمل على حسب الإمكانيات من أجل عزل هؤلاء تماماً ووضعهم في أجنحة خاصة بهم.
هل ترون أن هذه الإجراءات أدت مهمتها ومنعت انتشار فيروس "كورونا" المستجد وسط السجناء وموظفي المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج؟
أقول لكم بكل مسؤولية، لو لم تبدل المندوبية كل هذه المجهودات ولو لم تقر كل هذه الإجراءات، لكنا أمام كارثة يصعب احتواؤها.
عدد المؤسسات السجنية التي تسلسل إليها الفيروس قليل جداً، وعدد الإصابات المؤكدة أراه محدودا ، وأنا أرفض قول عبارة تفشي الفيروس. لو لم نتخذ هذه التدابير والإجراءات لكان الواقع اليوم مغايراً.