"تيل كيل عربي" ينشر تفاصيل دراسة رسمية حول الرشوة في قطاع العقار والتعمير

أحمد مدياني

ماهي مخاطر الرشوة في قطاعي التعمير والعقار؟ كم تشكل نسبتها؟ ما هي المدن التي تتضرر بشكل أكبر من رواج هذه الممارسة؟ ما هي مستويات المخاطر وتأثيرها على حياة المواطنين ومشاريع الدولة في القطاع؟ وكيف هو أداء آليات المراقبة والتبليغ عن الرشوة في القطاع؟

أسئلة وأخرى تجيب عنها دراسة أنجزتها وزارة  إعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان وسياسة المدينة، دامت 18 شهراً، وحصل "تيل كيل عربي" على نتائجها وخلاصاتها.

الدراسة التي يقدم الوزير عبد الأحد الفاسي في هذه الأثناء نتائجها في ندوة صحافية منظمة بالرباط، تم انجازها عبر أربع مراحل، هي: "تشخيص الرشوة في قطاعي التعمير والعقار؛ تحديد المخاطر الرئيسية المتصلة بها؛ إعداد خريطة المخاطر حسب كل مجال؛ ووضع إستراتيجية هادفة وخطة عمل معتمدة على خرائطية مخاطر الرشوة".

آلية إنجاز الدراسة

وغطت الدراسة المدن التي تشهد أكبر دينامكية عقارية في المغرب وهي الرباط والدارالبيضاء وطنجة ومراكش وفاس. كما اعتمدت على استجواب كافة المتدخلين في القطاع، عبر لقاءات داخلية وخارجية، همت الأولى أطر الوزارة والثانية  شركاءها المؤسساتيين والمهنيين الممثلين للفدراليات الخمسة الموقعة على الاتفاقية الإطار حول الوقاية من مخاطر الرشوة في مجالي التعمير والعقار.

بالإضافة إلى اعتماد الوزارة على تحليل وثائقي مبني أساسا على منجزات الوزارة في مجال التواصل والدعائم ووسائل التواصل المرتبطة بها وذلك في أفق تحليلها كميا ونوعيا.

وشملت الدراسة تحديداً المديريات المركزية للوزارة ؛ الوكالات الحضرية؛ المديريات الجهوية للإسكان وسياسة المدينة؛ الجماعات الترابية؛ الجمعيات والفدراليات المهنية؛ مهنيو القطاعين: المنعشون العقاريون والمهندسون المعماريون...؛ وعينة من المواطنين.

ظاهرة معقدة وخوف من التبليغ

وخلصت دراسة وزارة  إعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان وسياسة المدينة، إلى أن "الرشوة في قطاعي التعمير والعقار، تعتبر ظاهرة معقدة وتتخذ أشكالا وأبعادا مختلفة حسب السياق والإطار الذي تمت فيهما، كذا الدوافع المرتبطة بها.

وتتحدد أهم الأشكال  الرئيسية للرشوة، كما حددتها الدراسة،  في "الارتشاء  والابتزاز والغش والمحسوبية وتحويل الممتلكات/ الخدمات العامة. ويعتبر الارتشاء و ثمن البيع غير المصرح به أهم أشكال الرشوة انتشارا بنسبة 78 في المائة من الحالات التي تم إحصاؤها".

وعن وعي المتضررين من الروشة بضرورة التبليغ عنها، رصدت الدراسة أن "امتناع المواطنين عن التبليغ عن حالات الرشوة التي واجهوها، راجع بالأساس إلى الخوف من المشاكل التي قد تعترضهم أو الاعتقاد بأن ذلك لن يغير في الأمر شيئا"،  غير أن أكثر من50 في المائة  من المستوجبين، تضيف الدراسة يعتقدون أن "المجهودات المبذولة أسهمت في محاصرة الظاهرة، وأعطت بعض النتائج، ذلك أن الوعي بخطورة هذه الظاهرة، عن طريق حملات التحسيس، يعتبر أهم مؤشر في نظر أكثر من  30  في المائة من العينة المستوجبة".

وتقول الدراسة إنه "من خلال التشخيص، يستنتج أن الصورة النمطية السائدة هي أن ظاهرة الرشوة شائعة في قطاعي التعمير والعقار ولكن خلافا لذلك، كشف البحث الميداني الذي تم انجازه، أن العينات من الحالات المعاشة تكشف واقعا آخرا حيث تم تسجيل فجوة  بين الصورة النمطية و الواقع".

وتعود ظاهرة الرشوة في قطاعي التعمير والعقار إلى  عوامل مختلفة أهمها مرتبط بـ:

*ضعف آليات الحكامة والتتبع والمراقبة؛

*نواقص وثغرات في الإطار القانوني والتنظيمي؛

*المساطر التي تبقى غير معروفة في كثير من الأحيان  من طرف المرتفقين ولا تحترم أثناء عملية تنفيذها ؛

*البيئة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية لضحايا الرشوة التي تتسم بالهشاشة وفقدان الثقة لدى المواطن في الخدمات المقدمة من طرف الدولة.

ثلاث مستويات من المخاطر 

للرشوة أثار متعددة وذات طابع اقتصادي واجتماعي وثقافي، حسب نتائج دراسة الوزارة الوصية على قطاع التعمير والعقار.  وكما جاء فيها فإن الرشوة "تؤثر سلبا على القدرات المالية للضحايا وتعرقل الاستثمار وتعوق القدرة التنافسية للشركات وتضرب العدالة الاجتماعية وتنتهك حقوق الإنسان وشرعية  الدولة. كما أن الرشوة تمس المشهد الحضري وتساعد على انتشار الأحياء غير القانونية وتهدد أمن المواطنين".

وقدمت الدراسة خرائطية للمخاطر تحدد بطريقة منظمة، المخاطر المحتملة أو الفعلية كما تسمح بترسيم وترتيب المخاطر حسب خطورتها وحرجيتها. وقد تمت صياغتها حسب مراحل أربعة:

*تحديد مخاطر الرشوة؛

*توصيف المخاطر؛

*خرائطية المخاطر؛

*خطة العمل لمعالجة المخاطر.

وهكذا، توضح الدراسة ذاتها، تم تحديد 101 من المخاطر المحتملة همت المجالات الأربعة  المحددة. 7 مخاطر خاصة بالتخطيط الحضري و5 بمجال إعداد الوعاء العقاري و57 في ميدان البناء والأشغال و32 في مجال التسويق والتوزيع .

وبالنسبة  لتوصيف هذه المخاطر فقد هم احتمال حدوثها، ومستوى تأثيرها، ودرجة حرجيتها، ومستوى التحكم.

واعتمدت الدراسة في إعداد خرائطية المخاطر على "عنصر أساسي هو الجمع بين إثنين من المعايير يتمثلان في درجة الحرجية ومستوى التحكم". ومكن الجمع  بين المعياريين، حسب نتائج الدراسة من تصنيف المخاطر إلى ثلاث فئات:

*مخاطر صغرى؛

*مخاطرمتوسطة ؛

*مخاطركبرى.

وقد أظهر تقييم مخاطر الرشوة المرتبطة بقطاعي التعمير والعقار، حسب المعيار المعتمد، أن ما يقارب 50 في المائة من المخاطر صنفت بأنها مخاطر متوسطة وأن 13  في المائة من المخاطر وصفت بأنها مخاطر كبرى.  وترتبط المخاطر الكبرى أساسا ببرامج الدولة في مجال السكن والإنعاش العقاري والبناء الذاتي كذا التدبير الحضري.

آليات للوقاية

ومن بين ما حملته نتائج دراسة خطة عمل للوقاية من الرشوة في قطاعي التعمير والعقار، قالت الوزارة الوصية على القطاع أنها تنسجم مع توجهات الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد، وتهم  تسعة أوراش مهيكلة:

*تحسين الولوج للمعلومة؛

*تقوية آليات الحكامة والتتبع والتقييم في مختلف المجالات المرتبطة بالتعمير والعقار ؛

*تحسين وتحديث الخدمات التي تقدمها الإدارة لفائدة المواطن؛

*تعزيز آليات المراقبة؛

*وضع مدونات أخلاقيات المهنة وحسن السلوك موجهة للمهنيين وموظفي القطاع العام؛

*تقوية وتحسين الإطار التنظيمي والتشريعي والمعياري؛

*رصد حالات الفساد وزجر الفاعلين ؛

*التواصل والتحسيس والمشاركةالمواطنة ؛

*التكوين وتقوية قدرات الفاعلين العموميين.

وقد تمت ترجمة هذه الأوراش، تضيف نتائج الدراسة، إلى 35  تدبيرا عمليا. و"بغية تحديد درجة أولوية هذه المشاريع، فقد تم تصنيف كل مشروع على أساس معيارين اثنين للتحليل (مستوى التأثير ومستوى صعوبة التنفيذ)".

وهكذا تم اعتماد 8 مشاريع باعتبارها ذات أولوية وهي:

*تقوية/وضع آليات الاستقبال والتوجيه داخل الإدارات الأساسية العاملة في قطاعي التعمير والعقار؛

*تحديث الشبابيك الوحيدة وتعميمها على مجموع التراب الوطني؛

*إعداد دلائل ووسائط عملية للمساعدة على تبسيط المساطر الادارية المرتبطة بقطاعي التعمير والعقار والتعريف بها.

*تقوية قنوات التبليغ عن الرشوة (الهاتف، التبليغ المباشر...)؛

*تعميم التدبير اللامادي لمجموع الخدمات المرتبطة بالتعمير والعقار؛

*وضع نظام معلوماتي لتتبع ومراقبة مساطر الاستثناء؛

*وضع نظم تدبيرية قائمة على المردودية (عقود الاهداف/الوسائل، علامات وشهادات الجودة للإدارات...)؛

*إرساء هيئة للقيادة ووضع آلية "مكتب تدبير المشاريع"-  PMO- لتتبع خطة عمل الوقاية من مخاطر الرشوة ومكافحتها في قطاعي التعمير والبناء.