لا يأبه سكان أولاد عياد للروائح النتنة المنبعثة من مطرح النفايات المحاذي لمصنع السكر الشمندري الواقع على مدخل البلدة، وروائح تدفق مياه الصرف الصحي التي تخترق الحقول، ما يجعل عملية التنفس أمرا صعبا مع درجة حرارة تفوق الأربعين. فعلى جانب الطريق الوطنية رقم 8 الرابطة بين فاس وأكادير، تتواجد بلدة ذاع صيتها عالميا في الآونة الأخيرة، بسبب تفجر قضية "خديجة الموشومة" التي كشفت عن تعرضها لاغتصاب من طرف 12 شخصا، بعد احتجاز وتعذيب... في هذه البلدة يطالب السكان بثالوث بسيط أمن وشغل وترفيه...
خديجة.. يم من المشاكل
في مقهى شعبي في قلب البلدة وتحديدا بحي القدس، جلس مجموعة شبان يتجادلون بين من يتهم الفتاة بالانحراف وبين من يرى فيها ضحية للمتهمين وضحية للوضع الاجتماعي والاقتصادي في البلدة، لكن الطرفين يجمعان في الوقت نفسه على أن الطرفين المتصارعين في هذه القضية (الفتاة والمتهمين 12) ضحايا لوضع بئيس، حيث تغذي البطالة الجريمة ويسود الفراغ القاتل أوقات الشباب في هذه البلدة التي يقدر تعداد سكانها بـ35 ألف نسمة.
يقول خالد دعنون وهو رجل تعليم وإطار جمعوي "أعتقد أن المعالجة الإعلامية للقضية، ركزت بشكل كبير على الجانب الفضائحي أكثر من معالجتها بعمق لأصل الإشكال، في ولاد عياد هناك تذمر كبير من الوضع الأمني، نعيش في وكر للجريمة منذ سنوات، وهناك انتشار مهول لتجارة الحبوب المهلوسة والمخدرات، لقد تحولت ولاد عياد منذ أن دخلت مدينة سوق السبت ولاد النمة المجاورة إلى المجال الحضري، إلى ملجأ لكل المجرمين والجانحين في الجهة".
جبل وكهوف ومخدرات
في هذه البلدة الصغيرة التي شكلت تاريخيا في القرن الخامس عشر نقطة صراع بين قبائل نتيفة الأمازيغية وقبائل بنو هلال العربية المتمركزة في الشاوية، ينتصب جبل ليفصل بين حدود إقليم لفقيه بنصالح وإقليم أزيلال، ويرى سكان البلدة أن موقعهم هذا جر عليهم ويلات كثيرة.
حتى بالنسبة لأكثر السكان المحافظين الذين يرمون الفتاة خديجة بأقبح النعوت، لكنهم في الوقت ذاته لا يبرؤون المتهمين بالاغتصاب، فإنهم يلقون باللائمة في ما جرى على وضع البلدة الاقتصادي والاجتماعي، يقول الشاب مهدي الذي يتشغل نادلا بأحد المقاهي الشعبية، "خديجة ليست الوحيدة، ففي شهر أكتوبر الماضي ألقى بعض السكان القبض على شخص حاول اختطاف فتاة من أمام إعدادية عبدالله بن ياسين، مشكلتنا في ولاد عياد هي تفشي الجريمة وانتشار مروجي المخدرات والماحية (ماء الحياة)، ولاد عياد تجمع اليوم كل جانحي الجهة، وأغلبهم قدم من الفقيه بنصالح ومن سوق السبت ولاد النمة بل هناك من قدم حتى من بني ملال".
يوضح خالد دعنون بأن ما يعتبره " انفلاتا أمنيا"تعيشه المدينة راجع بالأساس إلى النقص الكبير في الموارد البشرية للدرك الملكي ويقول "لا يعقل أن هناك 20 دركيا بسيارتين فقط، واحدة رباعية الدفع والأخرى عادية، سيؤمنون الحماية لـ35 ألف نسمة في البلدة دون الحديث عن الدواوير المجاورة، منذ سنوات ونحن نطالب بإدخال تراب المدينة في المجال الحضري، لتدخل عناصر الشرطة عوض الدرك، لكن إلى حدود اليوم لم يتغير أي شيء".
بغينا البوليس...
يشكل دخول الشرطة إلى المدينة أحد أبرز مطالب الساكنة، غير أن الأنكى يتجسد في تخصيص المجلس البلدي للمدينة ميزانية خاصة لاكتراء مقر للشرطة، وهو ما حدث قبل 8 سنوات، إذ يؤدي المجلس منذ سنة 2010 سومة كرائية لصاحب المبنى تقدر بـ3 ملاين سنتيم في الشهر لتبقى فارغة إلى اليوم، يقول دعنون "مجموع ما صرفه المجلس يفوق 250 مليون سنتيم، ولم نحظى بدخول الشرطة بعد".
يشتكي كل من تلتقيهم في ولاد عياد من غياب الأمن ما أدى إلى تناسل الجرائم، السرقة تحت التهديد بالسلاح ومحاولات الاغتصاب والقتل وترويج المخدرات والحبوب المهلوسة.
"من يريد اقتناء الحشيش يقدم من الفقيه بنصالح أو من بني ملال إلى هنا، لقد صرنا عاصمة للإجرام في المنطقة" يفسر الإطار الجمعوي نورالدين سعدون التمركز الكبير للجانحين في المدينة بأنه نتاج للطبيعة الجغرافية والإهمال البشري ويشرح "يشكل موقع ولاد عياد المحاذي لحدود الإقليم ملاذا أمنا للمجرمين، إذ في كل مطاردة من طرف الدرك، يختبئ هؤلاء في مغارات الجبل أو يعبرون إلى تراب جماعة ايت عتاب التابعة لإقليم أزيلال، وهو ما يستلزم من درك أزيلال قطع 25 كيلومتر من أجل الوصول إلى نقطة حدودهم مع ولاد عياد، وهذه النقطة يستغلها المجرمون للفرار".
في الطريق المؤدية إلى ايت عتاب تشكل منعرجات جبلية تنتشر حولها بيوت عشوائية تربة خصبة لتنامي الإجرام، ففي هذا الحي العشوائي المسمى "مصراتة" نسبة لماعاشته المدينة الليبية من فوضى إبان سقوط نظام العقيد معمر القذافي، تشكل حي عشوائي من البيوت الإسمنيتة، المشيدة على بقع أرضية وطرقات غير معبدة، ويعتبر هذا الحي عاصمة المخدرات بامتياز، ووكرا للمروجين، وهو أحد الأحياء التي استعملها المتهمون باغتصاب وتعذيب خديجة كمكان آمن لأفعالهم، إذ تغيب الإنارة العمومية عن الحي، ما يجعله ليلا مكانا لتجمع السكارى والمدمنين، كما أن موقعه القريب والمؤدي إلى قمة الجبل يمنح المرتادين موقعا لمراقبة كل المارة الصاعدين إلى فوق.
كوميسارية مع وقف التنفيذ
يذهب رئيس المجلس الجماعي لمدينة اولاد عياد صالح حنين المنتمي لحزب التجمع الوطني للأحرار أبعد من ذلك ليكشف أن الأنكى لا يتعلق فقط بكراء مقر خاص بالشرطة منذ 2011، بل إن الجماعة وهبت قطعة أرضية لوزارة الداخلية وحفظتها لها وهي بقعة واقعة غير بعيد عن المقر الحالي المكترى في طريق ايت عتاب.
يقول صالح حنين في اتصال مع "تيل كيل عربي" "هو إرث قديم ورثناه عن المجالس الجماعية السابقة، وأتذكر عندما كنت في المعارضة حينها، أننا رفضنا كراء مقر قبل دخول الشرطة إلى ولاد عياد، إذ اعترضنا على صيغة العقد، الذي ضم في بنوده شقا يمنع فسخه".
وكشف الرئيس أنه قام بمراسلة للمديرية العامة للأمن الوطني السنة الماضية، بعدما استشار بخبراء قانونيين لبحث فسخ العقد، وقال "هددت بفسخ العقد إذا لم تصبح المدينة داخل المجال الحضري قبل 30 دجنبر 2018، خاصة وأن لجنة من المديرية العامة سبق لها وزارت ولاد عياد حيث طلبت من مالك المقر القيام بإصلاحات في البناية حتى تكون ملائمة لمقر للشرطة، وهو ما جرى دون أن نرى رجال الشرطة في المدينة، اليوم يكلفنا كراء المقر 3 ملايين سنتيم شهريا ليبقى المقر مقفلا، إذ تستغله مصالح الأمن في تثبيت لواقط هوائية خاصة بها دون دخول رسمي لرجال الشرطة إلى تراب الجماعة".
مصنع سكر لحياة مرة
بالنسبة لولاد عياد والدواوير المجاورة لها هناك ثانوية وحيدة، بنيت في عهد الاستعمار، إضافة إلى إعداديتين اثنتين، وتقع هذه المؤسسات التعليمية في منطقة خلاء تنعدم فيها الإنارة ويمر بالمحاذاة منها مجرى الوادي الحار، في هذه البلدة التي تتوفر على مقلعين صغيرين للأحجار المستعملة في البناء، يشتكي السكان من غياب فرص الشغل، فباستثناء مصنع السكر التابع لشركة "كوسيمار" لا يوجد أي متنفس اقتصادي آخر، إذ تتوزع الأنشطة الاقتصادية بين الفلاحة الموسمية في زراعة الشمندر السكري، ويسود التخوف هذا العام الساكنة، بسب ما اعتبروه سياسة المككنة الجديدة التي أدخلها المصنع ما يهدد بفقدان أكثر من 160 فردا لعملهم الموسمي.
يكشف أحد عمال "كوسيمار" لـ"تيل كيل عربي" حقيقة هذه المخاوف ويقول "عادة يشغل المصنع 300 شخصا بشكل موسمي، خاصة خلال حصد الشمندر، لكن هذا العام سيتقلص هذا العدد إلى النصف، لأن المصنع أدخل آلات جديدة، وبالتالي فإنه سيستغني عن اليد العاملة في المنطقة خلال الموسم المقبل لحصد الشمندر.
يكفي التجول بين أزقة المدينة غير المعبدة أغلبها للوقوف على حقيقة الوضع الاقتصادي في البلدة، فحسب احصائيات المندوبية السامية للتخطيط فإن بلدة اولاد عياد هي الأفقر في المنطقة برمتها (حسب التقسيم الجهوي السابق، جهة تادلة أزيلال)، إذ حصلت حسب أرقام 2014 على أعلى مؤشر في الفوارق الاقتصادية بالجهة والذي بلغ 47,5 في المائة (مؤشر الفوارق جيني)، وهو ما يضعها في خانة افقر الجماعات القروية في المغرب، وتنافسها في هذا المؤشر جماعة ولاد حيمر في إقليم جرادة.
الركود الاقتصادي لا ينحصر في غياب المشاريع التنموية بل أيضا على فقر البنيات التحتية، إذ تعيش محطة لمعالجة المياه المستعملة حالة وقف التنفيذ، فبعد أن كلفت ما يزيد عن مليار درهم، اقترضها المجلس البلدي من صندوق دعم الجماعات المحلية، استوطنت الأعشاب الطيفلية أكبر حوضين بها، فيما استعملها الفلاحون كمقبرة لدرمي الدواب النافق على جنباتها.
بالنسبة لرئيس المجلس الجماعي ولاد عياد فإن إشكالية محطة معالجة المياه العادمة المهجورة راجع بالأساس إلى ما سماه "سوء التسيير" الذي عرفته المجالس السابقة، إذ بدأ بناء المحطة في 2003، غير أن تنبيها من طرف وكالة الأحواض المائية حول تهديد الفرشة المائية للمنطقة التي تعتمد على مياه الري، أدى إلى توقيف المشروع ويقول صالح لحنين "بعد توقف إتمام المحطة، تعرضت لتخريب كبير من طرف مجهولين، كما أن الأرض التي شيدت عليها كانت محل نزاع، إذ المجلس السابق الذي اشتغل في الولاية الممتدة ما بين 2003 و2006، لم ينه عملية نزع الملكية ما صعب عملية إتمامها".
ويضيف حنين أن المجلس الجماعي اليوم بصدد إنهاء نزع الملكية بالتراضي من طرف المالكين بعدما صدرت خبرة لتحديد سعر الأرض، وأن عامل إقليم الحالي يشرف على موضوع محطة المعالجة، إذ عقد ما يقارب 13 اجتماعا منذ بداية السنة، ويوضح "لإتمام إنجاز المحطة نحتاج إلى مبالغ مالية إضافية، إذ أن ا اقترضه المجلس من صندوق الجماعات المحلية لا يكفي بالمرة، حصلنا على 3 ملايير سنتيم من وزارة البيئة وهناك شركاء دموا 300 مليون سنتيم أخرى، ونحن متفائلون اليوم بشأن مستقبل هذه المحطة".
ترفيه بدائي وصفر دار شباب
بحكم قربها من سد بين الويدان تعتبر الأراضي المجاورة في منطقة لفقيه بنصالح هبة هذا السد، إذ تخترق السقايات كل الاراضي بل والشوارع، ففي قلب ولاد عياد يتعتبر ساقية مياه وسط البلدة، لرقي الحقول المجاورة سواء للشمندر أو الفصة أو الزنجلان، لكن بالنسبة لسكان البلدة ليس هذا هو الدور الوحيد لهذه المجاري المائية.
في غياب أي مرفق للترفيه وأمام وجود مركز سوسيواجتماعي مهجور في البلدة، باستثناء ملعب كرة قدمن على أبناء المنطقة أن يدفعوا 50 درهما إن أرادوا استغلاله لساعة من اللعب.
تتحول هذه السقايات إلى مسابح لمواجهة الحر الذي يعتبر السمة المناخية الأبرز في المنطقة، وهو ما أدى في حالات كثيرة إلى غرق أطفال بها، يقول يوسف الشاب العشريني المقعد على كرسي متحرك، وهو أحد رفاق خديجة في الدراسة الابتدائية: "في ولاد عياد نعاني من تجار المخدرات الذين يتخذون من مغارات الجبل المحاذي مخبأ لهم، كما أننا نفتقر لأماكن ترفيهية أو دار شباب أو مسرح، لقد أصبت بمرض التصلب العضلي، ونصفي السفلي مشلول، وأتخوف أن يصيب المرض نصفي العلوي وأبقى عاجزا عن الحركة، لا وجود لجمعيات متخصصة بمثل حالتي".
هذا الفتى العشريني الذي اضطر إلى التوقف عن الدراسة بسبب مرضه كان يرغب في دراسة الموسيقى أو الرسم فقط ليتغلب على وقته الميت، لكن لا وجود لأي مركب ثقافي في البلدة، ويقول "عندما أصبت بالشلل، كنت أقصد عمالة الفقيه بنصالح كل أسبوع لأطالب بكرسي متحرك، وفي كل مرة أتلقى الوعود، ولولا أحد المحسنين الذي تكلف بشراء كرسي كهربائي لما جلست معكم الآن في المقهى".
بالنسة لهذا الشاب العشريني الذي يتحدث بتشاؤم كبير عن وضع بلدته الصغيرة، فإن قضية خديجة هي شجرة كانت تخفي غابة اسمها ولاد عياد، "في بداية الأمر كنت ألوم الفتاة واسرتها، وأعتبر أنها فتاة جانحة، لكن عندما تفجرتت القضية وصرنا نستقبل كل يوم صحافيين ومصورين، اكتشفت أن خديجة أسدت لنا جميعا خدمة كبيرة، لقد لفتت انباه المغاربة لهذا المكان القصي غير البعيد عن المدن الكبيرة (بني ملال وخريبكة)، لهذا فإني اقول لها شكرا".
يقر رئيس المجلس الجماعي بافتقار ولاد عياد إلى مرافق اجتماعية وترفيهية بالبلدة إذ كشف لـ"تيل كيل عربي" أن المجلس سطر مجموعة من المشاريع أبرزها بناء 4 ملاعب للقرب ودار شباب ودار الفتاة إضافة إلأى ملعب كرة قدم كبير خصصت له ميزانية 5 ملايير سنتيم، كما كشف عن مشروع لبناء مسبح بلدي في المدينة الصغيرة، ويقول "المشكل الحقيقي في ولاد عياد هو غياب الوعاء العقاري، إضافة إلى ضعف مداخيل الجماعة، والتي تقدر بمليار و200 مليون سنتيم، تصرف منها 500 مليون سنتيم في أجور الموظفين وتذهب 300 مليون سنتيم كتكاليف للإنارة العمومية، ففي أحسن الحالات نحقق فائضا لا يتجاوز مبلغ 60 مليون سنتيم، وهي غير كافية لإنجاز مشاريع، لذا قرر المجلس الحالي البحث عن شركاء آخرين لتمويل هذه المشاريع".