بسبب حادث سير بسيط بمراكش أصبحت الحياة الخاصة لشفيق لافيد مشاعا على الشبكات الاجتماعية. في هذا الحديث مع "تيل كيل" يعود هذا الشاب إلى ليلة رأس السنة التي عرفت فيها حياته تحولا لم يكن له في الحسبان.
"انتهت حياتي"
كانت صرخة قلب، صرخة يأس.. صرخة ألم، كذلك. لما كان يروي قصته في الهاتف، كان صوته حادا صارخا، وكانت الكلمات تتدفق، والنفس يتقطع. "لقد انتهت حياتي هنا بالمغرب" قال بصوت راعش. في 31 دجنبر المنصرم كان شفيق يحتفل بليلة رأس السنة في أحد فنادق مراكش بشارع الحسن الثاني. يعرف المكان جيدا.. معتاد على "طيراسه" الضاج.. سجادته الحمراء، وأنواره الخفيفة. ولم يحدث أن صادفته مشاكل هنا، حتى هو يرتدي فستانه من الدانتيل وحذاء بكعب عال. فشفيق، المتحدر من خريبكة، "متخنث" (travesti)، ويحب ارتداء ملابس النساء منذ نعومة أظفاره.
بعد انتهاء السهرة، استقل سيارته، وفي الطريق حدث له اصطدام خفيف مع دراجة نارية. "رجعت إلى الوراء لأتأكد من عدم إصابته بسوء". ولكن شرطيا أوقفه وطلب منه النزول. "كنت أعرف أنه إن خرجت بفستان السهرة، ستكون نهايتي لا شك". بعد أن تلكأ شفيق في الخروج، بادر رجل الأمن إلى كسر زجاج السيارة بهراوته وأخرجه بـ"عنف شديد". بسرعة احتشد الناس بسرعة مثيرة تماما مثلما يحتشد الناموس حول مصدر ضوء. في البداية تجمع المتنزهون، ثم جاء الصحافيون بهواتفهم الذكية. "سنقتلك" هدد بعض المحتشدين. وانفلت زمام الأمر من يديه. وبدا في تلك الفيديوهات التي انتشرت كالنار في الهميش، زائغ النظرات، مترنحا، مقيد اليدين.
في مركز الشرطة طلب منه شخص بزي الشرطة الوقوف ليصوره بهاتفه الخاص. ثم صور بطاقته الوطنية وبطاقته المهنية –شفيق خدم في القوات المسلحة الملكية لـ11 عاما- بعد أن عثر عليهما في سيارته. "أحسست بإهانة شديدة" قال شفيق الذي التحق ببيته راكضا هذه المرة، بعد أن أمضى أكثر من ساعة في ذلك المركز الأمني.
في اليوم الموالي، انتبه إلى أن هاتفه محمل بالعشرات والعشرات من التنبيهات والرسائل والمكالمات. واكتشف، من خلال زملائه، أن كل بياناته الشخصية تم تسريبها عبر الفيسبوك واليوتوب: اسمه، أسماء والديه، عنوانه، صورته الشخصية، عمره.. كل شيء.. كل شيء. "أغمي على أمي لما شاهدت الفيديو. لم يكن أحد يعلم في أسرتي أنني أحب التشبه بالنساء".
بعد الإهانة التي تعرض لها والغضب الذي استبد به، ينهشه اليوم الخوف. "الجميع يعرفون عنواني الآن.. والجميع يعرفونني.. أنا خائف جدا".
الحموشي يعاقب
وفي 6 يناير الجاري، عاقب عبد اللطيف الحموشي، المدير العام للأمن الوطني، الأمنيين الأربعة المسؤولين عن تسريب المعلومات الخاصة بشفيق، وذلك "لإخلالهم بالتزاماتهم المهنية وعدم اتخاذهم التدابير الاحترازية اللازمة للمحافظة على المعطيات الشخصية الخاصة بشخص كان موضوع بحث تمهيدي في قضية حادثة سير بدنية". ويتعلق الأمر بكل من عميد شرطة إقليمي وعميد ممتاز وضابط أمن ممتاز وضابط أمن. وتراوحت العقوبات بين التوقيف المؤقت والتوبيخ. وأوضحت إدارة الامن الوطني أن البحث الذي قامت به "حدد بشكل دقيق الإخلالات المنسوبة للمسؤولين الأمنيين المخالفين، والتي تمثلت في التقصير الواضح في صون المعطيات التشخصية الخاصة بالأفراد الذين هم موضوع مساطر وأبحاث قضائية". وأضافت أنها "حريصة على التطبيق السليم للقانون، وأنها عازمة على مواصلة توطيد مبادئ التخليق الوظيفي، بما يضمن تنزيل المقتضى الدستوري الذي يربط المسؤولية بالمحاسبة".
"إن الشرطة هاجمتني، بدل أن تحميني.. لم أؤذ أحدا.. أنا ما آنا عليه والسلام" يقول شفيق الذي يخضع لعلاج خاص عند طبيب نفسي. وهو يسعى، بدعم من حركة "مالي" التي تدافع عن الحريات الفردية، لطلب اللجوء بأوروبا. وقالت ابتسام لشكر، وهي من مؤسسي هذه الحركة، في تصريح لـ"تيل كيل": "نظرا لوضعه، فهو يمتلك حظوظا جيدة، ولكن الأمر معقد لأنه لا يعيش على التراب الأوروبي. سنبذل جهدنا لتحقيق غايته".
ترجمة "تيل كيل عربي"