*وطلحة علي - باحث في العلاقات الدولية بجامعة محمد الخامس
يهدف القانون الدولي العام إلى ضمان تمتع الأفراد والجماعات بحياة منتظمة ومطمئنة مبنية على السلم والأمن، وحماية القيم الجوهرية المشتركة بين الأمم والتي سعى المجتمع الدولي إلى حمايتها بتجريم كل اعتداء عليها. ومن هنا اهتم القانون الدولي بالإنسان وصفته الإنسانية.
ومفهوم الجريمة ضد الإنسانية مفهوم حديث في القانون الدولي الجنائي، هذا الأخير الذي يعتبر فرعا من فروع القانون الدولي العام، ووضع أساسا لحماية الصفة الإنسانية وتجريم كل اعتداء عليها سواء في زمن الحرب أو في زمن السلم. خصوصا من طغيان الجماعات والحركات أو الدول أو الأفراد الذين يعتبرون أنفسهم فوق القانون، أو أولئك الذي يتذرعون بالدفاع عن النفس من أجل تحقيق مجموعة من الأهداف العسكرية والاستراتيجية ضاربين عرض الحائط احترام قواعد القانون الدولي.
هذا، وتعتبر جريمة الإبادة من الجرائم ضد الإنسانية التي نصت عليها مجموعة من المواثيق والإتفاقيات والأنظمة الدولية أبرزها نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، الذي أكدت ديباجته على خطورة هذه الجرائم بسبب إثارتها لقلق المجتمع الدولي بأسره مما يستدعي الوقوف على ألا تمر دون عقاب ومقاضاة مرتكبيها، كما أن الإختصاص الرئيسي للمحكمة يتمثل في البت في مجموعة من الجرائم ضد الإنسانية أبرزها جريمة الإبادة الجماعية كما جاء في المادة الخامسة من نفس النظام.
في نفس السياق، ووفقا للمادة السادسة من نظام روما يراد بجريمة الإبادة الجماعية كل الأفعال المرتكبة سواء في وقت الحرب أو السلم والمؤدية إلى تدمير جماعة ما كليا أو جزئيا، وهو نفس التعريف الموجود في اتفاقية الأمم المتحدة لمنع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها الصادرة سنة 1948، وفي الأنظمة الأساسية لمحكمتي يوغسلافيا سابقا ورواندا. وهذه الأفعال تتمثل في القتل العمد وإصابة المدنيين بأضرار جسدية وعقلية جسيمة، والنقل القسري والحرمان من أساسيات الحياة وغيرها الأفعال التي تهدف إلى الإهلاك الكلي أو الجزئي.
هذا وشهد العالم منذ القدم العديد من الجرائم الدولية التي ألحقت بالبشرية انتهاكات وخسائر كبيرة. ورغم الجديد الذي جاءت به المواثيق الدولية، بعد الحربين العالميتين الأولى والثانية، بتجريم العديد من الأفعال واعتبارها جرائم دولية معاقب عليها، إلا أن ذلك لم يوقف النزيف واستمرت في أواخر القرن العشرين وبداية القرن الواحد والعشرين مذابح شكلت جرائم إبادة جماعية في رواندا والبوسنة والهرسك ضد المسلمين، ويوغسلافيا. وتلك التي ارتكبتها دولة إسرائيل في حق الشعب الفلسطيني على مر عقود طويلة.
من هذا المنطلق شهدت الدولة الفلسطينية إظطهادا غير مسبوق أودى بحياة الكثير من المدنيين في قطاع غزة وأدى إلى تهجير العديد منهم وإصابة الَالاف إصابات متفاوتة الخطورة بفعل الحصار الذي فرضه الجيش الإسرائيلي على القطاع. وبالرجوع بالتفصيل إلى هذه الأفعال المرتكبة نجدها تتمثل في:
- القصف المتواصل للجيش الإسرائيلي لمجموعة من المخيمات والمؤسسات الصحية في قطاع غزة والذي تسبب في قتل المدنيين وإصابتهم بأضرار جسدية وعقلية. خاصة الفئات الهشة منهم،
- استمرار الغارات الإسرائيلية على العديد من المنشئات والوحدات التابعة للمنظمات الدولية الحكومية أو غير الحكومية الموضوعة قصد تقديم المساعدات الإنسانية للمتضررين من اثار الحرب، خاصة وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) التي تم قصف العديد من ملاجئها في القطاع.
- الحصار الشامل على قطاع غزة من خلال الحرمان من الحصول على الطعام والدواء والوقود ومياه الشرب ومنع مرور المساعدات الإنسانية.
- محاولة النقل القسري للفلسطنيين من خلال دفعهم للنزوح والضغط عليهم للخروج من القطاع بمختلف الوسائل الممكنة، حتى تلك التي يحضرها القانون الدولي.
تأسيسا على ذلك، تعتبر هذه الأفعال جريمة إبادة جماعية طبقا لما تنص عليه المواثيق الدولية ذات الصلة السابق ذكرها، وهو أيضا ما عبر عليه فقهاء وخبراء القانون الدولي في العديد من المنصات، وما أنذرت به مواقف العديد من المنظمات الدولية الحكومية وغير الحكومية في بياناتها بخصوص القضية الفلسطينية، مما لا يدع مجالا للشك في ثبوتية هذه الجريمة. يبقى السؤال فقط مطروحا في كيفية إثباتها وكيفية التعامل مع مرتكبيها في ظل الفساد الكبير الذي يسيطر على المجتمع الدولي.