جنيف/الأمم المتحدة - أحمد مدياني
رسم الحبيب بلكوش، رئيس مركز دراسات حقوق الإنسان والديمقراطية، صباح اليوم الجمعة، بجنيف، صورة عن الحق في التنمية بالمنطقة المغاربية، التي لم تصل بعد إلى المستوى المنشود برغم إمكانياتها الاقتصادية الضخمة، وفرص التكامل الكبيرة، إلا أنها مازالت تعيش "أوضاعا كارثية تهدد بنسف المجتمعات".
وأضاف بلكوش في مداخلة له خلال ندوة حول موضوع "الحق في التنمية وقضايا الأمن والاستقرار ببلدان المغرب وشريط الساحل"، نظمت على هامش الدورة 55 لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، أن "الحق في التنمية لم يعد ينحصر في مؤشرات رقمية، بل هو مقاربة تشاركية، يصبح فيها المواطن عنصرا فاعلا في مشروع مجتمعي ديمقراطي يضمن الحقوق ويسمح بالتقييم والمساءلة".
وأوضح أن "المغرب، لما كان حديث عهده بالاستقلال، كان يستقبل القيادات التاريخية لجبهة التحرير الجزائرية في شرق المغرب، والمحطة الكبرى آنذاك هي الملتقى التاريخي بطنجة بين الحركات المغاربية، لنصل إلى اتحاد المغرب العربي سنة 1989 بمراكش بحضور قيادات ورؤساء الدول الخمس المغاربية، تونس والجزائر، وموريتانيا والمغرب".
وأكد المتحدث ذاته، أن "هذا المسار كان حافلا بآمال كبيرة. لكن الأمور تطورت وسارت في اتجاه آخر. والحال أننا نتحدث عن منطقة ذات مقومات جيو استراتيجية قوية، وتكامل في الموارد الطبيعية، إلا أن البعض عمل كل ما وسعه لإعاقة تحقيق هذا البناء".
ولفت المتحدث ذاته الإنتباه إلى أن "الوضع الحالي لا يبعث على تفاؤل كبير للأسف الشديد. ذلك أن جزء من المنطقة المغاربية يعيش وضعا كارثيا يهدد وحدة بلدانها، ومستقبل السلام والاستقرار".
وتطرق الخبير الحقوقي، في مداخلته إلى قرارات الرئيس التونسي قيس سعيد، واعتبر أن "إرث ثورة الياسمين تحول إلى كابوس استبداد أتى على مشروع ديمقراطي حمل آمالا كبيرة للبلد وخارجه، ووجد هذا الكابوس ترجمته في حل المؤسسات الرسمية والزج بمسؤوليها في السجون وإلغاء كل معارضة نقدية".
وتابع في هذا الصدد: "يمكن اعتبار ذلك ناتجا أيضا عن كون صناع الثورة لم يستطيعوا بناء الآليات والمقاربات اللازمة لحماية مكتسبات الثورة وتسوية الخلافات بالآليات الحديثة والابتعاد عن روح الهيمنة والاستحواذ".
وأشار إلى أن "التعبيرات الديمقراطية السلمية للحراك في بلد آخر، تم خنقها من خلال تفعيل المقاربة الأمنية المعتمدة على إسكات كل صوت حر أو دينامية اجتماعية مستقلة أو منتقدة للسلطة".
وأضاف: "أما في الطرف الآخر، فإن خروج بلد من دوامة الانقلابات إلى نظام التناوب على السلطة، ظل يجتهد هذا البلد لضمان استقلاله في محيط متوتر وتجاذبات قوية، جعلت اختياره الحياد كسياسة تخدم طموحه ومصالحه واستقلال بلاده، ويساهم في ضمان السلم والتعاون والحوار البناء، إلا أن مزالق الانخراط في توجه أحادي قد تعصف بمكتسبات البناء والتعاون الذي حقق في السنوات الماضية". ويقصد بهذا البلد موريتانيا.
ونبه رئيس مركز دراسات حقوق الإنسان والديمقراطية، إلى أن "تجربة المغرب تمكنت من مراكمة التحولات والتغيرات في ظل استمرارية النظام مع إعادة النظر في سياساته وتوجهاته، وهذا مكن المغرب من بناء تجربة دامجة ومتفاعلة مع انتظارات فئات متعددة، منها المصالحة السياسية مع المعارضات اليسارية والإسلامية، أو مع حركة حقوق الإنسان، من خلال تجربة العدالة الانتقالية، والحركة النسائية من خلال مدونة الأسرة، والحركة الأمازيغية في مجال الحقوق الثقافية واللغوية، والفئات المهمشة اجتماعيا من خلال برامج التنمية وتقييمها الدوري، وهذا ما مكن من ضمان استمرار التطور المؤسساتي والاقتصادي المبني على التراكم لا على القطائع، وعلى الحوار والتفاعل لا على العنف والقتل".
وشدد على أن "هذه التجربة تعاني بدورها من خصاص من داخل نخبها السياسية التي لها دور التدبير والتأطير والتوجيه. كما أنها محاطة بجوار معاد يرفض كل محاولة للانفتاح والحوار والتعاون، كان آخر تعبيراتها إغلاق الحدود أرضا وجوا وإيقاف أشتغال أنابيب الناقلة للغاز عبر المغرب إلى إسبانيا". في إشارة إلى الجارة الجزائر.
وأبرز أن "هذا الوضع يدعونا إلى إقبار هذا الطموح".
قبل أن يستدرك المتحدث ذاته، بالقول: "لكن الجميل أن بوصلة العاملين والنشطاء في حقوق الإنسان هي الأمل في غد أفضل وطول نفس. من أجل ذلك، ورغم الظرفية الصعبة وعوامل الخيبة الكبيرة، سنواصل العمل مع كل الفاعلين والنشطاء في مختلف المواقع والقوى الحية، لبناء الحوار، نصرة للسلم وحقوق الإنسان في المنطقة المغاربية، من أجل حكامة ديمقراطية لا محيد عنها، لبناء تنمية إنسانية تعطي الأمل للأجيال الصاعدة والقادمة".
للإشارة ترأست الندوة عائشة الدويهي، رئيسة المرصد الدولي للسلم والديمقراطية وحقوق الإنسان لجنيف "IOPDHR-GENEVA-NGO". فضلا عن مداخلات لكل من آوى ندييايي، رئيسة فضاء أفريقيا الدولي؛ ولحبيب بلكوش، رئيس مركز دراسات حقوق الانسان والديمقراطية؛ سهيل بلحادج كلاز، معهد جنيف للدراسات العليا.