اعتبرت حركة "معا" أن الانتخابات الأخيرة شكلت "مرتعا خصبا لاستعمال المال" وجسدت في كل المستويات "تزاوجا للمال والسلطة، وعدم قدرة أحزاب المعارضة على إنجاز أدوارها بالشكل المطلوب".
ولاحظت الحركة في بيان لها، "ضعف مستوى المساءلة السياسية وهيمنة الخطاب التقريري للوزراء وفرق الأغلبية، مما يؤشر على وضع سياسي غير صحي يروج لخطاب أحادي الجانب، ويترك هامشا صغيرا للمعارضة داخل المؤسسات وينقلها خارجها".
ورصدت "معا" مجموعة من الملاحظات بخصوص مشروع قانون المالية 2022؛ أولها، حمله لـ"طابع إيجابي باعتبار الميزانية المرصودة للاستثمار العمومي، مما يؤشر إلى انتهاج سياسة مالية توسعية خالفت الدعوات إلى انتهاج سياسة تقشفي". أما ثانيها؛ فيتعلق بـ"فتح ورش التغطية الاجتماعية المعممة خلال السنة القادمة في أفق استكمال البرنامج المرحلي سنة 2025. فيما تتعلق الملحوظة الثالثة بـ"الرفع من ميزانيتي قطاعي التعليم والصحة بـ9 ملايير درهم برسم السنة المقبلة".
وأعربت الحركة عن تثمينها لما سبق، قبل أن تتساءل عن الجدوى الاقتصادية من هذه الإجراءات وتأثيرها على مستوى النمو الاقتصادي، وعن إمكانية تنزيلها مع مستوى نمو متوقع يصل إلى 3.2%، والذي بالكاد سيعيد الاقتصاد الوطني إلى مستوى سنة 2019 ما قبل الجائحة.
وربطت الحركة مشروع قانون المالية مع البرامج الانتخابية للأحزاب المشكلة للأغلبية التي تحدثت عن نمو مستديم وقوي، وعن شروط الإقلاع الاقتصادي التي رهنها تقرير النموذج التنموي الجديد بنمو يصل 6%، وتخطي فخ النمو المتوسط الذي يكبل الاقتصاد الوطني، والذي لم يتجاوز معدل 3.5% خلال العشرية الأخيرة.
وفيما يخص فرص الشغل، فتساءلت "معا" حول كيفية خلق 125 ألف منصب شغل خلال السنة القادمة، بنسبة النمو المعلنة؛ أي أن كل نقطة نمو تخلق أزيد من 39 ألف منصب شغل، علما أن المعدل الحالي لا يتعدى 25 ألف منصب شغل لكل نقطة نمو، وكذلك كيفية تحقيق رقم مليون منصب شغل الذي أعلن عنه في البرنامج الحكومي خلال 5 سنوات؛ أي بمعدل 200 ألف منصب، الذي يفوق الرقم المعلن عنه بـ 75 ألف منصب، وذلك رغم الجهد الاستثماري الاستثنائي غير المسبوق خلال هذه السنة.
وأبدت الحركة استغرابها من التناقض الحاصل ما بين البرامج الانتخابية واستمرار الحكومة في سياسية التوظيف الجهوي دونما تأطير قانوني مناسب بخلق 17 ألف منصب في قطاع التعليم يتم تمويلها من نفقات المعدات.
وبخصوص التضخم، فمشروع المالية بنى توقعاته، حسب الحركة، على أساس معدل تضخم يصل إلى 1.2%، وهو معدل مرتفع عن السنوات الماضية بسبب ارتفاع الأسعار في أسواق المواد الأولية العالمية؛ حيث أكدت "معا" أن هذه النسبة المتحكم فيها، ترجع بالأساس إلى اعتماد المغرب سياسة دعم أسعار غاز البوتان التي ارتفعت بأكثر من 300%، وبلغ مستوى نفقات المقاصة المرتبطة به 2.2% من مجموع النفقات العمومية، متسائلة عن المستفيدين من هذا الدعم وعن نسبة الاستهلاك المنزلي من مجموع الوطني الذي يعد من أكبر الاستهلاكات، رغم أن المغرب يستورد كل حاجياته من الغاز.
وعلى الرغم من الجهد الإنفاقي في دعم الغاز، تضيف الحركة، "إلا أن الإجراءات المنصوص عليها في مشروع القانون تبقى محتشمة بخصوص دعم القدرة الشرائية للمواطنين، في ظل تصاعد أصوات الاحتجاجات بخصوص الزيادات الأخيرة التي شهدتها مجموعة من المواد الأساسية؛ كالقمح، والزيوت النباتية، والمواد الأولية...".
وأعربت الحركة عن خيبة أملها مما كانت تنتظره من الحكومة التي "لم تقدم مقترحات لمراجعة الضريبة على القيمة المضافة، وحقوق الجمارك، والضريبة الداخلية على الاستهلاك، لمواجهة تبعات التضخم المستورد، وحماية القدرة الشرائية للمواطنين المغاربة، وتخفيف كلفة الإنتاج للمقاولات المغربية والرفع من تنافسيتها"؛ حيث دعت إلى سياسة استباقية توقعية للارتفاع المستمر للأسعار في أسواق المواد الأولية، والتي تؤشر التوقعات إلى استمرار موجة التضخم في الانتشار، كإحدى تبعات ارتفاع الطلب واسترجاع النشاط الاقتصادي لمستوياته السابقة، وارتفاع تكاليف النقل واللوجيستيك، والعودة التدريجية لوحدات الإنتاج.
هذا وطالبت الحركة بـتصحيح نواقص الضريبة المحلية لتجاوز التعقيدات والصعوبات المرصودة في تشريعاتها، من خلال إقرار نظام خاص جديد يمكن من جعل الضريبة المحلية رافعة حقيقية للتنمية الجهوية، مع تعديل الإطار القانوني للضرائب المحلية (قانون رقم 47-06)، من أجل تجميع الضرائب المحلية والوطنية، وإلغاء مجموعة من الضرائب ذات الأثر المحدود في تمويل الجماعات المحلية، واستبدالها بضريبتين ترتبط الأولى بالسكن، والثانية بالأنشطة الاقتصادية، وإلغاء "الضريبة المهنية" المحتسبة على الاستثمارات، وتعويضها بـ"المساهمة على القيمة المضافة الترابية"، ونشر بيانات حسابات للجماعات المحلية، مع ضرورة اللجوء المنتظم للمدققين المحساباتيين للتصديق على التقارير.
وفيما يخص القطاع الخاص، فسجلت حركة "معا" افتقار مشروع قانون المالية إلى إجراءات تحفيزية لمواجهة المشاكل الهيكلية لقطاع الأعمال والاستثمار الخصوصي، داعية إلى مراجعة أسعار العقار الموجه للبنيات الصناعية، والذي يماثل نظيره في دول إسبانيا والبرتغال مع الفارق الكبير في مستويات الكفاءات البشرية بين المغرب والبلدين الإيبيريين، إضافة إلى مصاريف العبور بين ضفتي مضيق جبل طارق وارتفاع كلفات الشحن والتخزين في الموانئ المغربية إلى المؤشرات السلبية.
وفي نفس الإطار، تطرقت "معا" إلى مشكل التنزيل الفعلي لمقتضيات القانون 13.09 المرتبط بالإنتاج الذاتي للطاقة الكهربائية للتيار العالي والمتوسط، حيث يقتصر الإنتاج الحالي على الوحدات التي تستعمل التيار العالي، بينما توضع عراقيل لوجيستيكية على الوحدات التي تحتاج لتيار متوسط التوتر، وهذا ما يحد من تنافسيتها الدولية نظرا لكلفة الطاقة المرتفعة في المغرب.