لم يصدروا "نداء المسؤولية" من أجل تسجيل الحضور، فهم عاقدون العزم على التدخل من أجل إخراج حزب الأصالة والمعاصرة من الأزمة التي تخترقه واحتلاله المكانة التي يرون أنه يستحقها في المشهد السياسي والحزبي المحلي. هذا ما يؤكده قياديون في حزب "الجرار" التقتهم "تيل كيل عربي".
"ضمير الحزب"
"ليسوا حركة تصحيحية، بل يريدون أن يلعبوا دور ضمير حزب الأصالة والمعاصرة، الذي يفترض أن يعود إلى مبادئه وأهدافه الأولى". هذا توضيح من قيادي في الحزب لـ" تيل عربي"، تابع مخاض إعداد "نداء المسؤولية "، الذي صدر في نهاية الأسبوع عن ثلاثة أمناء عامين سابقين ومؤسسين لحزب "الجرار"، على إثر الأزمة التي تخترقه.
يضيف المصدر أن الحركات التصحيحية تأتي عادة من داخل هياكل الأجزاب، كأن يقودها المجلس الوطني مثلا، وهو ما لا يدعيه القادة الخمسة الذين ألقوا بـ"نداء المسؤولية"، في نهاية الأسبوع الماضي، في ظل ما قدروه من سوء أحوال الحزب.
نداء المسؤولين موقع من قبل خمسة مؤسسين لحزب الأصالة والمعاصرة، حيث نجد من بينهم ثلاثة أمناء عامين سابقين، هم حسن بنعدي، ومحمد الشيخ بيد الله، ومصطفى الباكوري، بالإضافة إلى مؤسسين ممثلين في علي بلحاج ومحمد بنحمو، اللذين ساهما في تأسيس حركة لكل الديمقراطيين قبل أن ينصهر حزباهما في حزب الأصالة والمعاصرة.
وقد حدد أصحاب المبادرة أسباب نزول النداء بـ"التفاقم المقلق للأزمة التي يتخبط" فيها الحزب، وبعد "الوقوف على تفاهة الممارسات التي أصبحت تحرك بعض الفاعلين داخل دواليب الحزب، النابعة أساسا من الحسابات الانتهازية الضيقة أو حتى من بعض النزعات الفوضوية أو العدمية".
وقد أكدوا في النداء على "التزامهم بتحمل المسؤولية المعنوية تجاه مشروع الحزب" والتدخل بحكمة ونزاهة ورصانة للمساعدة في تقويم الحزب في الظرفية الراهنة" و"الحضور الفاعل والمواكبة الدائمة إلى جانب المناضلات والمناضلين الصادقين في مختلف محطات الحزب".
محدثنا يؤكد أن النداء لم يشارك فيه الأمين العام السابق، إلياس العماري، الذي كان موجودا بالصين، كما أن الأمين العام الحالي، حكيم بنشماش، لم يكن يعلم بنية المبادرة إلى إصداره قبل ذلك.
انزياح عن الهدف الأول
يذهب قيادي آخر في حزب الأصالة والمعاصرة إلى أن مصدري النداء، رغبوا عبر مبادرتهم في "إحداث صدمة" داخل الحزب، تساعد على العود إلى أساسياته، التي تعود إلى مرحلة ظهور حركة لكل الديمقراطيين.
ويتصور أن الحزب الذي سعى إلى التموقع خارج تصنيفات اليمين واليسار، كان مؤسسوه يتطلعون إلى ترسيخ قيم المأسسة في الممارسة الحزبية، معتبرا أن الحزب لم يفلح في تحقيق ذلك الهدف تماما، بفعل ضغط الاستحقاقات الانتخابية التي انخرط فيها.
ويرى أن ضغط البعد الانتخابي والسعي لتصدر المشهد بعد ذلك، لم يساعدا على ترسيخ الطابع المؤسساتي للحزب، مشيرا إلى أن العديد من المؤسسات الموازية التي أحدثها الحزب لم تشتغل كما يجب، فالتنظيم لم يتشكل بالطريقة المرغوب فيها.
ويرى قيادي ثالث في تصريح لـ"تيل كيل عربي"، أن القيمين الحاليين على الحزب يفترض في تدبيرهم اليومي لشؤونه وللتحديات التي يواجهونها، في ظل الأزمة الحالية، الاحتكام لمؤسساته، هذه أول خطوة في طريق المأسسة التي لا يمكن أن تأتي بقرار، حسب اعتقاده.
ويشدد على أن الأزمة التي تخترق الحزب، تستدعي، كما يتجلى من "نداء المسؤولية"، عدم إدارة شؤون الحزب خارج القوانين والمساطير والهياكل المعترف بها، مؤكدا على أنه لا يجب التساهل في مسألة تطبيق القوانين وإسناد المسؤوليات لمتحمليها.
عين على 2021
ويشير قيادي آخر بحزب الجرار، بعد سؤاله حول خفوت صورة الحزب بعد الانتخابات التشريعية الأخيرة، إلى أن "البام" هو ثاني قوة سياسية بمجلس النواب، ولديه حضور وازن في الجماعات الترابية والمجالس الإقليمية والجهات، غير أن الفاعلين في هاته الهيئات في حاجة إلى رسالة قوية تبعث الأمل في نفوسهم.
ويرى أن نداء المسؤولية، الذي يوجد في بؤرة الاهتمامات اليوم داخل الحزب، يعتبر بمثابة صدمة كهربائية يمكن أن تستنهض الههم بهدف العودة لأساسيات الحزب الذي يستعد لتنظيم مؤتمره الوطني، مشيرا إلى أن الحكماء الخمسة، عاقدون العزم على التدخل من أجل التنبيه والتذكير بمبادىء وأهداف الحزب واللقاء مع مناضليه.
ويعتقد أن المؤتمر الوطني يجب أن يعقد على أبعد تقدير في يناير المقبل، حيث يراد له، حسب حكماء الحزب، ترتيب البيت الداخلي، عبر التعبير عن رؤى جميع التيارات الممثلة في الحزب مع السعي لعودة من غادروه من الأطر لسبب من الأسباب.
لاتغيب الانتخابات التشريعية المقبلة عن خلفيات مصدري "نداء المسؤولية"، فالحزب الذي راهن في بدايته على أن يتصدر المشهد الحزبي في 2017، يسعى إلى إرجاء بلوغ ذلك الهدف إلى غاية 2021، وهو هدف يستدعي الكثير من العمل الذي يرمي إلى التخفف من صورة تصورات سلبية في الأعوام الأخيرة.
قراءة إطار حزبي منسحب
عندما تنقل مضامين النداء إلى باحث جامعي، كان اقترب من الحزب كثيرا قبل أن ينسحب في العامين الأخيرين، يؤكد على أن الحزب واقع في منزلق خطير، لم يكن نتيجة ولاية الأمين العام الحالي، بل له علاقة بطريقة تدبير وصناعة القرار الحزبي.
ويعتبر الباحث، الذي فضل عدم ذكر اسمه، أن الحزب الذي كان يريد أن يعبر عن رؤى جميع المنتمين له، شهد في فترة من حياته، نوعا من الانزياح في تدبير شؤونه، حيث أن القرار كان يتخذ، في أحيان كثيرة، خارج مقتضيات التدبير الديمقراطي.
ويضرب لذلك مثلا بالتنظيمات الموازية التي يرى أنها ظلت هياكل فارغة، لا تستدعى مساهمتها إلا في اللحظات التي يراد منها التعبئة، لتعود إلى هامش الدورة الحزبية، مشيرا إلى أن الأحداث التي عاشها الحزب في الفترة الأخيرة، تؤشر على حالة ركود تمكن من أوصال الحزب.
ويؤكد على أن "نداء المسؤولية" الذي صدر عن شخصيات يمكن أن ينظر إليها على أنها تمثل حكماء الحزب، والنظر إلى أن منهم من سبق له أن تحمل مسؤوليات كبيرة في الحزب وفي الدولة، يؤشر على جدية المبادرة، التي يعتقد محدثنا أنه قد تخلق نقاشا حول مستقبل الحزب.