انتهت أطوار قضية دام تداولها داخل ردهات المحكمة الابتدائية ومحكمة الاستئناف 14 عاماً، عقدت خلالها 47 جلسة، 28 منها خلال مرحلة الاستئناف، طرفا ملفها الملياردير عثمان بن جلون، وابن أخيه بـ"التبني" منير بن جلون، بالحكم لصالح الأول يوم الأربعاء الماضي (13 دجنبر الجاري)، وإدانة الثاني رفقة أمه نعيمة الأزرق، بسنتين سجنا نافذتين، بتهمة "تزوير رسم الإراثة واستعماله"، وصدر الحكم في حقهما غيابيا، بحكم تواجدهما خارج المغرب، وتحديداً بإسبانيا.
"تيل كيل عربي" حصل على وثائق القضية، التي تروي قصة صراع بين عثمان ومنير منذ وفاة عمر بن جلون، والده بالتبني، في 25 يناير 2003، وتفيد أن الصراع اندلع تحديدا بعد أسبوعين من الوفاة، إذ قام الملياردير عثمان بطلب الشهادة في الإرث، فأنجز إثر ذلك رسم إراثة بتاريخ 10 فبراير 2003، يتضمن أسماء ورثة شقيقه الراحل وهم والدته فاطمة بنت الحاج وعبد الرحمان ابن جلون، وزوجته نعيمة الأزرق، وأشقاؤه خديجة وليلى وحورية، وأخرج من دائرة الورثة منير، فرد الأخير بإنجاز رسم إراثة ثان يتضمن اسمه وشهادة عدد من الشهود تفيد بأنه من صلب الراحل عمر بن جلون.
صراع إثبات النسب
حسب وثائق القضية والمعطيات التي حصل عليها "تيل كيل عربي" من مصادر مطلعة، بعد وفاة عمر بن جلون، قام شقيقه عثمان بجمع العائلة، وكان ذلك بعد أسبوعين من تاريخ الوفاة، وطلب منهم انجاز رسم الإراثة الذي أخرج منير من دائرة ورثة أبيه بالتبني.
ويحكي مصدر الموقع، أن الابن قصد بيت "عمه" في اليوم الموالي وسأله عن السبب وراء استثنائه من دائرة الورثة، ليخبره بأنه ليس من صلب عمر بن جلون، وأن "تقييده بالحالة المدنية للراحل كان على سبيل الكفالة والخير والأحسان".
هذه الواقعة يؤكدها محضر الإحالة الذي أنجزه قاضي التحقيق، إذ سأل الأخير منير خلال مواجهته مع عثمان عن رد فعله عندما علم أنه خارج رسم إراثة، فأجاب: "عندما أخبرني عمي أني ابن بالتبني، خرجت من البيت وقطعت علاقتي مع العائلة بصفة نهائية".
ولم تنته قصة رفض منير لنفي نسبه إلى أبيه عند هذا الحد، بل قام بعد أزيد من شهر على وفاة "والده" بإنجاز رسم ثان للإراثة مناقض للأول الذي أنجزه عمه، ويتضمن أنه ابن بيولوجي للراحل عمر بن جلون، ما دفع "عمه" عثمان إلى تقديم شكاية إلى قاضي التحقيق، من "أجل التزوير في وثيقتين رسميتين واستعمالهما"، مقترنة بلائحة مطالب مدنية تعويضا عن الضرر، فأصدر القاضي، في 27 أبريل 2005 أمراً بفتح مسطرة التحقيق، وأيدته الغرفة الجنحية بمقتضى قرار بتاريخ 29 يونيو 2005.
ووصل الصراع بين عثمان ومنير حول إثبات النسب إلى حد اللجوء إلى الخبرة الطبية، إذ أصدر قاضي التحقيق أمراً بتاريخ 29 يونيو 2006، لإجراء الخبرة بين منير و"أمه" نعيمة الأزرق، عهد بإنجازها للمختبر العلمي للشرطة القضائية، لكن وحسب وثائق القضية، لم يتم ذلك بسبب امتناع المعنيين بالأمر عن الاستجابة للأمر.
الخبرة الجينية
وطيلة أطوار عرض الملف على المحكمة الابتدائية، رفض منير و"أمه" انجاز الخبرة الطبية لتأكيد صلة القرابة بينهما. وبعد رفضهما لطلب قاضي التحقيق الأول شهر يونيو 2006، تقدم عثمان بن جلون بطلب ثان في7 يوليوز 2008، وذلك ما استجاب له قاضي التحقيق في 15 يوليوز من السنة نفسها، بأن أصدر أمراً جديداً بإجراء الخبرة الجينية، لكن أفاد المختبر العلمي للشرطة القضائية يوم 5 شتنبر 2008 بأنه "تعذر عليه إنجاز الخبرة لكون نعيمة الأزرق ومنير لم يحضرا لإنجازها رغم استدعائهما بواسطة البريد المضمون".
المعطى نفسه أكدته النيابة العامة في 21 يونيو 2010 بواسطة كتاب، يفيد بتعذر انجاز الخبرة بسبب عدم امتثال نعيمة ومنير.
طلب إجراء الخبرة، كان الحلقة التي ركز عليها عثمان بن جلون دفوعاته لنفي النسب المباشر بين شقيقه الراحل وابنه بالتبني، ليتقدم بطلب ثالث، لكن هذه المرة بغرض مقارنة المورثات الجينية بينه وبين منير للوقوف على صلة القرابة البيولوجية بينهما، وذلك ما استجاب له قاضي التحقيق في 25 غشت 2011، وأصدر قراره لإنجازها، وهو ما تم تنفيذه في يوم 7 شتنبر من السنة نفسها.
وانتهت نتائج الخبرة التي يتوفر "تيل كيل عربي" على نسخة منها، إلى "عدم وجود علاقة قرابة بيولوجية من درجة العمومة بين عثمان بن جلون ومنير"، ليتم عرضها على قاضي التحقيق بتاريخ 25 أبريل 2012، وصرح الأخير حسب وثائق الملف، أنه "لا تعليق لديه حول نتيجتها". ليصدر قراراً بتاريخ 20 فبراير 2013 يقضي بالإحالة على غرفة الجنايات.
قرار الإحالة أمر بمتابعة نعيمة الأزرق من "أجل استعمال وثيقة مزورة مع علمها بتزويرها وجنحة المشاركة في الإدلاء أمام العدل بتصريحات تعلم أنها مخالفة للحقيقة طبقاً لمقتضيات الفصول 356 - 129 و355 من القانون الجنائي"، كما قرر متابعة شهود الإراثة المنجزة حسب قرار الإحالة من "أجل جنحة الإدلاء أمام العدل بتصريحات يعلمون أنها مخالفة للحقيقة طبقاً لمقتضيات الفصل 355 من القانون الجنائي"، وبإحالتهم جميعاً على غرفة الجنايات الابتدائية لدى محكمة الاستئناف بالدار البيضاء، لكنه أمر بعدم متابعة منير بن جلون طبقاً لمقتضيات المادة 216 من قانون المسطرة الجنائية.
وطعن عثمان بن جلون في قرار قاضي التحقيق بعدم متابعة منير، لدى الغرفة الجنحية بتاريخ 27 نونبر 2013، فأيدته بأن أصدرت قرارا قضى بإلغاء الأمر المستأنف جزئياً في ما قضى به من عدم متابعة "المتهم" من أجل جناية استعمال وثيقة مزورة وجنحة المشاركة والإدلاء أمام العدول بتصريحات يعلم أنها مخالفة للحقيقة.
واستمر الصراع بين عثمان بن جلون ومنير حول الخبرة الطبية، بعدما أعاد الأخير ملف القضية إلى نقطة الصفر، حين تقدم بطعن لدى الغرفة الجنحية في إجراءات تنفيذ الخبرة الأولى موضوع الأمر الصادر بتاريخ 15 يوليوز 2008، لتصدر محكمة الاستئناف أمراً برفض طلبه.
القرار الأخير طعن فيه منير أمام محكمة النقض، هذه الأخيرة أمرت بإرجاع الملف إلى محكمة الاستئناف لتبت فيه من جديد.
وبعد إرجاع الملف إلى محكمة الاستئناف المذكورة، أصدرت بتاريخ 3 فبراير 2015 قراراً قضى ببطلان إجراءات تنفيذ الأمر بإجراء الخبرة الطبية وعللت ذلك بأنها تمت "دون إشراف ومراقبة قاضي التحقيق لها، ما يشكل خرقاً للمقتضيات الجوهرية للمسطرة ترتب عنها المساس بحقوق الدفاع لطرف من الأطراف مما يتعين معه التصريح ببطلان إجراءات الخبرة الطبية المنجزة شهر أكتوبر 2010".
دفاع عثمان بن جلون، حسب وثائق القضية، علق على القرار باعتباره "خاطئ ولا يمكن الإعتداد به لكونه بني على معطيات خاطئة وانتهى إلى إبطال خبرة لا وجود لها بناء على أمر لم يسبق تنفيذه مطلقاً".
وعاد دفاع الملياردير عثمان، إلى أنه بالرجوع إلى منطوق القرار، فإنه أشار إلى بطلان الخبرة الطبية المنجزة شهر أكتوبر 2010 وليست هي الخبرة المحتج بها من طرف بن جلون، والتي تم تنفيذها بناء على أمر صادر عن قاضي التحقيق بتاريخ 25 غشت 2011 وتم إنجازها يوم 7 شتنبر من نفس السنة.
وعن انجاز الخبرة تحت إشراف النيابة العامة، والتي كانت من بين التعليلات التي جاء بها قرار قاضي التحقيق القاضي ببطلان الخبرة الطبية، اعتبر دفاع بن جلون أن هذا الأمر "مخالف للقانون، وذلك طبقاً للفقرة 13 من المادة 49 من قانون المسطرة الجنائية والتي تحدد اختصاصات الوكيل العام لدى محكمة الاستئناف، وتنص على أنه يسهر على تنفيذ أوامر قاضي التحقيق" فقط، أي أن الأخير لا يخضع لإشراف النيابة العامة بهذا الخصوص.
كما تقدم الدفاع بخلاصة من نتائج الخبرة الطبية التي اعتمدها كحجة أمام المحكمة، يتوفر "تيل كيل عربي" على نسخة منها، وهي الخبرة المنجزة بتاريخ 7 شتنبر 2011.
وقال دفاع عثمان بن جلون حسب وثائق الملف، "ستلاحظ المحكمة أن هذا التقرير أنجز تحت إشراف قاضي التحقيق، ووجه الضابط نسخة إليه وإلى النيابة العامة".
وأشار الدفاع كذلك، إلى أن الأمرين بإجراء الخبرة الجينية الصادرين عن قاضي التحقيق، رفضت نعيمة الأزرق ومنير إجراءهما، رغم أنهما أصبح نهائيين بقوة الشيء المقضي به، ولا يمكن التراجع عن تنفيذهما ومن يرفض الإمتثال لهما يتحمل مسؤوليته وذلك وفقاً للقرارات الصادرة عن محكمة النقض في ثلاث حالات لجأ إليها الدفاع لتعزيز وجهة نظره ودفوعاته أمام المحكمة. وأوضح الدفاع، أن منير طعن في خبرة لم تنفذ في الأصل، لتطوى فصول صراع الخبرة الجينية بين عثمان بن جلون ومنير بإقرار محكمة الاستئناف بالخبرة الطبية الأخيرة التي أنجزها مختبر الشرطة العلمية، والتي نفت حسب مضمونها أي صلة عمومة بينهما.
المواجهة أمام قاضي التحقيق
تمسك عثمان بن جلون خلال مثوله رفقة منير ونعيمة الأزرق أمام قاضي التحقيق بعدم وجود صلة دم مباشرة بين أخيه و"ابنه"، وأن الأخير ولد تبناه شقيقه فقط، وواجه الأم بأن "جميع أفراد العائلة يعرفون أنها عاقر وأنها عاشت مع زوجها طيلة 15 عاماً دون أن يرزقا بمولود، قبل أن يقررا تبني منير".
وأقر عثمان بن جلون أمام قاضي التحقيق، أنه أخبر منير بعد وفاة عمر أنه "ابنه بالتبني"، وهو الموقف الذي أكده "الابن" وصرح أنه "لم يقم بأي رد فعل، باستثناء قطع علاقته نهائيا مع العائلة منذ الواقعة"، كما أقر بأنه "لم يلجأ إلى أحد الأقارب ليشتكي لهم من تصريح (عمه)".
وركز قاضي التحقيق خلال المواجهة أسئلته تجاه نعيمة الأزرق، ومن بين ما طرح عليها: "اسم المصحة التي تمت فيها الولادة واسم الطبيب المعالج الذي أشرف عليها خلال فترة الحمل وشهادة ميلاد لمنير صادرة عن الطبيب وتاريخ حفل العقيقة فضلاً أن أسماء الشهود الذين حضروها وشهود عاينوا فترة حملها".
ومن بين أجوبة الأزرق لدى قاضي التحقيق، أنها وضعت ابنها بمساعدة قابلة "توفيت" وأن "الطبيب الذي أشرف عليها خلال مرحلة الحمل توفي بدوره".
من جهته طرح عثمان بن جلون أمام قاضي التحقيق، أن منير تم تقييده بسجل الحالة المدنية بـ"تصريح الإزدياد الذي تم بواسطة حكم قضائي بعد أزيد من سنة ونصف من يوم مولده"، وطرح أيضاً أن "نعيمة لم تستطع أن تحضر شاهداً واحداً شاهدها وهي حامل رغم أن عائلتهم كبيرة، كما لم تستطع إحضار ولو شاهد واحد حضر حفل العقيقة أو شاهدها وهي ترضع منير أو شاهد الطفل وهو يحبو عند والديه".
شهود النسب
وحسب وثائق القضية، استمعت المحكمة وقبلها نيابة العامة وقاضي التحقيق، لـ12 شاهداً وردت أسماؤهم في رسم الإراثة المنجز من طرف منير و"أمه" نعيمة الأزرق، وخلصت تصريحات الشهود إلى أنهم "وفي جميع الأحوال لا يوجد بينهم من صرح أمام قاضي التحقيق أو أمام المحكمة أن سنده في ما أدلى به هو المخالطة والإطلاع التام على الأحوال، ويعرفون الراحل عمر بن جلون والورثة بمثل معرفة منير ونعيمة الأزرق، وأن التصريحات المنسوب صدورها عنهم أمام العدول، وحسب ما أدلوا به أمام قاضي التحقيق وأكدوه أمام المحكمة، لا تفيد قطعاً أن الأمر يتعلق بابن حقيقي ولا تتوفر فيها شروط شهادة السماع".
كما أشار دفاع بن جلون إلى أن 7 من الشهود "تم استقدامهم من مدينة مراكش، وتجمعهم بنعيمة الأزرق صفة المنفعة، أي أنهم يشتغلون عندها".
أقوال عدد من الشهود، حسب ما هو متضمن في وثائق القضية، تجمع على أن "الإدلاء بإثبات النسب المتضمن في رسم الإراثة الذي أنجزه منير على ما كانوا يسمعونه فقط، وأن عدد منهم سمع بمسألة أنه ابن بالتبني بعد وصول الملف إلى القضاء".
كما صرح عدد منهم، بأنه تعرف على منير بعد سنوات من ولادته، ولم يكن لديهم شك بأنه ابن عمر بن جلون، نظراً لكونهم كانوا يسمعون دائما الراحل يناديه بصفة "ابني" أو لكون جميع أفراد العائلة وقبل وفاة عمر كانوا يرددون أمامهم نفس الصفة تجاه منير.
أحد الشهود وهو (أ ع) الذي يعرف عمر بن جلون منذ العام 1947، صرح أمام قاضي التحقيق والمحكمة، أنه شاهد منير أول مرة عندما كان عمره 5 سنوات، وأكد خلال تصريحاته أنه لم يكن يعرف حقيقة نسبه.
تركة عمر بن جلون
مصدر موثوق مطلع على الملف، كشف لـ"تيل كيل عربي" أن صراع منير وعثمان بن جلون على إثبات النسب أو نفيه، لا يهم بالأساس تركة الراحل عمر بن جلون، لأن الأخير وقبل وفاته، قام بتوزيعها على زوجته (قيد حياته) وابنه بالتبني، وترك خلفه قطعتين أرضيتين بمنطقة عين السبع لم يحسم في مصيرهما، نظراً لوجود شركاء معه في ملكيتهما، بالإضافة إلى مبلغ مالي مودع في حساب بالبنك الذي يملكه عثمان بن جلون.
وتابع أن عمر لا يملك أي أصول في جميع الشركات التي أسسها ويديرها عثمان بن جلون. فماهو سبب كل هذا الصراع؟
المصدر أوضح الموقع، أن منير و"أمه" رفضا أن يتم إخراجه من دائرة الورثة تحسباً لما قد يقع في المستقبل، بحيث يمكن أن يرث منير في أي من أفراد العائلة، "لذلك ورغم حصوله على تركة والده بالتبني وهو على قيد الحياة، لم يقبل بإخراجه من دائرة الورثة".
انتهت القضية بعد تأخيرها 12 مرة خلال مرحلة الاستئناف بالحكم لصالح عثمان بن جلون، وإدانة منير ونعيمة الأزرق، وصدر الحكم غيابياً نظراً لتواجدهما بالديار الإسبانية، والتي رحلا إليها على مايبدو بصفة نهائية.