خرج عبد الرحمان اليوسفي عن صمته بالنسبة إلى حصيلة حكومة التناوب التي ترأسها بين عهدي الملكين الحسن الثاني ومحمد السادس، وأيضا بالنسبة إلى علاقته مع الملك الراحل وخلفه. في هذا الحوار مع "تيل كيل"، يعود الكاتب الأول السابق لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية إلى لحظة إعلان وفاة الملك الراحل وتوقيع البيعة لخلفه الملك محمد السادس، قبل أن يفصل في علاقته مع الملكين، خصوصا مع الملك الحالي الذي أوقف تجربة حكومة التناوب في 2002.
نبدأ من يوم 23 يوليوز 1999 حيث توفي الملك الراحل الحسن الثاني وتم توقيع البيعة لولي العهد الأمير سيدي محمد بن الحسن. كيف عشتم ذلك اليوم؟
كان يوما امتحن فيه المغرب مؤسساتيا وشعبيا وإنسانيا. فُقدان ملك عظيم، من حجم الحسن الثاني، ومبايعة ملك واعد بالأمل، من قيمة الملك محمد السادس، شكل لحظة ليعيد العالم اكتشاف معدن المغاربة.
لقد نجح المغرب والمغاربة في ذلك الامتحان الصعب، من خلال شكل البيعة وحجم الجنازة، ثم سلاسة انتقال الملك. تلك هي الدروس التي بقيت خالدة أمام التاريخ.
في 26 شتنبر 2000، أعيد تعيينكم وزيرا أول وكلفكم الملك محمد السادس بتشكيل الحكومة الجديدة. كيف كانت أجواء الاستقبال؟ ماذا دار بينكم؟
كان تجديدا للمشروع والعهد الذي التزمنا به مع والده رحمه الله. وكان اللقاء ترجمة لما سبق وقلته في أحد حواراتي مع الصحافة الفرنسية "أن الملك الشاب سيفاجؤكم إيجابيا"، وكذلك كان، فجلالته ملك إصلاحي كبير.
في نظركم، ما هو أحسن قرار اتخذتموه؟ وما هو أصعب قرار؟
التاريخ هو الذي يحكم على التجارب السياسية والتدبيرية. الأساسي بالنسبة إلي أننا قمنا بما قمنا به بنزاهة ومسؤولية وراحة ضمير، مستحضرين دوما خدمة وطننا ودعم مشروع جلالة الملك الإصلاحي. لكنني أعتبر ترسيم الشفافية في الصفقات وإصلاح نظام المالية العمومية والتقليص من البطالة ومن ثقل الدين الخارجي وفاتورة الدين الداخلي، وتحويل الخوصصة إلى آلية للتنمية سمحت بخلق صندوق الحسن الثاني للتنمية الذي مول المشاريع المهيكلة الكبرى ببلادنا خلال 20 سنة الماضية، ووضع الأسس للحماية الاجتماعية والحماية الصحية، ومأسسة الحوار الاجتماعي، هي من الملفات الصعبة التي نجحنا في حكومة التناوب في تدبيرها بشكل موفق. لقد خلقنا الأمل في الإصلاح، مثلما صالحنا المغاربة ومؤسسات الدولة مع منظومة حقوق الإنسان في كافة أبعادها.
التاريخ هو الذي يحكم على التجارب السياسية والتدبيرية.
كيف كان التواصل بينكم وبين الملك محمد السادس طيلة مدة الولاية؟ وكيف كانت تجربة ممارسة السلطة إلى جانب الملك؟
كان التواصل مؤسساتيا منتظما، وكان التواصل إنسانيا رفيعا وساميا ومحترما. الأسلوب هو الرجل، وجلالة الملك هيأ بشكل مثالي لممارسة دوره الدستوري والوطني والتاريخي بشكل رفيع، يترجم فعليا رسوخ تقاليد ممارسة مسؤولية السلطة بالمؤسسة الملكية بالمغرب.
كيف تجدون شخصية الملك محمد السادس؟
هو ملك القرن 21، هذا أمر لا شك فيه أبدا. وجلالته، الممتلك لرؤية واضحة ورصينة ومتكاملة، حول المشروع المجتمعي الإصلاحي والحداثي والمؤسساتي للمغرب اليوم، يكتب في التاريخ بصمته الخاصة كملك يُعتبر قائدا وطنيا وإقليميا وقاريا بما تفرضه تحديات القرن 21.
الملك محمد السادس هو ملك القرن 21، هذا أمر لا شك فيه أبدا.
ما هي أقوى لحظة في ولايتكم؟ وما هي أصعب لحظة؟
أقوى لحظة حين زارني جلالة الملك الحسن الثاني رحمه الله، وأنا بالمستشفى بالرباط، كانت لحظة مثقلة بحمولات إنسانية وسياسية كبيرة بالنسبة لي. وأصعب لحظة يوم وفاة جلالته أسابيع قليلة بعد تلك الزيارة. كانت لحظة امتحان دقيقة، بالنسبة لي، سياسيا وإنسانيا، فنحن ننتمي إلى نفس الجيل الوطني والسياسي.
كيف بقيت علاقتكم بالملك محمد السادس بعد 2002؟
بقيت علاقة تقدير واحترام كبيرين. جلالته يشملني دوما بعطفه ورعايته وأنا ممنون له عاليا. وتشرفت باستقباله لي في مناسبات عامة وخاصة، وسعدت بزيارته لي أثناء اجتيازي محنة المرض بالمستشفى، فيما أعتبر إشراف جلالته شخصيا على تدشين شارع يحمل اسمي بمدينتي طنجة أرفع وسام من جلالته لي.