شرعت حكومة عبدالله إبراهيم في العمل وسط جو مشحون بسبب الانشقاق الذي أخد يتعمق داخل حزب الاستقلال.
انضافت إلى كل العوائق المشار اليها في الحلقة السابقة، "المشاكل الداخلية لحزب الاستقلال والانشقاق الذي يلوح في الأفق. فقد بادر علال الفاسي ب إلى تأييد تعيين عبدالله إبراهيم بشكل علني : 'أملنا كبير في الحكومة الجديدة وتقثنا كاملة في إخلاص رئيسها للبلاد'، لكن هذا التأييد كان مجرد خطوة إلى الأمام للقيام بخطوتين للخلف. وكان هذا كله يؤشر على الانقسام النهائي للحزب.
فقد طلب عمر عبد الجليل وقاسم الزهيري من رئيس الحكومة تمثيل كل التيارات الاستقلالية في فريقه الحكومي، لكن عبدالله إبراهيم رد عليهما بالقول إنه يعتمد مبدأ الكفاءة. و اختار اثنين من الجناح اليميني الحزب، عبد الكريم بنجلون ويوسف بنعباس، أما امحمد الديوري فقد وضع كثيرا من الشروط فلم يقبل. في حين لم يحصل الجناح اليساري للحزب سوى على نصف الحقائب.
وتجدر الإشارة هنا إلى حالة عبدالرحيم بوعبيد. بالنسبة إلى البعض كان عبدالله إبراهيم يريد تعيين صديقه عبدالله الشفشاوني في وزارة الاقتصاد، ولكن هذا الأخير سيموت فجأة بعد بضعة أيام من تعيينه وقبل تسلم مهامه، بعد أن شرب كأس ماء خلال وجبة لدى عسكري أو لدى الغزاوي، ولكن سيكون عبد الرحيم بوعبيد حاسما، خاصة وأنه يعرف كيف يحيط نفسه بعدد من الشباب الخبراء والمناضلين.
شرعت حكومة عبدالله إبراهيم في نشاطها بتركيزها على تقوية الاستقلال من خلال إرساء التصنيع والتأميم؛ وبالعمل على تطبيق إصلاح زراعي عبر استرجاع الاراضي وإعادة توزيعها، وبالسعي إلى الارتقاء الاجتماعي بالاعتماد على التعليم والتحديث، وتحسين ظروف الحياة. إنه برنامج طموح وإن كان الفريق المشرف عليه لا يتوفر على سلطات أوسع من تلك التي كانت للحكومة السابقة(...).
كان المناخ الذي تشتغل فيه الحكومة غير صحي. إذ بعد شهر فقط على تشكيلها تسارع الانشقاق داخل الاستقلال (...).
انطلق الانقسام، وكان حقا زلزالا سياسيا، في 25 يناير 1959، إذ انعقد 12 مؤتمرا جهويا جمعت النقابيين، والمقاومين، والمناضلين النشيطين، والأطر، في أهم المدن بالبلاد بحضور حشود كبيرة ( 12 ألف شخص في الدارالبيضاء).
والهدف، حسب ما قال هؤلاء، هو إعادة تنظيم الحزب، والمطالبة بمجلس تأسيسي، وبناء الاستقلال، والتوطيد وحدة البلاد ومصيره الاقتصادي وتطوره الاجتماعي والثقافي، وإرساء الدمقراطية حول حكومة شعبية. (...) إذن تمردت القاعدة على القمة، وأعلن 15 فرعا استقلالهم عن الإدارة المركزية للحزب التي وصفت بالفاشلة.
سيقال فيما بعد، لم يكن بنبركة ولا علال الفاسي ولا عبدالرحيم بوعبيد يسعون فعلا للانقسام، ولكن الواقع يقول إن الشرخ داخل الحزب كان قد تعمق منذ التوترات التي هزت حكومة بلافريج.
على أية حال كانت الآلة الانقسامية قد انطلقت. عاد علال الفاسي من طنجة، وتسلم زمام الأمور داخل الحزب. واتهم المتمردين بعدم الانضباط بل وطرد خصومه متحدثا عن ضرورة إجراء عملية تطهير(...).
وفي شهر غشت 1959 انحاز الطلبة، خلال المؤتمر الوطني لطلبة المغرب، إلى جانب التقدميين وهاجم الجيش.