حوار.. زنيبر يكشف لـ"تيلكيل عربي" كواليس وتفاصيل ما حققته رئاسة المغرب لمجلس حقوق الإنسان

أحمد مدياني

جنيف - حاوره أحمد مدياني

داخل مكتبه بمقر البعثة الدائمة للمغرب بجنيف، حل "تيلكيل عربي" ضيفا على السفير عمر زنيبر، الممثل الدائم للمغرب لدى مكتب الأمم المتحدة والرئيس الحالي لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، لقاء عرف إجراء حوار مطول حول عدد من القضايا.

وتحدث المسؤول الأممي، خلال الحوار معه، عن ما قدمته الرئاسة المغربية لمجلس حقوق الإنسان، منذ توليه للمسؤولية شهر فبراير الماضي.

كما قال السفير زنيبر، حين سؤاله عن نظرة المنتظم الدولي للمملكة بشأن أوضاع حقوق الإنسان، إن "اسم المغرب لم يذكر، من طرف المفوض السامي، ولو لمرة واحد، أثناء حديثه عن الدول التي تخرق حقوق الإنسان".

وبخصوص الملاحظات التي توجه للمغرب من حين إلى آخر، خاصة من طرف الجزائر والدول التي تواصل دعم مواقفها، أضاف زنيبر  أنه "يمكن أن نلقي نظرة على طريقة تدبير المغرب مثلا لقضايا الهجرة واللجوء، مقارنة مع الجار، لنرى أي منهما يطرد، بطريقة غير إنسانية، عشرات آلاف اللاجئين في اتجاه الصحراء القاحلة، في ظروف غير إنسانية".

وأكد زنيبر أن "عدد من الدول التي تستهدف المغرب، إذا ما نظرنا وتفحصنا سجلها في ما يخص حقوق الإنسان، نجد أنها على رأس قائمة خرقها واستهداف حرية التعبير، بل تقوم بممارسات ممنهجة ضد مواطنيها"، ولم يتردد المتحدث ذاته عن ذكر عدد من هذه الدول، ومن بينها الجزائر، وجنوب إفريقيا، وفنزويلا، ونيكاراغوا، وزيمبابوي.

ماهي أبرز مميزات الفترة التي ترأس خلالها المغرب مجلس حقوق الإنسان؟

أريد أن أذكر، أولا، بأن انتخاب المغرب حصل في مناخ دولي ليس بالسهل، على مستوى الأزمات الجيوسياسية والحروب، وكذلك القطبية التي كانت مهيمنة على أشغال المجلس.

في خضم كل هذا، كانت الرئاسة المغربية حريصة، بشكل أساسي، على التخفيف من تداعيات هاته الأزمات على أشغال المجلس.

ويمكن القول، بكل صدق، وبدون مبالغة، إنه إلى حدود الساعة، وباعتراف من الجميع، أن الميتودولوجية التي تطبقها الرئاسة المغربية في الدفع بالحوار والحرص على تطبيق القوانين الداخلية للمجلس بحذافيرها، وكذلك موقفها المحايد التام، جعلها تكون مصب الاحترام والتقدير في قيادة أشغال المجلس.

هل نجح المغرب في تنزيل جزء من الأولويات التي وضعها قبل ترشيحه؟

بالنسبة للقضايا التي تقدم بها المغرب كعنوان لترشيحه، بمعنى الأولويات التي طرحها من وجهة نظره، والتي يجب على المجلس أن يتطرق إليها في العمق، فهناك حصيلة إلى حدود الساعة، يمكن وصفها، بكل صراحة، بالمُحترمة، إن لم نقل ذات الجدوى والفعالية الأساسية.

نحن كمغرب، لنا تجربة طويلة وعميقة ومعترف بها دوليا في مجال حقوق الإنسان، لكننا، في الوقت نفسه، ننتمي إلى دول الجنوب، بمعنى أن قضايا التنمية هي قضايا أساسية بالنسبة لبلدنا، للتجاوب مع حاجيات الساكنة في المغرب وفي جل المعمور.

عندما نتكلم عن حقوق الإنسان، وهناك، بطبيعة الحال، حقوق تعتبر أساسية؛ وهي الحقوق السياسية والمدنية، المعترف بها، بطبيعة الحال، هناك، أيضا، إشكاليات أخرى في ما يتعلق بتنمية تلك الحقوق واحترامها. والمغرب كدولة سائرة في طريق النمو، تحرص على الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

وانطلاقا من السياسة والواقع، كما يمارسها المغرب من تجربته، طرحنا أولويات للمجلس وأعلنا عنها، بكل وضوح، فيما يتعلق بالأمن الغذائي، والأمن الصحي، والأمن المناخي.

كيف يتم الدفع بهذه النقاشات وداخل أي إطار؟

في هذا الإطار، كانت هناك لقاءات دولية بدعوة من الرئاسة المغربية بحضور أهم مدراء المنظمات الدولية، حتى الذين أتوا من خارج القارة الإفريقية. وكمثال على ذلك، نظمنا جلسات رئاسية بحضور كل هاته الشخصيات، إلى جانب أكاديميين وباحثين، وخرجنا بتصورات، وبوثيقة مهمة فيما يتعلق بتداعيات التغيرات المناخية على الأمن الصحي والأمن الغذائي، والتي تم تقديمها إلى رئيس الجمع العام في نيويورك، في إطار المفاوضات السارية حاليا، والتي ستفضي إلى قمة المستقبل المرتقب انعقادها، يومي 22 و23 شتنبر الجاري، في نيويورك.

من جهة أخرى، نظمنا، خلال الأسبوع المنصرم، نفس الجلسة الرئاسية في ما يتعلق بتداعيات الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيات الحديثة على التمتع بحقوق الإنسان.
وانطلاقا من مصالح دول الجنوب، والدول التي تعطي أولوية لأجندة التنمية، طرحنا للنقاش قضايا الهوية الرقمية، والولوج إلى التكنولوجيات الحديثة، في قطاعات أساسية بالنسبة للحياة اليومية؛ كالصحة.

وكذلك، بنفس المنهجية، خلصنا إلى تقرير من كل هاته النقاشات. ومسبقا، عن طريق السفراء الذين تم تعيينهم من طرف الرئاسة المغربية، قدمنا تقارير تفيد في سير المفاوضات بخصوص قمة المستقبل.

هذا كله يجعل الحصيلة الملموسة مُحترمة، وبل وأكثر من ذلك.

ماذا عن ما تبقى من فترة الرئاسة المغربية؟

سترون، بعد أسبوعين، لأول مرة، تحت الرئاسة المغربية، ستوضع هيئة استشارية فيما يتعلق بمقاربة النوع ما بين الرجل والمرأة، وهي الهيئة التي كونت من طرف الرئاسة المغربية، وستبقى مستدامة، وسيلتحق بها مدراء المنظمات الدولية في جنيف، وبعض السفراء المعروفين بنشاطهم فيما يتعلق بمقاربة النوع، بالإضافة إلى بعض المؤسسات الدولية والمجتمع المدني، بما في ذلك الهيئة الأممية المكلفة بحقوق المرأة.

ومن بين أهم المسؤوليات التي ستكون لهاته الهيئة الجديدة؛ ضمان التوازن والمساواة ما بين الجنسين في كل الحقوق، وممارسة المسؤوليات داخل هرم المنظمات الدولية، وهو ما له رمزية كبيرة جدا بالنسبة للمجلس.

زد على ذلك، أن هناك مسلسلات أخرى قائمة الذات وتشتغل وستستمر في الاشتغال إلى غاية نهاية ولاية المغرب، في أواخر دجنبر القادم.

خلال افتتاح الدورة 55 للمجلس تحدث وزير الخارجية ناصر بوريطة عن نية المغرب طرح ورش الإصلاح داخل مجلس حقوق الإنسان. أين وصل؟

هناك وثائق وضعت في ما يتعلق، مثلا، بالعقلنة وفعالية أشغال المجلس.

والسفراء الذين كلفوا من طرف الرئاسة المغربية قاموا بمشاورات واسعة جدا مع كل الأطراف.

لن أدخل في التفاصيل، لكني كرئيس، أحرص، كذلك، على المساهمة في هاته المسلسلات، بشكل شخصي، رفقة الزملاء.

إلى حدود الساعة، تم تقديم تصور حول ماهية الإجراءات التي يجب تبنيها من أجل التخفيف من كثافة وخلط الأشغال، وحتى يكون المجلس مركزا كما ينبغي، في ظل وجود نوع من المزايدات.

وللتوضيح، فالدول تتقدم بمشاريع قرارات، والتي تعني خلق آليات، أو طلب تقديم تقارير، أو متابعة نقطة هنا وهناك؛ ما يجعل كثافة الأشغال وتزايد مسؤوليات المجلس تصبح معيقا أمام أدائه لعمله. لذلك، يعتبر تقديم مقترحات مدققة من أولويات الرئاسة المغربية، وهو ما ستشهدون نتائجه، في الأسابيع المقبلة.

أعلنتم خلال افتتاح الدورة الحالية، عن سابقة من نوعها في ظل الرئاسة المغربية، وهي إنشاء موقع يتم التبليغ من خلاله عن حدوث أي تحرش أثناء أشغال المجلس.. حدثنا عن ذلك.

بالفعل، لأول مرة في تاريخ المجلس، والآن هي قائمة الذات. لأنه هناك سوابق سلبية مع الأسف، لكن الأمور تتغير وتتحسن. والمبدأ هو أن يتم منع أي نوع من أنواع التحرش، وأن يتم أخذ إجراءات صارمة في حق من يقوم بها.

هذا البروتوكول يسهل على الضحايا الولوج إلى الميكانيزمات المختصة كي يُتخذ الإجراء المناسب، ويكون الكل على بينة بأن المجلس ليس مكانا للتحرش.

كيف عمل المغرب على منع استغلال المجلس لتصريف المواقف السياسية التي لا تمت لحقوق الإنسان بصلة؟

مثلا، فيما يتعلق بالقضية الوطنية، أدعوكم إلى قراءة البيان الذي تلي، يوم أمس الثلاثاء، من طرف دولة ما، باسم مجموعة محصورة جدا داخل دواليب المجلس، وستجدون أنها عبارة عن ورقة كذب؛ حيث يروجون لمزاعم استغلال الثروات الطبيعية في أقاليمنا الجنوبية، ويفبركون كلاما لا علاقة له بدواليب الأمم المتحدة، لا يتكلمون عن قرارات مجلس الأمن، الواضحة في هذا الاتجاه، ولا عن تعاون المغرب، ولا عن تهرب الدولة الجارة من مسؤوليتها كما هو منصوص عليها في قرارات مجلس الأمن بالحضور إلى الموائد المستديرة وبتحمل مسؤوليتها. هذا ما نسميه نحن تسييس واستغلال المجلس لأغراض لها علاقة لها بحقوق الإنسان.

وأثير انتباهكم إلى أنه من باب الأدبيات والأخلاق، يجب تناول قضايا مطروحة في جدول الأعمال، أو مشار إليها من طرف المسؤولين الأمميين. فما يسمى بـ"قضية الصحراء" ليست مدرجة في جدول أعمال المجلس، منذ سنوات عديدة.

من جهة أخرى، الدول التي تخرق كل هذه القوانين، هي دول تخرق حقوق الإنسان، بل تقوم بممارسات ممنهجة ضد مواطنيها، ومتابعة دوليا، بشكل قوي؛ وهي الجزائر، وجنوب إفريقيا، وفنزويلا، ونيكاراغوا، وزيمبابوي.

بالمقابل، لم يتم ذكر اسم المغرب، من طرف المفوض السامي، ولو لمرة واحد، أثناء حديثه عن الدول التي تخرق حقوق الإنسان.

ويمكن أن نلقي نظرة على طريقة تدبير المغرب لقضايا الهجرة واللجوء، مقارنة مع الجار، لنرى أي منهما يطرد، بطريقة غير إنسانية، عشرات آلاف اللاجئين في اتجاه الصحراء القاحلة، في ظروف غير إنسانية. نحن لا نقبل أي قذف للمغرب في مجال حقوق الإنسان، إطلاقا.

كيف تعاملتم مع استغلال هذه الدول للقضية الفلسطينية من خلال مقاربة نزاع الصحراء المغربية بها، من خلال تنظيم ندوة، يوم أمس الثلاثاء؟

يجب أن أشير، هنا، إلى أن حضور مثل هذه الورشات يكون باهتا، إن لم نقل هامشيا. فرغم كل البروباغندا التي يقومون بها، على مر السنين، هنا في جنيف، يخرجون خاليي الوفاض. لا أحد يوليهم اهتماما.

تم تغليط وفدين أو ثلاثة وفود؛ بحيث أرسلوا مندوبين لحضور ما سمي بـ"الندوة"، ليتفاجؤوا بأنه لا وجود لأي نقاش حول القضية الفلسطينية، ما جعلهم يخرجون من القاعة وهم ممتعضون.

وبعد ذلك، تواصل معي السفير الفلسطيني، شخصيا، وعدة سفراء آخرين، ليقدموا اعتذارهم، ويخلوا ذممهم مما تم تداوله هناك، ويؤكدوا أنهم لا يتبنونه لا من قريب ولا من بعيد.

عودة إلى مسألة حقوق الإنسان، ألا ترى أن المغرب عادة ما يُظلم في التقارير الدولية؛ خاصة فيما يتعلق بحرية الصحافة، والاعتقالات؟

إذا كان المقصود هنا تقارير بعض المنظمات غير الحكومية، أو بعض المنظمات التي تنصب نفسها كوصية على تتبع قضايا حقوق الإنسان، فدائما ما ترد المؤسسات المغربية على المغالطات التي تحمل في طياتها جهلا حقيقيا.

بالمقابل، استقبل المغرب أكثر من 12 إجراء خاصا، كما أنه يتفاعل مع كل اللجان التي تتابع تطبيق الاتفاقيات الدولية في ميدان حقوق الإنسان، هذا هو الميزان الحقيقي للوضعية الحقوقية في المملكة.

لا وجود لأي دولة في العالم سليمة مائة في المائة فيما يتعلق باحترام حقوق الإنسان. لكن ورغم ذلك، فإن المغرب بلد منفتح أحرز تقدما كبيرا في حرية التعبير، أو الحرية السياسية، كما أن الصحافة المغربية منظمة كما ينبغي.

هناك توجهات لاستهداف المغرب بقضايا لا علاقة لها في الواقع بحرية الصحافة، وهو الأمر المرفوض، بشكل قاطع.

إدماج 15 دولة صغيرة في المشاركة في أشغال المجلس، حدثنا عن دور الرئاسة المغربية في إقناع المانحين وتأثير ذلك على المجلس؟

منذ أول يوم لجلوسي على كرسي الرئاسة، حرصت على استقبال تلك الدول، للحديث معهم والإنصات إليهم.

لهاته الدول خصوصيتها. لذلك، تحرص الرئاسة المغربية على أن توفر لها الإمكانيات اللوجيستيكية حتى تستطيع تتبع أشغال المجلس، عن بعد.

كما نلح على ضرورة التكوين؛ لأنه ليس من السهل التعاطي مع تقارير تقنية ولها امتدادات قانونية متشعبة.

حضور هذه الدول، رغم صغرها، مهم جدا. فمن حقهم، أيضا، أن يُسمع صوتهم.

وللعلم، إنها الأكثر تضررا، عالميا، من تداعيات التغيرات المناخية، لدرجة أن من بينها دول مهددة بالانقراض.

كما أن هناك صناديق داخل المجلس مخصصة لتمويل أنشطة هذه الدول، ضمن المبادرات المستحسنة.