حوار.. عميد شرطة ممتاز ليلى الزوين تكشف كواليس وتفاصيل مواجهة المغرب للجريمة الإلكترونية وتطوراتها

أحمد مدياني

داخل المقر المركزي للمديرية العامة للأمن الوطني، بالرباط، استقبلت ليلى الزوين، عميد شرطة ممتاز رئيسة مصلحة الأدلة الجنائية الرقمية والتصوير بالمديرية المركزية للشرطة القضائية، "تيلكيل عربي" للحديث عن كواليس وتفاصيل جهود المصالح الأمنية في مواجهة الجريمة الإلكترونية أو السبرانية.

وتطرقت الزوين في هذا الحوار للإمكانيات التي توفرها مديرية الأمن اليوم ببلادنا على المستووين المركزي والمحلي، من أجل محاربة نوع جديد من الجرائم التي تطرح مجموعة من التحديات لمحاصرتها وضبط مقترفيها.

كما كشفت الزوين عن كيفية رصد وتعقب وضبط مقترفي الجرائم الإلكترونية سواء داخل المغرب أو خارجه، وأوجه التعاون الدولي، بالإضافة إلى الخبرة التي راكمها المغرب في هذا المجال.

وتطرقت عميد شرطة الممتاز في حوارها مع  "تيلكيل عربي"، بالأرقام والمعطيات، لعدد الجرائم الإلكترونية التي سجلت بالمغرب خلال الفترة الأخيرة، بالإضافة إلى نوعيتها.

وقدمت أيضا معطيات دقيقة حول منصة "إبلاغ" التي أطلقتها المديرية العامة للأمن الوطني مؤخرا.

يطرح المغاربة دائما السؤول حول ما يتعلق بالجرائم الإلكترونية، كيف تواجهها المديرية العامة للأمن الوطني؟*

هناك مجموعة من الوحدات التي تم خلقها في إطار استراتيجية مندمجة وشمولية تبنتها المديرية، منذ عدة سنوات، والتي من أهم محاورها تقوية قدرات البحث والتحري. وعندما نقول تقوية القدرات، فنعني هنا خلق وحدات متخصصة.

وتتوفر المديرية، اليوم، على مصلحة مركزية لمكافحة الجرائم المرتبطة بالتكنولوجيا الحديثة، كما تتوفر على المكتب الوطني لمكافحة نفس النوع من الجرائم، والذي يتواجد على مستوى الفرقة الوطنية للشرطة القضائية. أما المصلحة الأولى، فهي على مستوى المديرية المركزية للشرطة القضائية.

أيضا، تم خلق فرق جهوية، حيث نتوفر، اليوم، على 34 فرقة جهوية مكلفة بالبحث والتحري في الجرائم السيبرانية.

وتتمثل مهام كل من المصلحة المركزية، والمكتب الوطني، والفرق الجهوية، في القيام بجميع الأبحاث والتحريات في هذه القضايا. وحينما نتحدث عن هذا النوع من القضايا، فهي مجموعة كبيرة من الجرائم، والتي عرفها المشرع المغربي من خلال القانون 05.20، وسماها الجرائم السيبرانية، وهي مجموعة من الأفعال المخالفة للقوانين المغربية والمعاهدات الدولية التي صادقت عليها المملكة، والتي تستهدف النظم وشبكات المعلومات، أو تستعملها كوسيلة لارتكاب جناية أو جنحة.

ويتم، أولا، تسجيل شكاية، أو رصد فعل يدخل في إطار الجرائم السيبرانية، والتي قسمها المشرع إلى نوعين. النوع الأول يتمثل في الجرائم التي تستهدف النظم وشبكات المعلومات، كالدخول غير المشروع لنظم معالجة المعطيات، وتعديلها، وحذفها، وتعطيل نظام ما. أما النوع الثاني، فيتعلق بالجرائم الكلاسيكية، والتي سهلتها تكنولوجيا المعلومات والاتصال، كالتشهير، والابتزاز، والنصب، وانتحال صفة، عبر الأنترنت.

حين يتم ارتكاب واحدة من الجرائم المذكورة، تقوم المصالح المركزية والجهوية بالقيام بالأبحاث الضرورية، والاستماع إلى الضحايا، وجمع الأدلة الإلكترونية، وتحديد هوية المشتبه بهم، وتقديمهم للعدالة.

وهناك وحدات أخرى تم خلقها في إطار نفس الإستراتيجية، وهي المختبرات، حيث نتوفر، اليوم، على مختبر مركزي على مستوى المديرية المركزية للشرطة القضائية، وهو مصلحة الأدلة الجنائية الرقمية والتصوير. كما لدينا مختبر على مستوى المكتب الوطني على مستوى الفرقة الوطنية للشرطة القضائية، بالإضافة إلى خمسة مختبرات جهوية متخصصة في تحليل الآثار الرقمية، بكل من الدار البيضاء، وفاس، ومراكش، والعيون، وتطوان.

وتتجلى مهام هذه المختبرات في القيام بجميع الخبرات الرقمية على مختلف الدعامات الإلكترونية، والتي يتم حجزها في إطار الأبحاث القضائية التي يباشرها ضباط الشرطة القضائية، سواء تعلق الأمر بالأدلة الإلكترونية المحجوزة في إطار قضايا مرتبطة بالجرائم السيبرانية، أو بغيرها من القضايا الأخرى.

*بالإضافة إلى التوصل بشكايات، هل هناك وحدات للرصد؟ وما هي طبيعة عملها؟

بالفعل، هناك وحدات رصد لجميع المحتويات المخالفة للقانون الجنائي المغربي، التي يتم نشرها للعموم.

أما بخصوص طريقة اشتغالها، فإنه وبمجرد رصد المحتوى المذكور، يتم القيام بالأبحاث السيبرانية حول موقع صاحب المحتوى وجمع معلومات عنه، ومن تم توقيفه وتقديمه للعدالة.

ليلى الزوين، عميد شرطة ممتاز رئيسة مصلحة الأدلة الجنائية الرقمية والتصوير بالمديرية المركزية للشرطة القضائية

وفي هذا الإطار، تم خلق منصة "إبلاغ" الجديدة، والتي يتمثل هدفها في إشراك جميع مستعملي الإنترنت في عملية الرصد.

وتتضمن المنصة شقين، شق مخصص للشخص الذي يكون ضحية، وشق ثان مخصص لأي شخص يصادف، أثناء استعماله للإنترنت، أي محتوى يخالف القانون الجنائي.

*قربينا أكثر من كيفية اشتغال منصة "إبلاغ" ومميزاتها

منصة "إبلاغ" هي بوابة إلكترونية ستكون متاحة للجميع من داخل وخارج المملكة، وستشتغل على مدار 24/24 ساعة، طيلة أيام الأسبوع.

وبخصوص الشخص الذي يريد التبليغ عن محتوى يخالف القانون الجنائي، فسيكون عليه، أولا، أن يحدد إن كان ضحية أم لا، ثم يوافق على الشروط التي تضمن له حماية المعطيات الشخصية، ثانيا، ويضع رابط المحتوى المذكور في المنصة، ثالثا.

*هل سيكون بالإمكان التبليغ دون الكشف عن الهوية الشخصية؟

أمر الكشف عن الهوية الشخصية سيبقى اختياريا في منصة "إبلاغ"، لكن إن كان الشخص المبلغ هو الضحية، فيفضل أن يمدنا بمعلوماته الشخصية، حتى نستطيع التواصل معه، ليطلعنا على تفاصيل ما تعرض له، في إطار الأبحاث التي سيتم القيام بها تحت إشراف النيابة العامة.

وفي ما يتعلق بدورنا بعد التوصل بالتبليغ، فسيتمثل، أولا، في التحقق من وجود المحتوى المتضمن في الرابط، ثم حقيقة مخالفته للقانون الجنائي، لنقوم بعدها بالأبحاث السيبرانية وإخبار مصلحة الشرطة القضائية المختصة ترابيا، والتي ستتكلف بدورها بإخبار النيابة العامة. بعدها، سنشرع في القيام بالأبحاث التقنية والميدانية تحت إشراف النيابة العامة المختصة.

*كيف تتعاملون مع حالة حذف المحتوى المخالف للقانون بعد التبليغ عنه؟

التحقق يتم فورا بعد التبليغ، لأننا نعرف أن احتمالية الحذف واردة. وحينما تحدثت عن الأبحاث السيبرانية، فذلك يعني مجموعة من المراحل التي تتضمن مرحلة "حفظ الأدلة"، حتى وإن تم حذف الرابط.

*في حال ما إذا قام صاحب المحتوى المخالف للقانون الجنائي بحذف حسابه، هل تتواصلون مع الشركات المالكة للتطبيقات الإلكترونية؟

الجرائم السيبرانية هي جرائم عابرة للحدود. ومن أهم محاور الاستراتيجية التي تبنتها المديرية العامة للأمن الوطني هي تقوية التعاون الدولي، والتواصل مع هاته الشركات يدخل في هذا الإطار، وعلى وجه الخصوص، شركة "ميتا" التي تملك موقعي "فيسبوك" و"انستغرام" اللذين يستعملان، بشكل كبير، في المغرب.

*كيف يمكن وصف تفاعل هاته الشركات معكم، هل هو سريع أم بطيء؟

تتفاعل بشكل سريع. فهي أيضا تتوفر على وحدات متخصصة في التعاون مع أجهزة إنفاذ القانون. كما أن المملكة المغربية توجد في لائحة الدول التي تتعامل معها "ميتا" فيما يخص الجرائم السيبرانية، وبإمكانكم التأكد من ذلك.

كما ستلاحظون أننا أكثر بلد في المنطقة يتواصل مع شركة "ميتا"، ويتم الرد على طلباته بمعدل كبير.

*كم بلغ عدد الشكايات التي توصلتم بها بخصوص الجرائم السيبرانية عام 2023؟

في عام 2023، تم تسجيل أكثر من 5600 قضية مرتبطة بالجرائم السيبرانية، منها ما تم رصده، ومنها ما كان موضوع شكاية.

وجاء على رأس هذه القضايا، جرائم الابتزاز (29 في المائة)، متبوعة بجرائم التشهير (24 في المائة)، ثم جرائم المس بالنظم والمعالجة الآلية للمعطيات (14 في المائة).

وفي نفس السنة، توصلت مختبراتنا بأكثر من 6400 طلب للتحليلات الرقمية.

*هل هناك تحديات تخص مسح الأدلة؟

كمختصين في الجرائم السيبرانية، سواء في المغرب أو خارجه، من الطبيعي أن نواجه تحديات تقنية وتكنولوجية، إلا أننا نسايرها ونسعى إلى تطوير تقنيات تساعدنا في الأبحاث.

*كيف تتعاملون مع الجرائم التي تتم على مستوى "الويب المظلم"؟

أريد التأكيد على أن أطر مديرية الأمن الوطني هم أطر مختصة (دكاترة، ومهندسون، وتقنيون، سواء في المعلوميات أو البيولوجيا أو الكيمياء)، والذين تلقوا، بالإضافة إلى تكويناتهم الأكاديمية في المجالات المرتبطة بالمعلومات، تكوينات في مجال الأبحاث السيبرانية وجمع الدليل الرقمي.

طبعا، تقنيات وتحديات البحث السيبراني الخاصة بالتعامل مع جرائم "الويب المظلم" تبقى مختلفة، لكن إمكانية البحث موجودة، والفرق تتوفر على الكفاءات والخبرات اللازمة من أجل القيام بعملها.

*هل الفرق المتوفرة كافية لتغطية التراب الوطني بأكمله؟

نعم، كما أننا دائما نشتغل على خطة عمل، بحيث يتم خلق وحدات عمل جديدة. وبلغة الأرقام، انتقلنا من 29 فرقة جهوية إلى 34، فضلا عن التعزيز الدائم للموارد البشرية واللوجيستيكية.

*كيف تتعاملون مع شكاية تخص جريمة إلكترونية ارتكبها شخص متواجد خارج التراب الوطني؟

هنا، سأعود إلى نقطة التعاون الدولي. وفي هذا الإطار، أشير إلى أن المغرب، وكأول دولة عربية، صادق، عام 2018، على الاتفاقية الدولية لمكافحة الجرائم الإلكترونية والدليل الإلكتروني ببودابست، التي تمكننا من التواصل، مباشرة، مع السلطات المختصة بالبلد الذي يعيش فيه المشتبه فيه، بحيث نطلب الاحتفاظ بالمعلومات وتجميدها.

هناك، أيضا، تواصل دائم مع منظمة "الأنتربول"، وتعاون مباشر مع المؤسسات المالكة لمواقع التواصل الاجتماعي، فضلا عن قنوات أخرى للتعاون الدولي التي طورناها.

سآخذ كمثال، موضوع الاستغلال الجنسي للأطفال، حيث نرصد محتويات يتم تقاسمها، بشكل سري، داخل مجموعات معينة.

وأشير هنا إلى أن المديرية العامة للأمن الوطني أقامت شراكة مع بريطانيا، والتي في إطارها، تمكنا من الانضمام إلى ما يسمى بنظام "CBS"، وهو اختصار لـ(Child Protection System)، الذي تم إنشاؤه من طرف ائتلاف طور منظومة إلكترونية تقوم برصد المحتويات التي توثق الاعتداءات على الأطفال، عبر شبكات "نظير إلى نظير" أو "Pear to Pear".

كما أن لدى المغرب شراكة مع أمريكا مكنتنا من الانضمام إلى بوابة "NCMEC"، وهو "المركز الأمريكي للأطفال المفقودين والمستغلين"، بحيث يمكننا التوصل بالتقارير التي تعدها جميع الشركات المالكة لمواقع التواصل الاجتماعي، بإلزام من القانون.

*هل تقومون برصد المنشورات التي تتضمن تهديدات، وكمثال على ذلك التهديدات التي يطلقها "ألتراس" فريق كروي ما في حق فريق آخر، قبل المباريات الكروية؟

أكيد، وسيصبح بإمكان أي شخص أن يبلغ عن ذلك من خلال المنصة الجديدة.

*هناك مؤثرون يشجعون متابعيهم على استثمارات محفوفة بالمخاطر، كالاستثمار في منصات "الفوركس" مثلا، هل بإمكان المديرية متابعة مثل هذه المواضيع؟

ليس هناك شيء لا نستطيع التدخل فيه، نحن نتابع كل فعل جرمي صريح، سواء في العالم الواقعي أو العالم الافتراضي.

*وماذا بخصوص مجموعات الرهان الرياضي غير القانوني، التي تستغل قاصرين، بمنصات مثل "واتساب" وتلغرام"، حسب عدة تحقيقات قامت بها مجموعة "تيلكيل"؟

نحن نتبع قانونا محددا، بحيث نفتح تحقيقا في أي خدمة مقدمة تشكل مخالفة.

*عودة إلى منصة "إبلاغ"، هل سيتم التعامل مع جميع التبليغات على محمل الجد، في ظل التبليغات التعسفية، أم أن الهدف الأول هو تشجيع المواطنين على التبليغ واستئناسهم بالفكرة؟

تماما، هدفنا هو التشجيع على التبليغ. وبعد ذلك، سنحقق في كل شيء، ونرى إن كان الأمر يستحق، لنفتح تحقيقا بخصوصه، أو أنه، كما قلت، تبليغ تعسفي، فنرفضه.

*هناك إشعارات كثيرة بموقع "إكس" تخص المديرية العامة للأمن الوطني، للتبليغ عن حساب ما.. كيف تتعاملون معها؟

بالنسبة للحسابات التي تنشئها المديرية من أجل التواصل، فهي من اختصاص الخلية المركزية للتواصل. بينما يتمثل اختصاص الشرطة القضائية في التحقيق في الشكايات التي تتوصل بها.

وبالطبيعة الحال كما قلت سابقا، من مهامنا أيضا رصد أي جريمة ترتكب داخل الفضاء الافتراضي.