تصويرفي مشهد نادر بالوسط السياسي المغربي، جمع حفل تقديم وقراءة كتاب "نبل السياسة" لمؤلفه محمد الضو السراج، نخبة من الشخصيات السياسية والفكرية التي قلما تلتقي تحت سقف واحد، رغم اختلاف مرجعياتها الإيديولوجية.
الحدث، الذي احتضنه مقر حزب التقدم والاشتراكية عشية الخميس، لم يكن مجرد تقديم لإصدار جديد، بل شكل مناسبة لتقاطع مسارات شخصيات طبعت المشهد السياسي المغربي لعقود، بحضور أسماء وازنة من مختلف التوجهات السياسية، اجتمعت حول سيرة إسماعيل العلوي، أحد رموز اليسار المغربي، وعضو مجلس رئاسة حزب التقدم والاشتراكية، وعضو أكاديمية المملكة المغربية، والوزير السابق.
هذا الحضور اللافت، الذي ضم قيادات من أحزاب يسارية وإسلامية وليبرالية، يعكس تأثير شخصية العلوي ومساره السياسي، الذي لطالما اتسم بالحوار والتوافق والانفتاح، وهو ما دفع العديد من الفاعلين السياسيين والمثقفين إلى اعتبار الكتاب أكثر من مجرد مذكرات شخصية، بل تأملا في تاريخ التجربة السياسية المغربية وتحولاتها الكبرى.
ومن أبرز الحاضرين، امحند العنصر، رئيس حزب الحركة الشعبية الأسبق، ومحمد بيد الله، الأمين العام السابق لحزب الأصالة والمعاصرة، وسعد الدين العثماني، رئيس الحكومة السابق والأمين العام السابق لحزب العدالة والتنمية.
وشارك في الحفل كل من الناشط الأمازيغي أحمد عصيد، ومحمد الساسي، عضو المكتب السياسي لحزب فيدرالية اليسار، وعبد الواحد الفاسي، القيادي في حزب الاستقلال، ونزار بركة، الأمين العام لحزب الاستقلال، ووزير الماء والتجهيز، وإدريس الأزمي، الوزير السابق والقيادي في حزب العدالة والتنمية
كما حضر كل من مصطفى الخلفي، الوزير السابق، وجامع المعتصم، كاتب الدولة المكلف بالإدماج الاجتماعي، وعبد الجبار الراشيدي، وعبد الإله ابن كيران، رئيس الحكومة السابق، والأمين العام لحزب العدالة والتنمية، إلى جانب قادة سياسيين وجمعويين ومثقفين، وقامات فكرية وأكاديمية متنوعة، ونشطاء في الحركة الجمعوية الوطنية.
وفي كلمة مقتضبة، أبرز محمد نبيل بنعبد الله، الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية، أن الحديث عن إسماعيل العلوي ليس سهلا، لما يحمل من مشاعر قوية داخله، قد تؤثر على مداخلته، مشيرا إلى أن الزعماء لا يكتبون سيرهم الذاتية، داعيا إياهم إلى الكتابة وتخليد مواقفهم ومسارهم.
كتاب تأمل
في هذا الصدد، قال محمد الأشعري، الشاعر والروائي والسياسي ووزير الثقافة السابق، في تصريح لـ"تيلكيل عربي"، إن "كتاب إسماعيل العلوي، وإن كان يمكن تصنيفه ضمن كتب المذكرات، إلا أنه أكبر من ذلك، لأنه أيضا كتاب تأمل في التجربة السياسية المغربية، منذ السنوات الصعبة واستحضار للمراحل الأولى للحركة الوطنية، وصولا إلى السنوات الطويلة التي قضاها المغرب في النضال من أجل الديمقراطية، والانتخابات النزيهة، واحترام حقوق الإنسان والحريات".
وأضاف الأشعري أن "إسماعيل العلوي لعب دورا محترما في كل هذه المراحل، لأنه كان دائما يمتاز بالقدرة على الإنصاف والحوار، ويمتاز كذلك بالتواضع والتسامح وقبول الآخر. لذلك، كان دائما صوتا حكيما في الساحة السياسية، يسهل كل المبادرات والمحاولات التي ترمي إلى رأب الصدع، وإلى تجميع قوى اليسار خصوصا، والقوى الوطنية عموما، لتحقيق أكبر قدر ممكن من المكاسب لصالح النضالات التي خاضها الشعب المغربي من أجل دولة حديثة وديمقراطية".
وشدد الأشعري على أن "الكتاب، فضلا عن ذلك، له جانب إنساني، حيث نلمس فيه الخصائص الثقافية والإنسانية والأسرية لمولاي إسماعيل العلوي، وهي خصائص تطبع التقاليد المغربية في مجال العمل السياسي، التي انبنت أساسا على النخب المدينية. ومولاي إسماعيل كان ينتمي إلى هذه النخب، ولا شك أن الاطلاع على بعض التفاصيل في هذا الكتاب سيسمح بدراسة المراحل التي يتحدث عنها الأستاذ إسماعيل العلوي دراسة سوسيولوجية وسوسيوثقافية وسياسية أيضا".
السياسة تنبني دائما وأساسا على بعد أخلاقي
وفي جوابه عن سؤال ل"تيلكيل عربي" حول ارتباط السياسة بالخداع والمكر والصراع، وكيف يمكن أن يكون "النبل" حاضرا في السياسة، أبرز الأشعري أن "أمثال الأستاذ مولاي إسماعيل العلوي لا يلتفتون إلى الكليشيهات التي تظهر من حين لآخر وتحشر العمل السياسي في خانة الأعمال القائمة على الزيف والخداع، بل يعتبرون أن السياسة تنبني دائما وأساسا على بعد أخلاقي أولا، ثم على المصلحة الوطنية العليا، لذلك، من المهم أن تتعرف الأجيال الجديدة على تجربة أخرى في السياسة، لا تقوم فقط على البهرجة والخداع والزيف، بل على المبادئ الجوهرية الصحيحة".
وأطر اللقاء كل من مصطفى بوعزيز، ومحمد الأشعري، وعبد الرحيم التوراني، وأداره محتات الرقاص، إلى جانب مؤلف الكتاب، الإعلامي محمد الضو السراج.