خبراء يضعون حصيلة البنوك الإسلامية تحت المجهر

الشرقي الحرش

بمناسبة مرور عامين ونصف على بدء العمل بـ"المالية التشاركية" في المغرب، نظم فريق العدالة والتنمية بمجلس المستشارين، الأربعاء5 فبراير، يوما دراسيا للوقوف على حصيلة هذا النوع من التمويلات، و أبرز التحديات التي تواجهه.  وحاول المشاركون في الندوة تقييم الوضعية الحالية للمالية التشاركية، واستشراف آفاقها المستقبلية.

 المالية التشاركية في أرقام

 بدر الدين نبيل،  نائب مديرية الاشراف البنكي، قدم عرضا تطرق فيه إلى مختلف المراحل التي قطعتها المالية التشاركية في المغرب.

 وبحسب بدر الدين فإن المغرب رخص منذ سنة 2017 لخمس بنوك وثلاث نوافد تشاركية لممارسة النشاط البنكي التشاركي، كما تم منح الاذن خلال سنة 2019 لـ: نافذة "سند للتمويل" التابعة لصندوق الضمان المركزي من أجل ممارسة النشاط المالي التشاركي.

 وتضم البنوك التشاركية 133 وكالة يعمل فيها 519 موظفا، كما تتوفر على 87272 حساب جاري.

 ويتضح بحسب العرض الذي قدمه نائب مديرية الاشراف البنكي أن عدد الحسابات الجارية لدى البنوك التشاركية انتقل من 5534 حساب جاري منذ غشت سنة 2017 إلى 87272 حساب جاري في دجنبر 2019.

 من جهة أخرى، بلغ اجمالي الودائع الاستثمارية 353 مليون درهم، فيما بلغ إجمالي التمويلات بالمرابحة 9 ملايير و100 مليون درهم.

 خصوصية التجربة

في هذا الصدد، اعتبر عبد السلام بلاجي، رئيس الجمعية المغربية للاقتصاد الاسلامي أن التجربة المغربية في مجال المالية التشاركية تظل فريدة ، خاصة فيما يتعلق بإعداد الأرضية التشريعية واستقلالية اللجنة الشرعية. وقال عبد السلام بلاجي "إن التجربة المغربية بدأت متأخرة مقارنة مع تجارب دولية أخرى ، لكنها استفادت من نقط ضعف هذه التجارب ومن نقط قوتها".

 وأشار بلاجي إلى أنه عكس تجارب دولية أخرى، فقد عمل المغرب على إعداد الترسانة القانونية لعمل البنوك التشاركية، فيما تم تأسيس "بنوك اسلامية" في دول أخرى بناء على تعليمات.

 الجانب الآخر، الذي يعطي خصوصية للتجربة المغربية هو الجانب المتعلق بمجال المطابقة الشرعية، حيث عمل المغرب على إحداث لجنة مستقلة تمام الاستقلال، والتي تتألف من منسق و9 أعضاء يتبعون للمجلس العلمي الأعلى الذي يترأسه الملك، وتقوم بإبداء الرأي بشأن مطابقة الأنشط العمليات التجارية والمالية والاستثمارية التي تقوم بها المؤسسات والهيئات العاملة في مجال المالية التشاركية لأحكام الشريعة الاسلامية.

 واعتبر بلاجي أن هذه الاستقلالية التي تتمتع بها لجنة اللجنة الشرعية لا توجد في أي دولة، مشيرا إلى أن اللجنة الشرعية في ماليزيا على سبيل المثال تتبع للبنك المركزي.

 وأوضح بلاجي أن هذه اللجنة منعت عددا من المعاملات التي اعتبرتها غير مطابقة لأحكام الشريعة الاسلامية من قبيل "التورق"، وهو شراء سلعة من البنك ثم توكيله من أجل بيعها بأقل من سعرها بهدف الحصول على المال.

 وقد أصدرت اللجنة لحد الساعة 39 رأيا منها 34 يخص القطاع البنكي. ويرى بلاجي أن المالية التشاركية تعرف اقبالا متزايدا في المغرب، نظرا لما يمكن أن تحققه على الصعيد الاستثماري والتنموي.

وكمثال على الاقبال على المالية التشاركية، أوضح بلاجي أن عدد الطلبات التي وردت بشأن صكوك الاستثمار تجاوزت 3 ملايير درهم، في حين أن المطلوب كان هو مليار درهم فقط.

 ولتبسيط الأمر، يقول بلاجي إن الصكوك تختلف عن سندات الخزينة التي يتم شراؤها مقابل فوائد، فيما يحصل مشترو الصكوك الاسلامية على أرباح المشاريع الاستثمارية المفتوحة، إذا تم تحقيق هذه الأرباح.

 ويرى بلاجي أن فتح الصكوك في وجه المواطنين بدل الاكتفاء بالمؤسسات والهيئات من شأنه أن يؤدي إلى اقبال كثيف عليها، مما سيؤدي لا محالة إلى ازدهار هذه المعاملة.

 خارطة طريق

 من جهته، اعتبر الخبير عبد الله الجويطي أن انتعاش المالية التشاركية رهين بخيارات الدولة، مشيرا إلى أن التجارب الدولية مختلفة في هذا المجال، فهناك دول كماليزيا تعتبر المالية التشاركية ركيزة أساسية في التنمية الاقتصادية، وهناك دول تعمل على ادماج المالية التشاركية من أجل تنويع العرض والاستجابة لطلبات فئات مجتمعية معينة.

 ويرى الجويطي أن النهوض بالمالية التشاركية يستوجب إعداد خارطة طريق من أجل انشاء منظومة متكاملة، وذلك بهدف تعزيز ثقة المستثمرين في القطاع ككل، وتعزيز مصداقية المنتوجات التشاركية، مشيرا في هذا الصدد إلى أن المنتوجات لن يتم الاقبال عليها في غياب التأمين التكافلي.

ويشير الجويطي أن اعتماد التأمين التكافلي خطوة ضرورية لاستكمال بناء المنظومة التشاركية وتعزيز تنافسيتها، مشيرا إلى أن غياب التأمين يطرح إشكالا في حالة الوفاة أو العجز عن الأداء.

ويختلف التأمين التكافلي عن التأمين التقليدي، في كون المشتركين في التأمين الأول يؤدون اشتراكات بموجب التزام بالتبرع لفائدة صندوق تسيره شركة بمقابل، ولا تستفيد من فوائض الصندوق بعد تغطية المخاطر، إذ يتم إعادة توزيعها على المشتركين، عكس التأمين التقليدي، حيث يدفع المنخرط أقساط التأمين لشركة التأمين مقابل تعويضه عن المخاطر، فيما تستفيد الشركة من اشتراكاته في حالة عدم حدوث مخاطر.

ويرى الجويطي أن تطوير المالية التشاركية يتطلب وضع خارطة طريق واضحة، معتبرا أن المطابقة الشرعية وحدها غير كافية دون استراتيجية تسويقية.

 تحديات التجربة

رغم البداية المشجعة للمالية التشاركية في المغرب إلا أنها لازالت تواجهها عدد من التحديات الأساسية.

 وبحسب عبد السلام بلاجي، فإن توفير السيولة واحد من التحديات التي تواجه البنوك التشاركية، مقترحا في هذا الصدد منحها قروضا بدون فائدة من بنك المغرب كما هو الحال بالنسبة لماليزيا، كما أن فتح باب الودائع الاستثمارية في وجه الجمهور من شأنه أن يوفر السيولة، بحسبه

  ودعا بلاجي إلى تجاوز الاكتفاء بعقود المرابحة وادخال العمل بعقود أخرى كالمضاربة والمشاركة والإجارة والتصنيع، مشيرا إلى أنه من شأن إدخال هذه العقود انعاش سوق المالية التشاركية.

 كما اعتبر بلاجي أن عدم وجود "خطاب الضمان" يطرح اشكالية أمام زبناء البنوك التشاركية، مشيرا إلى أن البنوك التقليدية تقدم ضمانات للمتعاملين معها من أجل القيام بعدد من العمليات المالية كاستيراد البضائع، لكن هذه الضمانة تكون بمقابل، الشيء الذي يعتبر غير جائز من الناحية الشرعية، وهو ما يستدعي البحث عن حل لهذه القضية.

من جهته، يتفق بدر الدين نبيل مع عبد السلام بلاجي في كون البنوك التشاركية تواجه مشكلا من حيث تدبير السيولة، مشيرا إلى أن هذا المشكل تمت معالجته جزئيا بفضل منتج الوكالة بالاستثمار بين البنوك، الذي مكن من ضخ السيولة لفائدتها، كما أن إصدار الصكوك من طرف البنوك قد يكون له دور كبير في تعزيز إمكانيات البنوك والنوافذ التشاركية، لكن ذلك رهين باستكمال النصوص التنظيمية المتعلقة بالصكوك، كما أن اطلاق عروض منتجات التأمين التكافلي في القريب سيعزز من تنافسية البنوك التشاركية ويقلل من المخاطر المرتبطة بالتمويلات.

 كما يرى بدر الدين أن المالية التشاركية لازالت في حاجة إلى التعريف والتوعية بها لدى الجمهور، فضلا عن ضرورة مراجعة المنظومة القانونية لملائمتها مع خصوصية المالية التشاركية، خاصة قانون الالتزامات والعقود.