خبير دولي: إحداث صندوق كورونا خيار حكيم سيكون دوره أساسيا في حال ظهور أوبئة أخرى

و.م.ع / تيلكيل

لامس الخبير في الجغرافيا السياسية والباحث في "مركز أبحاث سياسات الجنوب الجديد" (بوليسي سانتر فور ذ نيو ساوت)، ماركوس فينيسيوس دي فريتاس، في مختلف القضايا المرتبطة بالظرفية الاقتصادية الراهنة وكذا التداعيات الوخيمة للأزمة الصحية التي يمر بها العالم وأبعادها الجيوسياسية.

1- وصف صندوق النقد الدولي الوضع الحالي بأنه أسوأ ركود اقتصادي منذ الكساد الكبير. كيف تقيمون حجم وتأثير الانهيار المفاجئ للنشاط الاقتصادي؟

"هذه الأزمة ، على عكس الأزمات الأخيرة، أعمق وأكبر وأكثر حدة. الحكومات لم تكن على استعداد لرفع التحديات التي يطرحها عدو غير مرئي مثل فيروس كورونا. أحد أهم تداعيات أزمة "كوفيد 19" تتمثل في عدم اليقين إزاء المستقبل لأننا لا نعرف ما إذا كانت تدابير الاحتواء المعتمدة فعالة حقا أم لا أو ما إذا كان الفيروس سيصبح أكثر فتكا.

السياسات الاقتصادية المتبعة تعتمد وصفات قديمة لمواجهة الأوبئة، دون الأخذ بعين الاعتبار ضرورة تغيير السلوك البشري وكذا النماذج الاقتصادية التي نعتمدها، وما زلنا لا نعرف حتى الآن ما إذا كانت الموجة الثانية من الوباء ستكون أكبر من الموجة الأولى. هذا المستوى من عدم اليقين يؤدي إلى تراجع الاستثمارات وروح المقاولة والاستعداد للمخاطرة.

إن تفادي مثل هذا السيناريو يقتضي من الحكومات تحرير وتيسير الأعمال كما يتوقف على استئناف الصين لمستواها من الاستهلاك بعد أشهر من الحجر الصحي. فالعالم يعتمد على الاستهلاك الصيني لتحفيز وإنعاش الاقتصاد العالمي وهذه الأخيرة وحدها تستطيع أن تفعل ذلك لأن لديها حاليا القدرة والموارد المالية اللازمة".

2- لقد جاء وباء الفيروس التاجي ليذكرنا بأن الوحدة السياسية والاقتصادية الأساسية لا تزال هي الدولة القومية . هل تتوقع حدوث تغيير في العولمة الاقتصادية والنظام المالي الحالي المتسم بالتشابك؟

"وباء كورونا أصبح مشكلة سياسية وليس صحية فقط . و في ظل التنافس المحتدم بين الولايات المتحدة والصين على الريادة العالمية سجلنا إطلاق حملة تشويه تشمل جميع أنواع نظريات المؤامرة. ولا شك أن السياق الانتخابي في الولايات المتحدة قد زاد من تفاقم الوضع.

حقيقة أن إغلاق الحدود كان من أولى السياسات المعتمدة تحت شعار +أنا أولا+ ، يعكس أن الدول أدركت محدودية الاعتماد على استراتيجيات تعتمد على تلبية احتياجاتها من المواد في حينها، وأن الخلل في سلاسل التوريد العالمية يمكن أن تكون له تداعيات جد وخيمة.

ومع ذلك ، فإن العولمة ليست مشكلة. المشكلة الحقيقية هي أن الحكومات ليست مستعدة لمواجهة أزمات كبرى. ومن شأن التحليل العميق للوقائع التاريخية أن يقدم دليلا عمليا على أن الأوبئة تعد عاملا ثابتا في تاريخ البشرية، بيد أن الحكومات غرقت في السجالات السياسية الداخلية غير الضرورية وتخلت عن أهم وظائفها وهي ضمان رفاهية مواطنيها. إن أزمة الرعاية الصحية هي أسطع مثال على هذا الوضع.

الدول الغنية قد تتعافى بسرعة أكبر، وآمل أن يكون لتعافيها السريع انعكاسات إيجابية ويساعد البلدان الأقل ثراء على إنعاش اقتصاداتها".

3- لقد عطل الوباء سلاسل التوريد العالمية. هل تعتقد أن مثل هذا الوضع سيكون بمثابة تنبيه للبلدان النامية بضرورة القيام بتغييرات هيكلية لضمان قدر أكبر من الاستقلالية؟

"الاستقلالية والاكتفاء الذاتي من السياسات الأساسية لضمان القدرة على الاستجابة لحالات الطوارئ. ومع ذلك ، سيكون باستطاعة عدد قليل من البلدان الإنتاج بأسعار تنافسية. وسيعتمد ذلك على مدى قدرة البلدان على جعل صناعاتها المحلية تنافسية بما يكفي لخوض غمار المنافسة الدولية . لقد جلبت العولمة والتجارة الحرة فوائد أكثر بكثير من العيوب المرتبطة حاليا بفيروس كورونا.

يجب أن توفر البلدان مخزونا من المنتجات. وأن تكون قادرة على وضع خطط لتصميم شركات معينة لإنتاج المواد عند الحاجة. ومع ذلك ، لا تزال التجارة هي أفضل طريقة للبلدان للتحقيق النماء الاقتصادي والاندماج أكثر في العالم".

4 - كيف تنظرون إلى تصدي المغرب للوباء والجهود المبذولة لإرساء مقاربة إفريقية للتخفيف من وطأة هذه الأزمة غير المسبوقة؟
إحداث صندوق الطوارئ الوطني هو خيار حكيم، وسيكون دوره أساسيا في حال ظهور أوبئة أخرى".

خلال تفشي جائحة الأنفلونزا الإسبانية ماتت أعداد كبيرة من الناس بسبب الجوع أكثر من الوباء نفسه. لذلك ، فإن التدابير الاقتصادية للتخفيف من تأثير هذه الأزمات ضرورية للتعامل مع مثل هذه الحالات. تضمن التدابير التي توفر الاستقرار الاقتصادي على المستوى الوطني الاستقرار الإقليمي ويجب اتباعها في المنطقة لاحتواء التأثير الوخيم لجائحة كوفيد-19".

5- كيف يمكن الاستفادة من التكنولوجيا مستقبلا؟ وما تأثير جائحة كورونا على مستقبل العمل عن بعد؟

"سرع فيروس كورونا عدة أشياء من قبيل الواجبات المنزلية والتعليم عبر الإنترنت. كان توجه الجامعات بطيئا في اعتماد التعليم عن بعد. لقد غيرت أدوات الإنترنت أدوار المعلمين الذين يجب أن يتصرفوا الآن مثل المدربين والموجهين أكثر من المدرسين والملقنين التقليديين، حيث يقدمون المشورة عند الاقتضاء ، والملاحظات لتصحيح وجهات النظر وتعزيز التعلم.

لقد وفرت الإنترنت ولوجا أفضل لمجموعة من المعارف والقدرات التي لم يسبق لها مثيل في تاريخ البشرية. كما تتيح للطلاب التفاعل بشكل مكثف مع بعضهم البعض وتحسين إبداعهم. ومن ناحية أخرى ، اضطر المعلمون إلى إعادة تقييم تقنيات التدريس الخاصة بهم للتأكد من أن الدروس كانت مثيرة للاهتمام ومبدعة.

لقد أدركت الشركات أنها يمكن أن تخفض التكاليف وتعزز إنتاجية العمال بشكل أفضل عند القيام بأنشطة المكاتب المنزلية. ستراجع العديد من الشركات بالتأكيد استراتيجياتها ، مما يقلل من حجم المكاتب والتكاليف التشغيلية الأخرى. وبالتالي ، يجب أن تزيد الأنشطة عبر الإنترنت من الوظائف ، خاصة إذا كان بإمكانها تحسين مستوى التفاعل وتعزيز التواصل الأكثر سلاسة".