خديجة قدوري - صحفية متدربة
في ظل التغيرات المناخية التي يشهدها العالم، أصبح الجفاف وارتفاع درجات الحرارة من أخطر التحديات التي تواجه القطاعات الزراعية والحيوية. فقد أدى هذا التحول المناخي إلى تفاقم الأزمات البيئية والاقتصادية، مما أثر بشكل مباشر على الإنتاج الزراعي والموارد الطبيعية. ومع استمرار هذه الظواهر، بات من الضروري البحث عن استراتيجيات جديدة للتكيف مع هذه التحديات وضمان استدامة الموارد في المستقبل.
من الزراعة إلى التصدير
شدد الخبير الدولي في الموارد المائية من روما، محمد بازة، في تصريح لـ"تيلكيل عربي"، على "ضرورة تبني استراتيجيات فعالة للتعامل مع آثار الجفاف"، مؤكدا أن "التحضير يجب أن يبدأ قبل وقوع الجفاف نفسه. مثلا، في الزراعة، من الضروري اختيار أصناف المحاصيل التي تحتاج إلى كميات أقل من المياه مقارنة بتلك التي تستهلكها بشكل كبير. كما يجب اعتماد تقنيات الري الحديثة مثل الري بالتنقيط، الذي يتطلب كميات أقل من المياه مقارنة بأنظمة الري التقليدية مثل الري السطحي".
وأضاف الخبير أن "تغيير نمط التغذية على المستوى الوطني صار أمرا ضروريا، حيث يعتقد البعض أن الوضع الحالي قد يعود إلى ما كان عليه من قبل، لكن الواقع يشير إلى أن التغير المناخي هو الوضع الطبيعي الجديد، مع ارتفاع ندرة المياه واستمرار درجات الحرارة المرتفعة وعدم عودة معدل الأمطار إلى ما كان عليه سابقا".
ولفت الانتباه إلى أنه "يجب تكييف ممارساتنا الزراعية ونمط غذائنا ليتماشى مع هذه التغيرات. يجب أن نركز على استهلاك المنتجات التي تحتاج إلى كميات أقل من المياه. كما يجب أن نعيد النظر في سياسات التصدير، حيث أن تصدير المنتجات الزراعية يستهلك كميات ضخمة من المياه، وخاصة المياه الجوفية غير المتجددة، بينما تعاني بعض المناطق في المغرب من نقص حاد في مياه الشرب بعدما استنزفت مياهها الجوفية أو صارت ملوثة وغير صالحة للشرب، مما يستلزم تزويدها بمياه الشرب بواسطة الشاحنات الصهريجية (camions citernes)".
وأكد الخبير الدولي أن "بعض الدول، مثل إسبانيا، عندما تبدأ بوادر الجفاف، تقوم بتقليص صادراتها الزراعية لحماية مواردها المائية، حتى وإن كانت قادرة على الإنتاج. لذا، يتعين تعديل السياسات والممارسات لتتكيف مع تحديات الجفاف وضمان إدارة مستدامة وفعالة للموارد المائية".
"عار أن يصل المغرب إلى مرحلة تقنين مياه الشرب على المواطنين، وفي الوقت نفسه يصدر أرقاما قياسية من الخضر والفواكه التي تستهلك كميات هائلة من المياه، في أوج أكبر أزمة مائية تعرفها البلاد. هذه الازدواجية في الممارسات المتناقضة تعتبر من بين التصرفات غير المنطقية التي ينفرد بها المغرب حاليا". هكذا وصف محمد بازة، الخبير الدولي للموارد المائية، الوضع الحالي الذي نعيشه.
الجفاف والزراعة
ويرى محمد بازة، خبير دولي، أن "درجات الحرارة على الأرض سجلت أرقاما قياسية على مدى 13 شهرا متتاليا، حيث تجاوزت درجات حرارة كل شهر بمقدار 1.5 درجة مئوية من متوسطات ما قبل الصناعة، وفقا لتقرير صادر عن مصلحة كوبرنيكوس لتغير المناخ (Copernicus Climate Change Service – C3S)".
وأشار بازة إلى أن "الجفاف يؤثر بشكل مباشر وغير مباشر على الإنتاجية الزراعية. فمن الناحية المباشرة، يؤدي إلى تراجع القدرة الإنتاجية مقارنة بالفترات التي كانت فيها موارد المياه تصل إلى 14 أو 15 مليار متر مكعب سنويا، في حين أصبحت الآن تقتصر على 3 إلى 4 مليارات متر مكعب كمعدل سنوي. أما من الناحية غير المباشرة، فإن ارتفاع درجات الحرارة غير المناسب للعديد من المحاصيل الزراعية يساهم في زيادة انتشار الحشرات والأمراض الزراعية، التي تشهد تفاقما خلال سنوات الجفاف، مما يزيد من التأثير السلبي على النباتات والمحاصيل بشكل عام”.
الجفاف والأسماك
وأوضح الخبير الدولي أن "الجفاف يؤدي إلى ارتفاع حرارة المياه في المستنقعات، بما في ذلك السدود. ويترتب على ذلك عدة مشاكل، منها زيادة تكوين الطحالب، ونقص الأكسجين في الماء، وتدهور التنوع البيولوجي".
وفيما يخص البحر الأبيض المتوسط، أضاف الخبير أن "ارتفاع درجات حرارة السطح يسبب انقراض بعض أنواع الأسماك أو موتها، مما يتيح لأنواع جديدة تتكيف مع الحرارة العالية أن تستوطن المنطقة. بعض هذه الأنواع الجديدة تتغذى على الأسماك التي يعتمد عليها الإنسان، مما يهدد التنوع البيولوجي ويؤثر سلبا على الموارد السمكية".
الجفاف والثروة الغابوية والنباتية
وفي سياق متصل، أبرز الخبير أن "قلة المياه الناتجة عن الجفاف تساهم في زيادة خطر الحرائق. عندما تجف الغابات، تفقد النباتات لونها الأخضر وتقل قدرتها على النتح، مما يجعلها أكثر قابلية للاحتراق".
وتابع: "كلما جفت النباتات والأشجار، زادت احتمالية اندلاع الحرائق. والسبب الرئيسي وراء ذلك هو ارتفاع درجات الحرارة وانخفاض مستويات المياه، مما يضعف الأشجار. عادة، تحتوي النباتات على 70 إلى 80 في المئة من الماء أو أكثر، لكن في حالة الجفاف، تنخفض هذه النسبة إلى 40 أو 50 في المئة، وقد تصل إلى 5 في المئة أو أقل عندما تصبح جافة تماما، مما يجعلها أكثر عرضة للنيران".