خبير لـ"تيلكيل عربي": تصدير المنتجات الفلاحية يهدد الأمن المائي ويعكس خللاً في إدارة الموارد

خديجة قدوري

حسب المعطيات الصادرة عن "Harto Info" الإسباني المتخصص في تحليل البيانات الزراعية، شهدت صادرات الفلفل المغربي إلى الأسواق الأوروبية نموًا ملحوظًا في الربع الأول من عام 2024، حيث بلغت 136.92 مليون كيلوغرام، ما يعادل 12.67 بالمائة من إجمالي الفلفل المباع في الاتحاد الأوروبي. هذا الارتفاع الملحوظ بنسبة 96.43 بالمائة خلال العقد الماضي، جعل المغرب يتبوأ المركز الثالث كأكبر مورد لهذا المنتج إلى أوروبا.

ندرة المياه وزيادة تصدير المحاصيل الزراعية

وفي هذا السياق، أفاد محمد بازة، الخبير في الموارد المائية، أنه "فيما يتعلق بكمية الفلفل المشار إليها، يقدر تأثيرها على الموارد المائية بحوالي 50 مليون متر مكعب فقط، أي بمعدل سنوي يبلغ حوالي 5 ملايين متر مكعب وهو ليس مهما، لكن عندما نأخذ في الاعتبار كل  المنتوجات الأخرى التي يتم تصديرها، فإن الجانب المثير للاهتمام هو أنه، منطقياً وبناءً على ما يحدث في دول أخرى، فإن تفاقم ندرة المياه عادةً ما يؤدي إلى تقليص الإنتاج الزراعي الموجه للتصدير. لكن اللافت للنظر في المغرب هو أن الوضع يبدو معكوساً تماماً".

وأشار بازة، إلى أنه إذا تأملنا الوضع، فإننا نعيش حالياً في السنة السادسة من الجفاف، حيث دخل المغرب في مستوى الندرة القصوى للمياه في عام 2018 وبدأت تأثيرات الجفاف تظهر بشكل فعلي منذ عام 2019، لتزداد حدتها تدريجياً عاماً بعد آخر، أي أنه منذ 2019 وحتى 2024، تفاقمت ندرة المياه سنوياً بشكل أكبر مقارنة بالعام الذي سبقه. لكن وفي المقابل، نجد أن المنتجات الزراعية الموجهة للتصدير تسجل كل عام أرقاماً قياسية جديدة تتجاوز أرقام الأعوام السابقة. بمعنى أننا نصدر في كل سنة كميات أكبر من السنة التي سبقتها، وهو أمر فريد يميز المغرب. لكنه يثير الاستغراب، لأنه أولاً غير منطقي، وثانياً يشكل تهديداً كبيراً للأمن المائي في البلاد، كما تمت الإشارة إليه سابقاً.

ولفت الخبير إلى أن غالبية المنتجين الذين يوجهون منتجاتهم للتصدير ليسوا فلاحين مهنيين، بل هم في الغالب شركات ورجال أعمال لا يشغلهم الأمن المائي أو الاستدامة بأي شكل من الأشكال. أما الفلاح الحقيقي، فهو يفكر في مستقبله ومستقبل أبنائه، ويحرص على إنتاج مستدام يضمن له ولأسرته سبل العيش. فهو يدرك أن الحفاظ على استدامة الإنتاج ضرورة حيوية لاستمرار حياته المهنية.

وأوضح الخبير أن رجال الأعمال لا يهتمون بمسألة الاستدامة أو الأمن المائي، حيث يركزون بشكل أساسي على تحقيق الأرباح واستغلال الفوضى الناتجة عن ضعف تطبيق القوانين المتعلقة بالماء في المغرب.

وأشار إلى أن معظم المنتجات الزراعية الموجهة للتصدير تعتمد بنسبة تفوق 90 بالمائة على المياه الجوفية، بالنظر إلى تدني مياه السدود التي تعاني من ضعف شديد، لا تحصل منها الفلاحة إلا على كميات ضعيفة تُخصص غالباً لتلبية احتياجات أخرى غير الإنتاج الزراعي الموجه للتصدير.

وأضاف قائلاً إن رجال الأعمال، الذين ينصب اهتمامهم فقط على تحقيق الأرباح، يستغلون غياب تطبيق القانون فيما يتعلق بتوزيع المياه. إذ لا يتم تفعيل إجراءات تحديد حصص المياه التي يجب على كل مزارع استخدامها، أو الكميات المسموح بها، أو فرض الرسوم المتعلقة باستخدام المياه بما يتماشى مع القوانين المعمول بها. كما أن تجاوز الكميات المحددة لا يُواجه بالغرامات المفروضة قانوناً، مما يعزز هذه الفوضى.

وأشار إلى أن هذه الفوضى السائدة في إدارة وتدبير المياه في البلاد تُتيح استفادة فئة محددة من الأشخاص، معظمهم من المقربين من دوائر صنع القرار. هؤلاء هم من استفادوا من إعانات الدولة المتعلقة بحفر الآبار واعتماد أنظمة الري بالتنقيط وغيرها. وهكذا، يتجلى خلط واضح بين الريع والفوضى التي تطبع ملف المياه في المغرب و يستفيد منها هؤلاء. فلو كانت القوانين مطبقة والتدبير المائي مضبوطا كما يرام، لتوقف معظم هؤلاء على الإنتاج.

واستطرد قائلاً إن المنطق العلمي والعملي المتبع في بلدان أخرى يقتضي أنه مع تفاقم ندرة الموارد المائية، ينبغي أن تتراجع زراعة المحاصيل الموجهة للتصدير، لعدم توفر المياه الكافية. إلا أن ما حدث في المغرب خلال السنوات الخمس الأخيرة، من 2019 إلى 2024، كان عكس ذلك تماماً. فعلى الرغم من تزايد حدة ندرة المياه، شهدت كميات المحاصيل الزراعية الموجهة للتصدير ارتفاعاً مستمراً، حيث كانت الكمية المصدرة في كل عام تفوق الكمية التي تم تصديرها في العام الذي سبقه.

حماية الأمن المائي للمغرب أولوية أمام طلبات أوروبا

وفي رده عن سؤال حول كيفية التوفيق بين زيادة الطلب الأوروبي على المنتوجات الفلاحية المغربية والحفاظ على المارد المائية المحدودة، قال بازة، إن أوروبا وغيرها من الجهات، وخاصة أوروبا، تسعى إلى ضمان الأمن الغذائي لسكانها من خلال الاستيراد وهذا شيء طبيعي. لكن لا تطلب أوروبا أو غيرها من المغرب أن يزودها على حساب أمنه المائي ولا ينبغي أن يحدث ذلك. ولا يمكن تلبية طلبات أوروبا أو غيرها على أساس تدمير الأمن المائي للبلاد، أو المساس بسيادته المائية والغذائية. فأوروبا نفسها أصدرت في عام 2000 ما أسمته بالتوجيهات المائية وهي عبارة عن قوانين صارمة ملزمة لكل بلدان الاتحاد من أجل الحفاظ على الموارد المائية والنظم البيئة المائية وضمان استدامتها. ولو كان المغرب يطبق تلك القوانين، لما كان الوضع على ما هو عليه من تصدير مفرط وهدر للموارد المائية التي صارت قليلة جدا واصبح وضعها يهدد حتى تلبية متطلبات الشرب للمواطنين.

تطبيق الأبحاث الزراعية واستنزاف المياه الجوفية في المغرب

وحول موضوع البحث التكنلوجي وتشجيع الزراعة المقاومة للجفاف، أفاد الخبير بأن عدة جهات مغربية، بما في ذلك المعهد الوطني للبحث الزراعي ومعهد الحسن الثاني للزراعة والبيطرة ومدارس أخرى مثل المدرسة الفلاحية بمكناس، قد بذلت جهودًا كبيرة في مجال البحث العلمي الزراعي. حيث تم تنفيذ العديد من الأبحاث التي أسفرت عن نتائج هامة، إلا أنه وللأسف، لم يتم تطبيق هذه النتائج بشكل كافٍ في المغرب. والغريب أن بعض هذه النتائج قد تم اعتمادها وتنفيذها في دول أخرى، بما في ذلك الدول الغنية والمتقدمة.

وأضاف الخبير أن نتائج الأبحاث الزراعية التي أُجريت في المغرب تم تطبيقها في دول متقدمة، حيث استفادوا منها بشكل كبير. في حين أن التنفيذ في المغرب يبقى محدوداً، مضيفا أن الفلاحين الصغار يتأقلمون مع قلة المياه وندرتها. هؤلاء الفلاحون يعتمدون على خبرتهم الموروثة في المجال الزراعي، ويقومون بإنتاج محاصيل تتحمل الظروف المناخية القاسية حتى وإن كانت المردودية ضعيفة، في حين أن كبار المنتجين ورجال الأعمال الذين اقتحموا مجال الفلاحة لا يفكرون في تطبيق الممارسات المستدامة للإنتاج في ظروف نقص المياه وتغير المناخ.

وأشار الخبير إلى أن الفلاحين الحقيقيين، الذين لا خيار لهم سوى الزراعة ويعيشون من هذا المجال رغم محدودية دخلهم، هم الأكثر التزاماً بتطبيق هذه الممارسات. بينما كبار المستثمرين، الذين يتاجرون بالفلاحة من أجل الربح، يتنقلون بين المناطق ويبحثون عن مصادر جديدة للمياه عندما تنضب الموارد المحلية. هذه الممارسة أطلق عليها الخبير اسم "الري المتنقل" الذي يستفيد المستثمرون من خلاله من إعانات الدولة ويستنزفون المياه الجوفية بهدف التصدير ثم ينتقلون إلى مناطق أخرى تتوفر فيها المياه لنفس الغرض وهكذا.

واختتم الخبير حديثه قائلاً إن ليس جميع المصدرين للمنتوجات الفلاحية هم رجال أعمال، فهناك نسبة قليلة من الفلاحين الذين يشاركون في التصدير، لكنهم قليلون من جهة، وهم من كبار الفلاحين المقربين من مراكز اتخاذ القرار في هذا المجال، من جهة أخرى. ومع ذلك، تبقى الغالبية العظمى من الشركات المصدرة مغربية أو تشاركية مع جهات خارجية خاصة الفرنسية أو الإسبانية.