أبرمت ليلى بنعلي، وزيرة الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة بالمغرب، ومحمد ولد خالد، وزير الطاقة والنفط الموريتاني، يوم أمس الخميس، مذكرة تفاهم تهدف إلى تعزيز التعاون بين البلدين في مجالي الطاقة الكهربائية والطاقات المتجددة.
وفي هذا السياق، أفاد عبد الصمد ملاوي، الخبير في تكنولوجيا الطاقات المتجددة والأنظمة الحديثة، اليوم الجمعة، في تصريح لـ"تيلكيل عربي"، بأن الاتفاقية الجديدة بشأن الربط الكهربائي بين المغرب وموريتانيا تمثل مشروعا طموحا وخطوة مهمة ضمن جهود المملكة المغربية لتعزيز تعاونها مع الدول الإفريقية، خاصة دول الغرب الإفريقي، في إطار التحضير لتجمع اقتصادي واستراتيجي كبير، مسجلا أن هذا المشروع سيحقق فوائد كبيرة للبلدين.
وأوضح ملاوي أن هذا التوجه نحو الجنوب سيعزز مشاريع الطاقات المتجددة المولدة للكهرباء في المغرب، مضيفا أن المغرب يمتلك، بالفعل، خطي ربط كهربائي مع أوروبا عبر إسبانيا، يمران من خلال مضيق جبل طارق، ويُعرف هذا المشروع باسم "ريمو". وأُطلق الخط الأول، في عام 1997، بقدرة تقارب 700 ميغاواط، وتبعه خط ثان، في عام 2006، بنفس القدرة تقريبا؛ مما يرفع إجمالي التبادل الكهربائي بين المغرب وأوروبا عبر إسبانيا إلى حوالي 1400 ميغاواط".
وأضاف الخبير أن المغرب يتوجه الآن نحو الجنوب لتعزيز الربط الكهربائي مع موريتانيا بخط أو خطوط قد تصل قدرتها إلى ما بين 800 و1000 ميغاواط من الكهرباء عالية الجودة، والتي تتراوح غالبا ما بين 225 و400 كيلوفولط.
وأشار إلى أن هذا التوجه يأتي في إطار استثمار الطاقة الكهربائية المنتجة من الطاقات المتجددة في المغرب، سواء لتصديرها نحو دول الشمال؛ كأوروبا، أو نحو دول الجنوب الإفريقي عبر موريتانيا.
وذكر الخبير أن موريتانيا، من جهة أخرى، تبذل جهودا كبيرة في مجال توفير الكهرباء لدعم القطاعات الاقتصادية والتنموية. ومع ذلك، لا يزال أكثر من 40 بالمائة من المواطنين في موريتانيا غير قادرين على الوصول إلى الكهرباء بسبب محدودية إنتاج القطاع الكهربائي، والتي تعود إلى أسباب اقتصادية وجغرافية متعددة.
وتابع أن هذا التكامل مع المغرب عبر الربط الكهربائي يهدف إلى تسريع العملية التنموية في موريتانيا، من خلال تبادل فائض الكهرباء الناتج عن المجمعات الطاقية المتجددة في المغرب. وأكد أن هذا التعاون يتيح لموريتانيا الاستفادة من هذا الفائض لدعم الصيرورة التنموية التي تطمح إلى تحقيقها.
كما لفت الخبير إلى أن كلا من المغرب وموريتانيا يتقاسمان طموحات بيئية كبيرة، حيث يسعيان نحو إنتاج الكهرباء من مصادر متجددة. وأوضح أن المغرب قد حدد هدفًا يتمثل في إنتاج أكثر من 52 بالمائة من احتياجاته الكهربائية من الطاقات المتجددة بحلول عام 2030، بينما تسعى موريتانيا لتحقيق نسبة تقارب 50 بالمائة من الكهرباء من مصادر متجددة، ما يمثل زيادة بنحو 40 بالمائة عما كانت عليه في السنوات الأخيرة.
وأشار إلى أن هذه الجهود تأتي في سياق التحديات البيئية والالتزامات الدولية، لا سيما في ظل الضرائب الكربونية التي فرضتها المفوضية الأوروبية. وأكد أن المغرب وموريتانيا معنيان بالامتثال لهذه القوانين، إذ تتطلب التبادلات التجارية مع الاتحاد الأوروبي احترام معايير الإنتاج والنقل التي تعتمد على الطاقات الخضراء. وبالتالي، فإن التوجه نحو الطاقات المتجددة والكهرباء النظيفة أصبح من أولويات البلدين لتعزيز علاقاتهما الاقتصادية مع الاتحاد الأوروبي، ويأتي مشروع الربط الكهربائي في هذا الإطار لدعم تلك الأهداف المشتركة.
وفي سياق متصل، أبرز ملاوي أن هذا المشروع سيكون بمثابة لبنة في تعزيز العلاقات السياسية والتقارب الإقليمي الذي أعلن عنه المغرب في إطار "الخطة الأطلسية"، التي تهدف إلى تجميع دول غرب إفريقيا في إطار التبادلات التجارية عبر مجموعة من المشاريع، من بينها أنبوب الغاز الطبيعي الذي يمر من نيجيريا عبر عدة دول، مرورًا بموريتانيا ثم المغرب وصولًا إلى أوروبا.
وأضاف أن الخط، الذي تم الإعلان عن الاتفاقية بشأنه، والذي من المرتقب أن يتم تشغيله بعد سنتين، سيعزز من مشروع الأنبوب الغازي، حيث سيساهم في تسهيل إنشائه وتنفيذه من خلال الكهرباء التي ستنتج من الغاز. سيكون هذا الربط الكهربائي قادرًا على تبادل الكهرباء بين الدولتين، مما سيعزز من اقتصادياتهما في إطار التوجهات العالمية الكبرى.
من جهة ثانية، تابع المتحدث نفسه أنه يمكن للمغرب أن يبيع فائضه الكهربائي، سواء المنتج من المصادر المتجددة أو المنتَج محليًا. وكان الخيار الوحيد المتاح له في السابق هو أوروبا، حيث كان هناك خط ربط ثانٍ مع الجزائر، لكن هذا الخط تم قطعه في سنة 2021. وبذلك، سيحصل المغرب على منفذ ثاني عبر الربط مع موريتانيا، مما سيمكنه من التبادل الكهربائي أو البيع والشراء وفقًا للتسعيرة وعرض وطلب السوق.
وأشار إلى أن موريتانيا، أيضا، تمتلك مجموعة من المشاريع الكبرى لتوليد الطاقة المتجددة، التي تشرف عليها مؤسسات دولية بشراكة مع دول مثل فرنسا وألمانيا وغيرها من الدول المستثمرة في هذا القطاع. وبالتالي، سيمكن هذا المنفذ الثاني موريتانيا من بيع الكهرباء بأسعار تنافسية إلى المغرب، كما ستستفيد هي الأخرى من الكهرباء المغربية لتعزيز اقتصادها.
وقال ملاوي إن التبادل التجاري بين أي دولتين، مهما كان المنتج، يتطلب وجود قوانين حامية وميسرة لتسهيل هذا التبادل. وفيما يخص الكهرباء، التي يتم بيعها وشراؤها بين البلدين حسب الحاجة، فإن مذكرة التفاهم هذه ستعزز من التشريعات والقوانين الخاصة بهذا المجال. كما ستساهم في وضوح الالتزامات والواجبات بين الدولتين في إطار التبادل الكهربائي المستقبلي.
وأضاف، من جهة ثانية، أن المغرب منذ سنة 2009، ومن خلال مجموعة من المشاريع الضخمة وأبرزها مشروع "نور"، تمكن من كسب سمعة كبيرة واكتساب تجربة رائدة في مجال إنتاج الطاقات المتجددة باستخدام مختلف التكنولوجيات، سواء الحرارية، أو الشمسية، أو الكهروضوئية، أو الرياح بمختلف مكوناتها. وبالتالي، فإن هذه التجربة يمكن أن تستفيد منها موريتانيا في إطار التبادل التجاري الكهربائي المستقبلي عبر هذا الخط.
وأفاد بأنه يمكن للمغرب أن يستفيد من بعض التجارب لدى موريتانيا، خصوصًا أنها رائدة في إنتاج الهيدروجين الأخضر. حيث وضعت موريتانيا خطة تهدف إلى إنتاج حوالي 12 مليون طن من الهيدروجين الأخضر بحلول 2035، بقدرة تناهز تقريبًا 110 جيغاواط. وبالتالي، فإن لدى موريتانيا نفس التوجه والطموح الذي يسعى إليه المغرب. ومن خلال هذا التعاون، سيكون هناك تبادل للخبرات في مجال إنتاج الكهرباء الخضراء، سواء للاستخدامات الصناعية المباشرة أو لإنتاج الهيدروجين الأخضر. وهذا سيساهم في تعزيز استقرار المشاريع المرتبطة بالكهرباء، خصوصًا الكهرباء الخضراء، في كلتا الدولتين.
وسجل ملاوي أن للمغرب السبق في مجال تزويد القرى بالكهرباء؛ إذ أن 99.78% من المواطنين المغاربة، بما فيهم سكان القرى النائية، يتمتعون بالولوج إلى الكهرباء. وأوضح أن المغرب عمل على هذا الموضوع منذ سنوات طويلة. في المقابل، أكد أن موريتانيا لا تتجاوز نسبة 60% من السكان الذين لديهم القابلية للوصول إلى الكهرباء في البلاد بحلول عام 2023.
وبين أن ذلك يعود لعدة اعتبارات، أولاً للطبيعة الجغرافية للدولة، وكذلك لطبيعة تجمعات السكان في بعض المدن وتشتتها في باقي المناطق الأخرى. وأوضح أن هذا الخط سيعزز الربط الكهربائي ويزيد من عدد السكان الذين سيرتبطون بالكهرباء، إذ سيسهم في إنشاء بنية تحتية قادرة على الوصول إلى معظم السكان. كما سيعمل على تحسين التنافسية في أسعار الكهرباء، مما يجعلها في متناول جميع المواطنين والشركات التي ستعمل على إمدادهم بالكهرباء، بما في ذلك الشركات المحلية والإفريقية.
وأضاف الخبير أن هذا الخط سيعزز من التنمية، حيث تعتمد العديد من القطاعات مثل الصناعة، والحياة اليومية، والرعاية الصحية، والنقل، والتعليم على الكهرباء. وبالتالي، فإن هذا الربط الكهربائي سيعزز التنمية خصوصًا في الدول الإفريقية، بما في ذلك موريتانيا.
وتابع أن المعاهد والجامعات المغربية، قبل هذا المشروع، كانت تستقبل عددًا كبيرًا من الطلبة الأفارقة، بما فيهم الطلبة المغاربة، حيث يتم التكوين والتأهيل في الجامعات المغربية. وأوضح أن هذا الخط والمشروع الجديد سيرافقه مجموعة من الاتفاقيات التي تهدف إلى تكوين وتأهيل العنصر البشري، وخاصة في مجال الطاقات المتجددة والربط الكهربائي.
وفيما يتعلق بالتحديات التي قد تواجه هذا المشروع بالنسبة لموريتانيا، قال إن هناك تحديين رئيسيين؛ الأول هو التمويل، حيث تحتاج موريتانيا إلى موارد مالية ضخمة لتنفيذ هذا المشروع. أما الثاني فهو البعد الجغرافي، إذ أن الكثافة السكانية في موريتانيا متدنية، وهناك تشتت كبير للسكان في مساحات شاسعة. وأضاف أن هذا التشتت يزيد من التحديات المتعلقة بتزويد جميع المناطق بالكهرباء، ما يجعل التكلفة مرتفعة جدًا بالنسبة لطموحات موريتانيا في كهربة كافة المناطق.
وسجل أن المغرب تجاوز هذه المسألة، حيث أصبح الولوج إلى الكهرباء في المملكة يصل إلى 99.78 بالمائة. أما بالنسبة للتحديات التي قد تواجه المشروع، فإن أبرزها تتعلق بمدى قدرة موريتانيا على تزويد المغرب بالكهرباء عند الحاجة، خصوصًا أنها لا تزال لم تحقق الاكتفاء الذاتي في مجال الكهرباء، وهي بحاجة ماسة إليها.
وأوضح ملاوي أن هذا الخط الكهربائي سيكون أكثر فائدة لموريتانيا في المدى القريب، في انتظار تنفيذ مشاريع أخرى قد تساهم في تعزيز قدرة موريتانيا على تلبية احتياجاتها من الكهرباء.