تلقيت السبت الماضي دعوة لحضور معرض فني منظم بالمكتبة الوسائطية التابعة لمسجد الحسن الثاني بالدار البيضاء، من طرف جمعية "الفن للجميع" إلا أن فكرة المعرض كما يمكن أن يفهمه البعض، ليست متعلقة بعرض لوحات لفنانين معروفين، بقدر ما أنها مبادرة تستحق التشجيع، لكنها تستحق أيضا العديد من الأسئلة المحرجة.
قبل طرح الأسئلة، إليكم الفكرة: قررت جمعية "الفن للجميع" وهي للإشارة تضم نخبة من الرسامين وأساتذة الرسم، قررت تنظيم معرض لشباب في وضعية إعاقة حرجة، بيد أنهم يملكون في دواخلهم قوة ارتباط وجداني مع الريشة واللوحة، إذ أن رسم خط واحد فقط، يحتاج من خليفة وقتا ومجهودا، خاصة وأنه يرسم بفمه وليس بيده بما أنه لا يتحكم فيها بالشكل المطلوب، مثلما لا يتحكم في الكلام حتى، فماذا تبقى له غير اللون كي يبوح به؟!
يقدم لنا هذا الشاب درسا في المقاومة، مثلما تقدم لنا مريم درسا في الارتباط بالطفولة من خلال المواضيع التي اختارت الاشتغال عليها، بينما انفرد كل من أنس وياسين بإخراج لوحات عنيفة من خلال اللعب بالألوان والأشكال التي تتداخل وتتمازج فيما بينهما، مجسدة لنا مواضيع يصعب التعرف على طبيعتها من خلال أصحابها نظرا لعسر الكلام، فماذا تبقى لنا غير تأويل ما قاموا به؟!
السؤال الأول: من أين لهؤلاء الرسامين بكل تلك القوة؟ حينما ذهبت إلى المعرض ألفيتني أمام أمهات وآباء وأسرة صغيرة شكلت الدعم النفسي والمادي اللامشروط لهم، جعلت من العراقيل الصحية حافزا نحو التغيير، وآمنت بقوة الصحة الكبرى مقارنة بالصحة الصغرى، مثلما تحدث عنها اسبينوزا ونيتشه ودولوز. وجدوا في أجسادهم عناصر مقاومة تمنعهم من ممارسة ما يُعتقد بسيطا، كالأكل والشرب والحركة والكلام والتوجه للمرافق الصحية، لكن إيمانهم بالصحة الكبرى دفعهم وحفزهم إلى تجاوز كل ذلك ومصالحة اللوحة بروح مقاومة ليست في مستطاع الكل، عكس الذين يتسولون في الشوارع عارضين لعاهاتهم يشحذون بها مقتنعين بان الحياة انتهت بالنسبة إليهم قبل ان تبدأ.
السؤال الثاني: كيف تم عرض الفكرة؟ قبل العرض بأسابيع اتفق أعضاء الجمعية على هذه الالتفاتة، فوجدوا السند من طرف الذين آمنوا ويؤمنون بالتشجيع الإيجابي بدل الرؤية من فوق، وجدوا الدعم من إدارة المكتبة الوسائطية ومن بعض الممونين والمساهمين ماديا ومعنويا، دون نسيان وسائل الإعلام التي لبّت الدعوة وقامت بتغطية تنوعت أشكالها لكنها صبت في بحر واحد ألا وهو الإيمان بخليفة ومريم وأنس وياسين.
السؤال الثالث: وماذا بعد؟ هناك أسر تئن في صمت حينما تتكفل لوحدها بتربية شخص من ذوي الاحتياجات الخاصة. لا أريد أن أفتح ملف بعض الإطارات التي يهمها الاسترزاق والربح بدل ما اشتغلت من أجله بدافع نبيل يتعفف عن الماديات ويترفع عنها. جرب مثلا أن تعيش رفقة شخص بالكاد يحرك أطرافه، ربما لن نختلف أن في الأمر نضالا مستميثا وتعبا لا بد أن ينتهي بالعديد من الأمراض الجسدية والنفسية بالنسبة لذويهم الذين يرافقونهم في كل كبيرة وصغيرة، والدليل أن التوفر على كرسي متحرك ومجهز بأنواع شتى من المستلزمات الضرورية،لم يعد طلبا عاديا ومقبولا، بقدر ما أنه أصبح حلما بعيد المنال بالنسبة للعديد، خاصة الذين يقيمون في مناطق نائية.
السؤال الرابع: وماذا بعد مرة أخرى؟ ينبغي على وزارة الأسرة والتضامن أن تعيد ترتيب هذا الملف وأن تراقب كل كبيرة وصغيرة، أن تتوقف على مجموع مداخيل المؤسسات والجمعيات التي قررت التكفل بالأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة، وأن تسائل وهذا من حقها، وتحرك المسطرة القضائية إن استدعت الضرورة. ينبغي عليها بصفتها الجهة الوصية الأولى أن ترسم برنامجا تتحدد من خلاله الأهداف، وأن نتخلص من عادة سيئة جدا تتجلى في أن استقبال هؤلاء الأشخاص بالمراكز العمومية والخصوصية، وتعليمهم ليس من أجل التعلم، وإنما من أجل مراقبتهم داخل قاعات تتوفر على تجهيزات بسيطة، ويسهر على مراقبتهم مؤطرون يفتقدون للتأطير الحقيقي والمبتغى، ويشتغلون في ظروف جد مزرية، كافية للاقتناع بأن العمل بلغ مراده.
إذا توقفنا على هذا الحالات، وحددنا ما يجب علينا القيام به، ووضعنا كل شيء في مكانه المستحق، بواسطة أهداف مسطرة من طرف أهل الاختصاص وليس بدافع سياسي أو حزبوي ضيق، آنذاك فقط سنتمكن من الإنتاج بدل التكرار.