تواصل جائزة نوبل، إحدى أرقى الجوائز في العالم، تكريس التميز والإنجاز في مجالات العلوم والأدب والسلام والاقتصاد.
وينضم كل فائز بهذه الجائزة إلى صفوف الرواد وأصحاب الرؤى الذين تركت مساهماتهم بصمة لا تمحى في تاريخ البشرية.
في هذا الحوار الذي خص به وكالة المغرب العربي للأنباء، يسلط البروفيسور عبد الجبار المنيرة، عالم الأعصاب البارز وأول مغربي يشغل عضوية لجنة نوبل، الضوء على معايير اختيار المرشحين لجائزة نوبل للطب وتأثير البحث العلمي على الإنسانية، ويوجه نداء للباحثين المغاربة الشباب.
1 ـ بصفتكم عضوا في لجنة تحكيم جائزة نوبل للطب، ما هي الصفات الأساسية التي تبحثون عنها في المرشحين لهذه الجائزة، وما هي معايير الانتقاء التي تبدو لكم الأكثر أهمية؟
كان ألفريد نوبل واضحا للغاية في وصيته لتحديد معايير جائزة نوبل في علم وظائف الأعضاء أو الطب. وأوضح أن جائزة نوبل ينبغي أن تكافئ اكتشافا في علم وظائف الأعضاء أو الطب يكون مفيدا للإنسانية. ولذلك، فإن معاييرنا صارمة. خلال مناقشاتنا، نبحث عن اكتشاف يفتح آفاقا جديدة ويسمح لنا بالتعامل مع مشكلة ما بطريقة مبتكرة، أو يغير فهمنا للمشكلة بشكل أساسي. وهذا ما نسميه نقلة نوعية.
نعتقد أن أهمية هذا الاكتشاف يجب أن تكون مميزة حقا. وبالتالي لا يمكن أن يتعلق الأمر بمجرد اختراع أو تقدم بسيط، بل يجب أن يكون اكتشافا حقيقيا واستثنائيا، يساهم في رفاهية البشرية. الإنجازات حول مسار مهني بأكمله أو الريادة العلمية معايير لا تأخذ بعين الاعتبار بالنسبة لجائزة نوبل.
2 ـ باعتباركم عضوا في لجنة تحكيم جائزة نوبل للطب، هل لفت انتباهكم فائز أو اكتشاف بشكل خاص؟
كل جائزة نوبل تكتسي دلالة خاصة بالنسبة لي، لأنني مشارك بشكل مباشر من مرحلة الترشيح الأولية كعضو في لجنة نوبل، حيث ندرك أهمية اكتشاف معين. باعتباري عالم أعصاب، فإن كل جائزة نوبل تكشف عن ألغاز كيفية عمل أدمغتنا لا تنسى بشكل خاص بالنسبة لي..
في هذا السياق، فإن جائزة نوبل لعام 2021 لاكتشاف مستقبلات درجة الحرارة واللمس تكتسي أهمية كبرى بالنسبة لي بسبب اكتشافاتها الرائدة، إلى جانب شرف الإعلان عن هذه الجائزة.
ومنحت الجائزة إلى أرديم باتابوتيان، ذي الأصول اللبنانية-الأرمينية، وديفيد جوليوس، وهو أمريكي، وهما زميلان في علم الأعصاب، حيث كشفت أبحاثهم المبتكرة عن أحد أسرار الطبيعة: وجود مستقبلات درجة الحرارة واللمس. لقد أحدثت هذه الاكتشافات تحولا جذريا في فهمنا للأنظمة الحسية وإثراء فهمنا للعلاقة المعقدة بين بيئتنا وحواسنا وأذهاننا.
3 ـ ما هي برأيكم أكثر التطورات الطبية الحديثة إثارة، والتي لديها القدرة على الفوز بجائزة نوبل في المستقبل؟
باعتباري عضوا في لجنة جائزة نوبل، لا يحق لي الكشف عن أو مناقشة تفاصيل محددة تتعلق بالاكتشافات والترشيحات قيد التقييم. في السنوات الأخيرة، شهدت الأبحاث الطبية والعلمية تقدما كبيرا، وذلك بفضل تطوير تقنيات جديدة مكنتنا من الكشف عن تعقيدات الحياة والمرض. إن الأمر يتعلق بمرحلة مليئة بالشغف بالنسبة لنا من أجل المشاركة بنشاط ومشاهدة التقدم الملحوظ في الأبحاث الطبية.
لكن، يمكن القول إن العديد من الاكتشافات التحويلية لديها الإمكانية للحصول على جائزة نوبل في علم وظائف الأعضاء أو الطب يوما ما. ومع ذلك، يستغرق الأمر بعض الوقت لإجراء تقييم كامل لتأثير اكتشاف معين والكيفية التي غير بها معرفتنا.
بالإضافة إلى ذلك، في بعض الحالات، يمكن لظروف غير متوقعة أن تسلط الضوء على اكتشاف قديم يظهر تأثيره الحقيقي وفائدته للإنسانية.
4 ـ ما الذي يميز الفائزين بجائزة نوبل للطب برأيكم؟ هل لديهم أي خصائص أو سمات مشتركة؟
السمة المشتركة بين الفائزين بجائزة نوبل تتمثل في شغفهم الذي لا ينضب والتزامهم بمجال العلوم. إنهم فضوليون ولا يخشون المغامرة في مجالات علمية غير مستكشفة، الأمر الذي يتطلب في كثير من الأحيان مثابرة كبيرة.
في حقيقة الأمر، يؤكد غالبيتهم على المتعة التي يستمدونها من عملهم والسعي وراء شغف حقيقي، وهو ما يشكل قوة دافعة لجهودهم.
لم يبدأ أي من هؤلاء الحائزين على جائزة نوبل مسيرته المهنية بهدف محدد وهو الفوز بجائزة نوبل. بل على العكس من ذلك، فهم يسعون إلى إحداث تأثير دائم من خلال تجاوز حدود المعرفة العلمية.
إن ما يميز الحائزين على جائزة نوبل حقا هو شغفهم العميق بعملهم، وهو شغف لا يشغل تفكيرهم فحسب، بل يتردد صداه في قلوبهم أيضا. إن تجربة الانغماس الكامل في مهمة ذات أهمية عميقة هي خيط مشترك بين الحائزين على جائزة نوبل، وهو أمر لا يقل قيمة عن الجائزة نفسها.
5 ـ بصفتكم عالما مغربيا وعضوا في لجنة تحكيم جائزة نوبل ونشطا للغاية على المستوى الدولي، ومن شأن مسيرتكم المهنية أن تلهم الباحثين الشباب المغاربة. ما الرسالة التي يمكنك أن توجهها لهم؟
أنا من الداعمين لفكرة أن يكون مجال البحث متنوعا وتعاونيا بطبيعته، ونحن كباحثين نرى أنفسنا كمجموعة موحدة ومتعددة الثقافات. فعلى الرغم من أن كل واحد منا لديه خلفية وثقافة خاصة، إلا أن هدفنا المشترك كعلماء أعصاب هو فهم تعقيدات الدماغ والبحث عن علاج لأمراضه.
باعتباري باحثا مغربيا، أنا محظوظ للغاية بالتعاون مع بعض من ألمع العلماء من جميع أنحاء العالم. وآمل أن يشكل مساري وتجربتي وإنجازاتي مصدر إلهام للطلاب والباحثين الشباب المغاربة، وتشجعهم على متابعة شغفهم والانغماس في مسار بحثي مشبع.