أكدت دراسة حديثة، أن "ضعف الميزانية المخصصة للقطاعات الحساسة، ولو أن نسبها في الميزانية العامة للدولة قد تبدو غير بعيدة عما هو عليه الحال في بلدان أخرى. إلا أن اعتبار النسب المئوية لا يستقيم دون الرجوع إلى الأرقام المطلقة، في ارتباط مباشر بحجم الناتج الداخلي الخام من جهة، ومجموع ساكنة البلاد من جهة أخرى. هذا مع العلم أن موارد الميزانية العامة جد محدودة، بالنظر أساسا إلى ضعف المنظومة الضريبية وثقل المديونية العامة".
وأضافت دراسة جمعية عدالة حول "استثمار الدولة في الميزانيات الاجتماعية في علاقة بظاهرة الجنوح البسيط"، عُرضت في ندوة صحفية، اليوم الجمعة، أن "التركيز على الزيادة في الميزانيات المعنية هو لا ريب أمر مستعجل على المدى القصير، إلا أنه لا يكفي وحده للتصدي لآثار الجنوح البسيط. بل إنه يجب توسيع المقاربة بمنهجية نسقية شاملة، من شأنها مسائلة القطاعات الاجتماعية الأخرى المعنية مباشرة بشؤون الطفولة والشباب والفئات الهشة، من تعليم وثقافة ورياضة ومحاربة الفقر والفوارق الاجتماعية".
وشدّدت الدراسة على أن "الهدف الاستراتيجي هو القضاء أو الحد من العنف والجنوح البسيط من المنبع، هنا يستوجب أخذ بعين الاعتبار إخفاق سياسات التنمية الاجتماعية بصفة عامة، من بينها أساسا السياسة التربوية بالمعني الشامل، من تعليم وتأطير ثقافي وتنشيط رياضي، هذا بالرغم من بعض النتائج الإيجابية التي سجلت على الصعيد الكمي، كالرفع من مستويات الولوج إلى التمدرس، وبالرغم من تخصيص ميزانية هائلة لقطاع التعليم التي وصلت نسبتها هذه السنة إلى 29% من الميزانية العامة للدولة".
وأبرزت الجمعية أن "التجارب والدراسات الوطنية والدولية تظهر بوضوح أن عقوبة الحرمان من الحرية لها عواقب متعددة، إذا كان الأساس النظري للعقوبة يكمن في الحفاظ على التماسك الاجتماعي واستقرار الروابط الاجتماعية، فإن بيانات الواقع تشهد على مفارقة كبيرة، تتمثل في أن التطبيق الحرفي للقانون الجنائي، لا سيما في حالات الحبس الاحتياطي والجرائم البسيطة، يساهم بشكل عكسي، في تفكيك بعض الروابط الاجتماعية المتينة".
وأوردت أنه "بينما يتم تحديد العقوبة بطابع شخصي، فإنها، في تأثيرها، يتم قضاءها بشكل جماعي، متسببة في آثار ملحوظة على العديد من الأقارب والمجموعات بل على الأمة بأكملها".
وركزت على "أهمية أدوار منظمات المجتمع المدني الحقوقية في التمسك بقضية الجنوح البسيط والتدابير البديلة، وتحريكها من الجمود في تناغم مع الفاعلين المؤسساتيين الرسميين (وزارة العدل، النيابة العامة والمندوبية العامة لإدارة للسجون والإدماج)".
ونبهت الدراسة إلى أن "هناك عدة فرص مشجعة على التغلب على هذه القضية، نذكر من بينها، إصلاح منظومة قانون المالية من خلال القانون التنظيمي لقانون المالية الذي أصبح يلزم القطاعات الحكومية بإعداد مشروع الميزانية بمقاربة مبنية على النتائج وعلى النوع الاجتماعي، مع تحديد البرامج والأهداف والتدابير والنتائج المنتظرة ومؤشرات التحقق".
ولفتت إلى ضرورة "التحول الرقمي كناقل أساسي لتنفيذ مشاريع إصلاحية (قطاع التضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة مع السجل الاجتماعي الموحد، قطاع الصحة لترشيد التدبير وتوسيع الحماية الاجتماعية، قطاع التربية وعملية التتبع الفردي للتلاميذ عبر آلية مسار".
ودعت إلى "اعتماد النموذج التنموي الجديد الذي يولي اهتماما خاصا للقطاعات الاجتماعية وعلى رأسها التعليم والصحة، على عكس ذلك، هناك مخاطر، من أبرزها تراجع معدلات النمو الاقتصادي وتفاقم الفقر، حسب تنبؤات البنك الدولي، وذلك بفعل تأثيرات جائحة كوفيد 19، متبوعة بآثار الحرب الحالية بين دولتي روسيا وأوكرانيا، ثم تراجع المحاصيل الزراعية بسبب الجفاف الذي تعيشه البلاد هذه السنة".