يعتبر ابن مدينة آسفي أحد الممثلين الذين تسلقوا درجات العمل الإبداعي، مارس المسرح منذ الطفولة، وتأثر بالحراك السياسي والثقافي لمغرب السبعينات، فانخرط مبكرا في العمل السياسي، فكان أكثر راديكالية من أعمامه وذويه. بعد نيله للباكالوريا التحق نوفل البراوي بالمعهد العالي للمسرح والتنشيط الثقافي، فرسم أولة خطواته في عالم الإخراج بثقة نفس جميلة، لكمنه قبل شهرين من رمضان فجر البراوي قنبلة من العيار الثقيل عندما رفض شروط استغال في مسلسل من بنات أفكاره، فترك الجمل بما حمل، في هذه الدردشة يتحدث نوفل عن كل شيء...
بما أننا في شهر رمضان وبما أنك مخرج وفنان، سنبدأ بسؤال نمطي، ماذا تشاهد في التلفزيون؟
عادة لست من هواة مشاهدة التلفزيون في رمضان، وليس هذا العام فقط، بل منذ أعوام عديدة، وذلك لعدة أسباب، أولها أن المكان الذي نفطر فيه لا يتوفر على جهاز تلفزيون، وبما أن أغلب البرامج تتزاحم على فترة الإفطار، يتعذر علينا متابعتها فيما بعد، لأني أتوجه مباشرة إلى ممارسة الرياضة، وهو الأمر الذي يتطلب مني أكثر من ساعتين.
رمضان بالنسبة لي شهر قراءة بامتياز، إذ اعتدت أن أوفر ما تراكم من كتب أو مؤلفات إلى شهر الصيام. وبالتالي فإن الكتاب يكون خير أنيس لي، بينما أبتعد عن التلفاز قدر الإمكان.
ألست بعيدا عن المنطق، مخرج وزوجتك ممثلة وتقاطعان التلفزيون في رمضان، الذي يعتبر شهر الغزارة الإنتاجية بامتياز؟
لا أعتقد أن للأمر علاقة بطيعة عملنا، فأن أكون مخرجا وزوجتي ممثلة لن يجبرنا على مشاهدة الأعمال المغربية، إننا نفضل أن نؤجل مشاهدة مسلسلات أو أفلام إلى وقت يجمعنا، كما أفضل مشاهدته على الويب وليس عبر التلفاز.
المسألة الثانية، هي أنه بحكم عملنا واختلاطنا بالوسط الفني، تكون لدينا فكرة مسبقة عن مستوى الأعمال المقدمة، وهذا يجنبنا إضاعة الكثير من الوقت.
وحتى أصدقك القول، أتعمد الابتعاد عن مشاهدة الدراما المغربية في رمضان، لأنه ألفنا كل موسم أن نشهد غزارة كبيرة في الانتقاد وموجة سخط عارم على الأعمال، وبالتالي فحتى لو كنت عازما على مشاهة عمل ما، فإن الزخم الكبير من الانتقادات يفقدك الشهية، وبالتالي فإنني أفضل الابتعاد، خاصة وسط هذه الغزارة الإنتاجية التي تتدفق فقط في رمضان على شاشاتنا.
انسحبت من إخراج مسلسل في الدقائق الأخيرة من بدء التصوير، وذلك بعد أن دافعت عنه أمام لجنة القراءة والانتقاء في القناة الأولى، ثم اخترت الممثلين وأنجزت الديكور وأماكن التصوير، ما السر هل هي جينات اليسار الراديكالي التي أفاقت على حين غرة، ولماذا قفزت من السفينة؟
(يضحك)، لم أقفز من السفينة بل رميت منها. وحتى أوضح لك الأمر، يجب أن تعرف أنه لم يسبق لي أن تسابقت على الاشتغال في برامج رمضان، ولم يسبق لي ولو لمرة أن اشتغلت على مسلسل في شهر الصيام، ربما جرى عرض فيلم أو فيلمين تلفزيين لي في أحد الرمضانات السابقة، لكن مديرية البرمجة هي من اختارت توقيت البث، وعندما كنا نشتغل عليهما، لم نكن ندرك أنه سيجري عرضهما في رمضان.
ولأول مرة أقرر فيها الاشتغال على مسلسل رمضاني كانت مع مسلسل "سر الحمام"، إذ بدأت القصة عندما اتصل بي صاحب شركة إنتاج، ليسألني إن كنت أتوفر على سيناريو لمسلسل تلفزي، فأجبته بنعم، وهو سيناريو حملته منذ خمس سنوات، واشتغلت عليه رفقة الصديق السيناريست زكرياء لحلو.
وبالفعل التقينا، أعجب بفكرة المسلسل، ثم اتفقنا على اللقاء مرة جديدة ليكون ثالثنا السيناريست لحلو، ومضت الأمور على ما يرام، قدمت الرؤية الإخراجية أمام لجنة القراءة والانتقاء بالقناة الأولى، وأجبت عن جميع الأسئلة، التي طرحتها اللجنة، وجرى اختياره، حتى هنا كانت الأمور جيدة.
ثم مررت إلى مرحلة الكاستينغ واختيار الممثلين واللقاء بهم، ثم إعداد التصوير واختيار الأماكن والديكور، وكان شرطي الوحيد للمنتج أو شركة تنفيذ الإنتاج، هي أنه لن أبدء التصوير حتى ننتهي من كتابة الحلقات الثلاثين، حتى لا نسقط في عبث التسرع الذي يكون سببا رئيسا في السقوط في الرداءة والارتجال.
لكن المنتج المنفذ، الذي كان بالموازاة مع كل هذا ينفذ إنتاج فيلم باللغة الأمازيغية، ويجري تصويره بين أكادير وتارودانت، فرض علي الانتظار، حتى ينتهي طاقم التصوير من العمل، ليبدأ معي تصوير مسلسل "سر لحمام".
أراد أن يفرض الطاقم التقني نفسه، الذي يشتغل على مسلسل آخر، وبميزانية أخرى، في المسلسل الذي أخرجه، وله ميزانية أخرى، بمعنى أن منفذ الإنتاج أراد أن يشتغل بطاقم واحد لعملين ينفذ إنتاجهما وهو ما رفضته بالقطع.
وهل واجهته برفضك هذا؟
نعم، وضربت الطاولة أكثر من مرة، ووجدت نفسي أفاوض وأعاود التفاوض لنيل حقوق العمل، وأبسط ما يتطلبه عمل محترم.
وما كان رد شركة الإنتاج؟
لا يأبهون وغالبا ما يقولون لي إن أردت أن أحافظ على عملي فعلي أن أعتاد على تقبل مثل هذه الأمور، وأن الإنتاج الدرامي يسير بهذه الطريقة، وأن الإشكال في، وأني جد متطلب وأريد الوصول إلى الكمالية.
لقد طلبوا مني أن أنتظر انتهاء تصوير الفيلم الأمازيغي، وأن أبدا تصوير مسلسلي انطلاقا من 18 فبراير، ما يعني أن مدة التصوير ستستغرق 5 أسابيع، كيف يمكن أن أصور مسلسلا من 30 حلقة في هذا الوقت الوجيز، والمثير أنهم اتهموني بأني أشكك في قدرات شركة الإنتاج، وأستصغرها.
هل ندمت على الانسحاب من عمل أمنت به ودافعت عنه، ثم وجدت نفسك محروما من الاشتغال عليه؟
ليس هناك ندم بمعنى الكلمة، بل بالعكس كشفت لي هذه التجربة عن أمور عديدة، منها مثلا أن من بين مشاكل هذا القطاع، أن هناك سماسرة جدد ظهروا على الساحة، وهم مختصون في ربط العلاقات وإنشاء جماعات ضغط على القنوات والتلفزيونات والمخرجين، ويتقاضون عمولات من الممثلين والمخرجين وشركات تنفيذ الإنتاج.
من هم هؤلاء السماسرة؟
لا أعرف إن كنت ستكتب هذا الأمر أم لا، ولكن سأخبرك، إنهم بعض الصحافيين، الذين يستغلون أقلامهم، ليؤثروا على أصحاب القرار، فيلمعوا اسما ضد اسم، ويضربوا، ولو تحت الحزام، من لم يرقهم، والأدهى أنهم يشتغلون مع شركات تنفيذ الإنتاج، إنهم مبتزون جدد اكتشفوا أن العمولة المالية في عمل فني، يمكن أن تصل في بعض الأحيان إلى 50 مليون سنتيم.
ومنهم من تحول إلى ناقد سينمائي بقدرة قادر، في حين أن همهم الوحيد هو الاغتناء والعثور على عمولات سمسرة من أي كان، وهذا أمر غير أخلاقي بالمرة، إذ أنهم يستغلون أقلامهم وهيئات تحريرهم ليخدموا مصالحهم الخاصة، أولئك أيضا مسؤولون عن الرداءة الفنية، لكن لا أحد يشير إليهم بالأصبع، لا مديريات الضرائب ولا زملاؤهم في المهنة.
ألم أقل لك إن جينات اليسار مازالت مختبأة فيك؟ طيب كيف ترى استغلال بعض الممثلين والمشاهير لمسألة المقاطعة، هل هو ركوب على الموج أم مواقف صادقة؟
أولا، أنا ابن مدينة آسفي، وترتعرت في وسط عائلي وطني، كان أعمامي مناضلين في الاتحاد الاشتراكي في الستينات والسبعينات، وعندما بلغت عضدي انضممت إلى منظمة العمل الديمقراطي، كما مارست المسرح منذ الطفولة، وربما هذا ما جعلك تصف جيناتي باليسارية الراديكالية.
ثانيا، أنا ضد محاسبة النوايا، والنجم أو الفنان هو مواطن قبل كل شيء، وبالتالي فمن حقه أن يعبر عن غضبه من تدهور المستوى المعيشي وتراجع القدرة الشرائية، من حقه أن يصيح في وجه المحتكرين والمضاربين، الذين يكرسون لوضع اجتماعي واقتصادي يزداد فيه الغني غنى ويزداد فيه الفقير فقرا.
وصدقا أجد المقاطعة سلوكا حضاريا وسلميا وحد المغاربة، وهو حق أريد به باطل عند البعض، لكن على العموم فإن المقاطعة تعبر عن سلوك ووعي جديد لمغربي اليوم.
بما أنك ما زلت تحتفظ بجلد المناضل، ومن موقع مخرج وفنان، ما رأيك في ملحمة الأبطال؟
أنا لست ضد الإبداع ولا ضد الوطنية، ويجب أن ندرك أن 90 في المائة من الأفلام الهوليودية تخدم أمريكا وتخدم توسعها وتقدمها على أنها منقذة العالم والبلد الأكثر رقيا وتقدما في العالم، لكنها أعمال تبهرنا، وتجعلنا نبقى مشدوهين أمام الشاشات، على الرغم من أننا ندرك أنها أعمال بروباغندا تطبل للرجل الأبيض وللفكر الرأسمالي والاستهلاكي المتوحش.
الفرق هنا واضح، فالإبداع هبة يمنحها الله لمن يشاء، كما أن للمجتهدين نصيب، من حق الجميع أن يشجع المنتخب وأن يمدح البلد، لكن وفق شروط إبداعية راقية وجميلة، فالفن قبل كل شيء متعة.
آخر سؤال سيكون حول رفيقة دربك وزوجتك ثريا العلوي، إن طلبنا منك أن توجه لها انتقادا لم تستطع ابدا أن تبوح لها به؟
لا أستطيع أبدا، كل ما يمكنني قوله، أنها إلى جانب مجموعة من الفنانين المغاربة، لم تنل ما تستحقه، وأنا أؤمن بطاقاتها الإبداعية، ولو توفرت لها ظروف فنية أحسن لاكتشفنا ثريا أخرى، جد متألقة وجد معطاءة.