يتحدث "حديدان" بعفوية كبيرة وصراحة قل نظيرها، لا يخفي الشمس بالغربال، عندما يتعلق الأمر بالانتاجات الرمضانية هذا العام، بل يفصل في أسباب حصولها دوما على السخط والاستياء.
يقدم كمال كاظيمي نفسه بأنه فنان ملتزم، مقاطع، غير مهرول نحو الأضواء، وأنه ابن الشعب ولم يسقط من القمر، رغم أن كلمة الشعب ومن أجل الشعب صارت اليوم موضة على أفواه الكثيرين.
في هذا الحوار مع "تيل كيل عربي" يتحدث كمال عن كل شيء، عن المال والفن والنضال والجبن والمسرح والتلفزيون...
هل تتوقع أن يسود التذمر أوساط المتفرجين بسبب الأعمال الدرامية والكوميدية في القناتين العموميتين خلال رمضان هذا العام؟
أنا على يقين أننا سنرى التذمر ذاته والسخط نفسه هذا العام أيضا، وحتى لو كانت هذه الأعمال ذات جودة عالية، سواء من حيث الشكل أو المضمون، والسبب في نظري هو هذا التزاحم والغزارة الاستثنائية في الإنتاج، فكيف للمشاهد أن ينظم توقيته لكي يشاهد كل هذه الأعمال.
فالمفارقة هي أنه رغم أنني أشتغل في هذه الأعمال، إلا أنني أمتعض ولا أفهم كيف جرى اعتماد عرف بث أعمال كوميدية بعد الإفطار، إذ أتذكر أن في مرحلة شبابنا اعتدنا مشاهدة أعمال درامية محترمة تحترم ذكاء الجميع، وأتحدث هنا عن مسلسلات عربية كـ"الكواسر" والبواسل" والجوارح" أو أعمال مصرية كـ"امرأة من زمن الحب".
أما في السنوات القليلة الماضية، صرنا داخل دائرة مفرغة، يجري فيها اجترار الأفكار النمطية ذاتها، وبأسلوب فج وتبسيطي، وليس بسيطا، والمسؤولية هنا مشتركة بين الجميع، قنوات، شركات تنفيذ الإنتاج، كتاب سيناريو وممثلون.
من أين تأتي بهذا اليقين بأن الأعمال الدرامية والكوميدية ستكون "باسلة" هذا العام أيضا؟ ثم لماذا تقبل الاشتغال فيها؟
لنبدأ من السؤال الثاني. هناك من يدعوني إلى مقاطعة الاشتغال في هذه الأعمال وأن أغلق على نفسي وأبقى بئيسا معارضا. أنا فنان محترف ولا يمكنني البقاء عاطلا مدة طويلة، لكن أيضا لم أطرق، ولا مرة، باب مخرج أو منتج لكي أقترح عليه نفسي.
أما فيما يهم الشق الأول من السؤال، فأسباب السخط الرمضاني من الأعمال التلفزية، تتجلى في عدة عوامل: أولها الاشتغال على عجل أو حتى الدقيقة 90، المعطى الثاني أن التلفزة أطلقت زمام الأمور لصالح شركات تنفيذ الإنتاج، التي أصبحت المتحكم الأبرز وسيدة الموقف في العملية الإنتاجية برمتها، ثم النقطة الثالثة، والتي ستغضب كتاب السيناريو المغاربة، هي أننا نعاني من ضعف كبير في السياناريوهات، وأخيرا النقطة الرابعة، هي أن السيتكومات الكوميدية أثبت فشلها مع نموذج المشاهد المغربي، لم تخلق هذه المسلسلات لنا، وهناك مشكل بنيوي في إعدادها، وهو جنس فني "ماجاش معانا" و"ماشي ديالنا".
لماذا تغيب في رمضان هذا العام، ألم تتوصل بأي اقتراح أم هو خيار شخصي؟
قررت الابتعاد للراحة. لم أعد أجد متعة في العمل الدرامي، وامتنعت عن مجموعة من الأعمال المبرمجة لهذا الشهر الكريم، لأخذ مسافة عن الأضواء والإنتاجات، فكثيرون يعتقدون أن أجواء تصوير السيتكومات أو المسلسلات تتم في أجواء سعيدة، وأن جميع الممثلين راضون، وهو أمر غر صحيح. هناك عدد كبير، يتشغل مكرها ودون أن يكون مقتنعا بالنص، لكنه يدرك بالمقابل إنه إن ضيع فرضة الاشتغال في رمضان فإن عطالته ستطول، وقد تستمر حتى رمضان المقبل.
شخصيا أشتاق إلى المسرح، وأفكر في العودة إليه بقوة، فكما قلت لك أبو الفنون يمنحك هامشا كبيرا من الحرية، لا تجده لا في التلفزيون ولا في السينما.
في رمضان تنتعش الإنتاجات التلفزية وتنتعش معها جيوب الممثلين، لكن في السنوات الأخيرة صار التنافس بين الفنانين المغاربة على أشده للحصول على عقود إشهارية؟ هل صار الإشهار أكثر دخلا من التمثيل؟
الأكيد اليوم أن الفن فقد الكثير من بريقه وفقد وظيفته التي وجد من أجلها، كأداة توعوية ومحرضة على التفكير والنقد.
وشخصيا أنا ضد تهافت الفنانين على توقيع عقود إشهار، لكن ليس ضد المبدأ ككل، غالبا ما تبحث الشركات عن وجوه ترى فيها أنها الأنسب لترويج سلعتها، لكن أن يتحول الفنان إلى سلعة في حد ذاته، هذا أمر مؤلم، ولطالما أحسسنا به في مرات سابقة.
وأكيد أن عقود الإشهار تدر أموالا أكثر من التمثيل، لكن لم يسبق لي أن تهافت أو هرولت نحو شركات لأقترح عليها كسبولات أو أن أظهر في وصلات إشهارية. أنا ضد التهافت في هذا الباب، كما أني رفضت العديد من الإشهارات، وذلك عن قناعة.
هل ستكون متسامحا مع من يصف مسارك الفني الأخير، وتحديدا في الثلاث سنوات الأخيرة، بأنه بدأ يزيغ نحو "الشوبيز"، (الإشهارات و"مول الحكمة") كمثال؟
من حق الجمهور أن يعتقد أني تحولت إلى نجم "شوبيز"، لكن بالنسبة لي فالأمر غير صحيح بالمرة، فشخصية "مول الحكمة" التي هي حاضرة في جميع النسخ العالمية، نجحت في أن أعطيها نفسا مغربيا وأن تكون قريبة نوعا ما من شخصية "حديدان"، وهو التصور الذي نجح، إذ أن شركة إنتاج برنامج "جزيرة الكنز" لا تسمح بإدخال أي تغيير على شخصية "الأب فورا"، لكن عندما أصررت على القيام بنوع من التزاوج بين حديدان و"الأب فورا"، لم يعترضوا ونجحت شخصية "مول الحكمة" في فرض نفسها على الجيمع.
لكن حتى أكون صادقا معك، وبما أنني ممثل وفنان بدأ مساه من مسرح الهواة والمسرح الجامعي ثم مر إلى فرقة "النورس"، لابد أن نعي أن الاشتغال في أب الفنون ليس هو الاشتغال في التلفزيون.
فعندما يتحول الفنان إلى الاحتراف يضطر في أحيان كثيرة إلى الاشتغال، وإلا فإنه سيجد نفسه منعزلا ومنبوذا، ففي أحيان كثيرة، اشتغلت في أعمال لم أقتنع بها، لكن كان علي العمل، ولهذا السبب فإني أعز المسرح، لأنه يترك لنا هامشا كبيرا في حرية التطرق إلى مواضيع، ولن يقبل التلفزيون الاشتغال عليها أو عرضها، وهذا ما لا يدركه الكثير من الناس.
كنت من الفنانين القلائل الذين نزلوا إلى الشارع يوم 20 فبراير 2011، هل ماتزال فنانا ملتزما؟
دعني أخبرك شيئا، هناك أمر يضحكني بقوة، وهو أن أسمع فنانا يقول إنه يرفض الخوض في القضايا السياسية والاجتماعية، إنه عبث كبير، وأجد أن من يروج لهذا الطرح عليه أن يستحي من نفسه فعلا.
الفن في الأصل موقف، لا يمكن أن نعيش بدوم مواقف، ولو شاهدت المسرحيات التي اشتغلت عليها، ستجد أنها تتطرق لقضايا إنسانية عميقة وكبيرة. قضايا تضع الإنسان في قلب النص وتدافع عن الشعب والمقهورين.
أنتمي إلى جيل عاش سنوات الرصاص وعاصر الإضرابات السياسية والاعتقالات التعسفية، وأنتمي إلى عائلة مناضلة بامتياز. فعندما قررت احتراف الفن، كان في خلدي دوما تلك الروح المناضلة والمدافعة عن قيم الحق والعدل والديمقراطية. هكذا تربينا ونشأنا، مارسنا العمل الجمعوي وأدينا الأغنية الملتزمة.
لكن عندما انتقلت للعمل بشكل محترف سواء في التلفزيون أو السينما، تختلف الأمور، لأن هامش الحرية يتراجع، وبالتالي أصبحت أول من يعارضني، وغير راض عما أقدمه، لهذا فإني حاليا أستعد بقوة إلى العودة إلى المسرح، الذي أجد فيه المتنفس الحقيقي للنضال ومناقشة القضايا التي تهم الناس.
ما موقفك من حملة المقاطعة التي استهدفت ثلاث منتجات استهلاكية؟
أنا مع المقاطعين، لكن بالمقابل أرفض أن يجري القفز عليها لنوزع صكوك الوفاء والنضال حسب من أعلن مساندته للمقاطعة أولا.
النقطة الثانية التي أريد أن أشير إليها، هو أن الفنان الحقيقي عليه أن يتقصى الأمور. كان في البداية لزاما علينا أن نفهم المغزى من المقاطعة ولماذا، ومن وراءها، قبل اتخاذ قرار دعمها أو معارضتها.
أرفض أن أهرول وراء أي دعوة جرى إطلاقها، فقط لأنها في صالح الشعب، وبالمناسبة فكلمة الشعب ومع الشعب صارت موضة اليوم، كلنا مع الشعب، فهل أنا أتيت من القمر.
الفنان الحقيقي عليه أن يتريث، خصوصا "حديدان" الذي جعل من كاظيمي ملكا للجميع، فمن أدراني أن عملية المقاطعة مجرد مناورة سياسية، لذا انتظرت مدة للبحث في الأمر، وبعد نقاشات مع محيطي الذي أثق فيه، تبين أن حملة المقاطعة لها مطالب مشروعة.
ودعني أقول لك، إن الفنان اليوم أصبح بين نارين، فإن هو اشتغل بجد وكسب رزقه بجد، وركب سيارة جميلة، سيصفونه بـ"المرايقي" وإن كان منغلقا عن نفسه ويعيش وضعا مزريا وصفوه بالبئيس المتباكي الباسط يده دوما للتسول.
هل تؤمن بأن المغرب قادر على تنظيم كأس العالم 2026؟
الأمر جد معقد، خاصة عندما تخرج المنافسة الرياضية عن إطار الروح الرياضية والتنافس الشريف، ويصبح الخصم يعمل بمبدأ من ليس معي فهو ضدي.
لكن في اعتقادي المتواضع، حتى لو لم نحظ بشرف تنظيم كأس العالم 2026، علينا أن نواصل الاستثمار في البنيات التحتية، كتشييد الطرق والمستشفيات والملاعب الكبيرة والمطارات، في اعتقادي هذا هو الربح الحقيقي من هذا الترشح.