يعرفه المغاربة بدور "المهيدي" في مسلسل "وجع التراب" الذي لقي نجاحاً كبيراً، وأعيد بثه عشرات المرات. تألق في أدوار سينمائية كثيرة، آخرها دوره في فيلم "مسافة ألف ميل بحذائي". يعشق الرواية، وقليل الظهور خلال شهر رمضان بل يكاد لا يظهر. أمين الناجي ممثل بدأ من المسرح، ثم انتقل إلى الشاشة الصغيرة، ثم السينما.
في هذا الحوار، ينتقد الناجي بشكل مباشر ما يعرض للمغاربة خلال شهر رمضان، ويعدد الأسباب. يكشف سبب رفضه المشاركة في "السيتكومات" الفكاهية، كما يتطرق لحملة المقاطعة التي يقودها عدد من المغاربة ضد ثلاث منتجات.
*نبدأ معك من مجال اشتغالك وطبعاً السؤال الذي يطرح المغاربة كل عام: لماذا تواصل الأعمال الرمضانية إنتاج الرداءة؟ هل هي أزمة سيناريو؟ أو إخراج؟ أو اعطاء الأمور لغير أهلها؟
بالنسبة لي شخصياً، هناك شق من هذه الأزمة لا أفهمه، ولا أعرف بالضبط أصل هذا المشكل. هل أصله التلفزة؟ أم شركات الإنتاج؟ أم ريع تمويل الأعمال الرمضانية؟ أو غياب الرقابة عن الأعمال؟
المهم، هو أنه لا يمكن أن نستمر في السماح بمرور عمل رديء، مع العلم أنه سبق ومر على لجنة القراءة، وتم منحه الدعم، ثم يصور، ثم يعود للجنة المشاهدة، ولا أحد في هؤلاء يلاحظ أنه رديء، وهنا سوف نكون مضطرين للقول: هناك مشكل في المسار، أم هناك "إن"، كما يقول المغاربة، في تمويل ودعم هذه الأعمال. بل أبعد من ذلك، كل سنة، يدفعون المغاربة لتصديق أن هذا خيار للدولة وتوجه تدافع عليه التلفزة، لنشر الرداءة والحط من الذوق العام للمغاربة.
المغربي اليوم أصبح منفتحاً على القنوات الأجنبية، ويتابع خلال شهر رمضان وغيره إنتاجات سينمائية ودرامية، ويملك من الذكاء، ما يمكنه من القيام بالمقارنة واكتشاف أن ما يعرض له "يستحمره".
*ألا ترى أن بدعة بث الكوميديا في رمضان أصبحت متجاوزة، والدليل نجاح الأعمال الدرامية على حساب "سيتكومات" تتكرر كل عام بتغييرات بسيطة؟
أشنو غادي يوقع في التلفزة يلا ما درناش سيتكوم وقت الفطور، مثل أعمال درامية أو تاريخية أو دينية "أشنو فادي يوقع كاع في ملك الله".
هذا التقليد أصبح متجاوزاً، وما يتم عرضه ليست "سيتكومات" بمعاييرها، من حيث التصوير والإخراج والكتابة. "مني أنا وجبد واخا درت تجربة وحدة، ولكن ما مقتانعش بها".
لذلك شاركت في تجربة "سيتكوم" واحدة، ولم أكررها، لأنه حتى إذا ما بحث في الشخصية وتعمقت في ما يتطلبه تجسيدها، مع الاحترام للجميع، المخرج الذي سوف يوجهك في هذا النوع من الأعمال لا نتوفر عليه، كما أن "السيتكوم" يحتاج كتابة فكاهية من الواقع المغربي، واليوم يمكنك أن تقيس حجم تطور النكتة عند المغاربة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، مستواهم في "التقشاب ولى طالع بزاف" ولا يمكن اقناعهم بأي شيء، ويجب احترام ذكائهم.
أنا أعترف أني لا أستطيع لعب دور في سيتكوم بما يحتاجه ولا أملك إلى اليوم المؤهلات لإنجاح الدور، إذا غابت المعايير التي ذكرت.
"السيتكوم" إخراج للحوار الفكاهي، بموسيقاه ومشاهده وديكوره وشخصياته، "ماشي هو حفظ الحوار وآجي صور حلقة في نصف يوم"، وهذا ما يقع، قبل رمضان بأيام، تنتج الأعمال وتصور حلقتين في اليوم، المسرحية تحتاج 3 أشهر من التحضير و3 أيام من التصوير.
*هل عرضت عليك المشاركة في "سيتكومات" قبل رمضان ورفضتها؟
لا. في مساري، عرض علي "سيتكوم" واحد مع المخرج شوقي العوفير، ولعبنا أنا وكمال الكاظمي، وكنت مؤمنا بقدرة العوفير على إخراج شيء منا في هذا العمل، وقوته أنه درس الفن والسينما ويعزف على العود ومتمكن من إدارة الممثل، "زعمت"، ولكن كل هذا لم يمنع من إضعاف العمل بسبب الشروط التي وضعتها شركة الإنتاج (يضحك).
العوفير جاء بأفكار جديدة، في التصوير والإضاءة، لكن هذه الأمور لم تعجب الشركة، وفرضت اعتماد الطريقة الكلاسيكية التي نتابعها اليوم في الأعمال التي تعرض خلال هذا الشهر، وكنا سنوقف التصوير، وحدث مشكل، حينها قررت أن لا أشارك في أي عمل من هذا النوع.
*لكن شاركت في سيتكوم آخر بعنوان "الدنيا هانية" عرض على القناة الأولى...
هذا كان فيلم، والفكرة كانت لرامي فجاج، وهي تصوير حياة مجموعة من الشباب كارين رياض في حي الأحباس، كان دراما، ولكن سحب العمل من فجاج في آخر لحظة، ومنح للمخرج هشام العسري، وتحول المشروع من عمل درامي إلى "سيتكوم"، حينها كنت وقعت العقد ولا يمكن أن أتراجع. كان العمل في تصوره مغرياً للتجسيد، ولكن تغيرت الفكرة جذريا.
*هذا العام تقدم عملا دراميا واحدا، هل أنت مقتنع به؟ وهل يجيب عن انتظارات أمين الناجي في التمثيل؟
لم أمنح حتى 15 في المائة من الإمكانيات، لأنني كنت قادماً إلى تجسيد العمل بحلم كبير ولكن ارتبطت بتنفيذ صغير على مستوى الاخراج، وكأنني منحت حذاء قياس 38 وأنا "كنلبس" 42.
سيناريو الفيلم لم يمنح حقه في الإخراج، وأنا صراحة شعرت بالإحباط، لأن السيناريو كان مغرياً ومشوقاً، وقمت بمجهود للبحث في الشخصية، بل التقيت عدداً من الأطباء النفسيين لفهم الشخصية أكثر.
*ألا تفكر في ترك الشاشة الصغيرة والاكتفاء بتجسيد أدوار للسينما، خاصة وأن آخر أعمالك لقيت صدى جد طيب ونجاحاً عربياً وإفريقيا ودولياً، وأتحدث هنا عن "عرق الشتا" و"مسافة ألف ميل بحذائي"؟
أنا ممثل أعشق هذه المهنة، وأمارسها بشغف وحب وعندي "البليزير" نلعب ونشخص، يعني لا أفكر في الاكتفاء بتجسيد أدوار للسينما فقط، بل سوف أستمر في اللعب للمسرح والتلفزة وفي أي مكان يمنح إمكانية التمثيل، باستثناء الواقع في الحياة اليومية طبعاً (يضحك).
الأعمال التلفزيونية لها أهميتها كذلك، مثلا خلال رمضان الماضي والذي قبله، شاركت في مسلسل "سر المرجان"، هذا العمل كان له صدى طيب عند المغاربة، وأنا اكتشفت من خلاله خبايا "الترافيك" في "المرجان" وفي الجزء الثاني اكتشفت عالما آخر يخص "مافيات السمك". الأعمال يجب أن تكون منطلقاً لفتح نقاش عمومي، وجعل القضايا المجتمعية في صميم المعالجة الدرامية.
*في سياق ما ذكرته، لماذا الأعمال الدرامية تتحاشى معالجة الجنس والدين والسياسة؟
ومن يقوى اليوم على معالجة الجنس بعد ردود الفعل التي صدرت بسبب فيلم "الزين اللي فيك"، تركوا نقاش الواقع الذي يحمل هذه الظواهر، أمسكوا في الفيلم ومن جسد أدوار لشخصيات نصادفها يومياً.
من يقوى على جعل الدين في سياق النقاش العمومي من خلال الدراما أو الكوميديا. خلال وقوع أحداث 11 شتنبر 2001 كنا نصور مسلسل "العين والمطفية"، وكنت أجلس يومها بالقرب من الكبير الكاظمي، قال ليا مازحاً: "صافي لقاو شكون طيحو الطيارات والأبراج". أجبته: "أو بزربة شكون؟ !". قال ليا: "المسلمين". علقت أنا: "باش عرفتيها". أجاب "لقاو سطيلة ديال الوضوء نجات من تحطم واحد الطائرة" (يضحك).
هنا كمال استعمل التعليق بالسخرية على حادث، وكيف أنهم سيقولون المسلمين من فعلوها، ولكن إذا وضعت هذه العبارة في سياق عمل، انتظر حينها التأويلات.
أما السياسة، بكل صراحة، لا نملك من يعرف يومياتها جيداً بل حتى في الحد الأدنى لكي يكتب أو يخرج فيلماً سياسياً.
"ما كرهتش أنا نديرو فيلم على بن بركة وعمر بن جلون وبن عبد الكريم الخطابي ومحمد الزرقطوني..." ولكن مع من؟!
نتوفر على كنوز للكتابة وإبداع سيناريوهات درامية من الواقع المغربي وتاريخه، لكن الخطوط الحمراء في رؤوس من يتحكمون في هذا القطاع، ويمارسون الرقابة على أنفسهم دون أن تفرضها عليهم الدولة، هذه الأخيرة أطلقت مسلسل الإنصاف والمصالحة عن الجرائم التي ارتكبتها أجهزتها في سنوات الرصاص، لماذا لا يبحث المخرجون والكتاب عن آلاف القصص التي كتبت عن هذه الحقبة.
يوماً ما قال لي صديق ويعمل ضابطاً ممتازا: "الخطوط الحمراء راه باقية في مخاخكم، ولا ترغبون في الاجتهاد". هذا كلام رجل أمن، متعطش بدوره لرؤية أعمال درامية حقيقية.
*كنت من بين طاقم أنجح فيلم مغربي من حيث عائدات الشبابيك وصمد ثلاث سنوات في قاعات العرض المغربية، أتحدث هنا طبعا عن "الطريق إلى كابول" الذي لم تتجاوز ميزانيته حوالي 230 مليون سنتيم. ما سر نجاحه؟
بسيط وصعب. "الطريق إلى كابول" خلطة مغربية 100 في المائة، أي أنه لأول مرة لم نستورد تجربة لنقلها إلى الجمهور، بل اعتمدنا حياة شباب مغاربة يبحثون عن الهرب من واقعهم عبر الهجرة. اختيار أفغانستان كان مهما بالنسبة للفيلم، لأنه منح العمل التشويق، وأعطى مساحة للممثلين كي يظهروا تفاعلهم مع مواقف لم يسبق لهم أن عاشوها، وهم القادمون من بلد ينعم بالاستقرار إلى بلد يعيش الحرب ولا أحد يعرف هو مع من ومن يقاتل.
"الطريق إلى كابول" كان حواره بسيطاً مباشراً بدون تعقيدات، يشبه المغاربة، لذلك صمد ثلاث سنوات في دور العرض، وهناك من قال لي إنه ذهب إلى السينما 7 مرات لمشاهدته، وأنت تعرف ما معنى أن يذهب المغربي إلى السينما كل هذا العدد لمشاهدة فيلم.
*أخيراً هل أنت مع مقاطعة المغاربة لعدد من المنتجات؟
أنا "ماشي غير معاعهم أنا مقاطع". أنا ابن الأحياء الشعبية، ترعرعت وسط البسطاء والفقر وأعرف جيداً طعمه. يجب أن ينتهي هذا الجشع في الربح من جيوب المغاربة.
المواطن اليوم بدأ يُكون وعياً جمعياً تجاه حقوقيه، ويناضل لأجلها، لذلك يجب إعادة التفكير في طريقة ردود الفعل على مطالبه.